صيام رمضان
صيام رمضان
أ. د. طلال علي زارع
بضعة أيام ويهل علينا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلام هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)َ. ويطلق الصيام على الإمساك، والمقصود به هنا الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية.. ويجب الصيام على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس.. وقد رخص الله الإفطار للمسلم الذي يسبب له الصوم ضرراً أو تأثيراً سلبياً على مرضه أو لا يستطيع تحمله..
والصيام تدريب روحي ضد شهوات البطن والجسم. وليس المقصود بالصيام مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات، بل يجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال.
وللصيام عدة آداب فيما يتعلق بالغذاء يستحب للصائم أن يراعيها:
- يستحب تأخير السحور، وطعام السحور فيه بركة لأنه يقوي الصائم وينشطه ويساعده على تحمل الجوع، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا، فإن في السحور بركة).
- يستحب تعجيل الفطر متى تحقق غروب الشمس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد]. ويستحب أن يكون الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور) [رواه أحمد والترمذي عن سلمان بن عامر]. إن التمر سهل الهضم، فسكر الجلوكوز الموجود به يمتص مباشرة بدون هضم عبر جدران الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى عودة تركيز الجلوكوز في الدم إلى طبيعته في فترة وجيزة.
- ينبغي أن يكون طعام الإفطار خفيفاً حتى لا يشعر الصائم بالتخمة والتعب ويحدث له سوء الهضم. وتضر التخمة بالجسم، وهذا ما أثبته الطب الحديث، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) [الترمذي]. ويكثر الناس في شهر رمضان من تناول الأشربة والأطعمة الغنية بالدهون والسكريات مما يسبب الاضطرابات الهضمية، فينبغي تجنب تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة، وكذلك يفضل عدم الإفراط في البهارات والتوابل والمخللات.. وينصح الصائم بتناول الخضروات والفواكه الطازجة الغنية بالفيتامينات والمعادن والألياف التي تساعد على سهولة الهضم وتجنب الإمساك.
ولعل أهم ما يميز شهر رمضان عن بقية العام هو الصيام الذى يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار، بالإضافة إلي الجو الروحاني الخاص الذي يميز هذا الشهر من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار، وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية علي المرضي النفسيين الذين يعانون من العزلة ويشعرون أن إصابتهم بالاضطراب النفسي قد وضعت حاجزاً بينهم وبين المحيطين بهم في الأسرة والمجتمع. والصيام عموماً فيه شفاء من كثير من الأمراض العضوية والنفسية، ويكسب الإنسان فضيلة الصبر ومجاهدة النفس وتقوية الإرادة، وفيه ترويض للنفس على العطف على اليتامى والمساكين..
ويفيد الصيام في علاج كثير من الأمراض منها: سوء الهضم والتهابات المعدة وتهيج القولون واضطرابات الأمعاء والسمنة وسكري الكبار وأمراض الكبد وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والتهاب الكلى المزمن وآلام المفاصل والالتهابات الجلدية وحساسية الجلد والاضطرابات النفسية والعاطفية..
ويعتبر الصيام من أفضل وسائل إنقاص الوزن بل إطالة العمر بعد مشيئة الله، وهذا ما أظهرته دراسة أجراها المعهد القومي الأمريكي للشيخوخة، حيث تم في هذه الدراسة مقارنة مجموعتين من الفئران، المجموعة الأولى أخضعت لبرنامج غذائي قائم على صيام يوم وإفطار يوم، بينما المجموعة الثانية تناولت طعامها بشكل طبيعي. فظهر أن المجموعة الأولى فقدت وزناً أكبر وانخفضت قراءات ضغط الدم لديها وعاشت مدة أطول مقارنة بالمجموعة الأخرى التي لم تصم. كما توصل الباحثون إلى أن النظام الغذائي القائم على التجويع ثم الأكل - وهو ما يعتمد عليه الصوم في الإسلام - يساعد كذلك في الوقاية من كثير من الأمراض الخطيرة مثل الأمراض السرطانية والاضطرابات العصبية المزمنة مثل الزهايمر. ففوائد الصيام الصحية والنفسية متعددة ويؤكدها العلم الحديث في كل يوم.
فالصيام بالإضافة إلى كونه عبادة فهو أيضاً وسيلة علاج للجسم والنفس والروح، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (صوموا تصحوا) [رواه الطبراني].
talzari@yahoo.com