• ×
admin

الفقر.. المسؤول الأول عن الأمراض النفسية والعقلية

الفقر.. المسؤول الأول عن الأمراض النفسية والعقلية!
منظمة الصحة العالمية في يوم الصحة النفسية أكدت عدم وجود رعاية وعناية بالمرضى

د. ابراهيم بن حسن الخضير

قالت منظمة الصحة العالمية بأن الدول الفقيرة لا تعتني بالمرضى الذين يعانون من أمراض عقلية، مثل الفصام والاكتئاب والاضطراب الوجداني ثنائي القطب وغيرها من الأمراض العقلية والنفسية. وأضافت منظمة الصحة العالمية بأن المرضى النفسيين والعقليين يعانون من الإهمال وعدم الاهتمام برعياتهم من الناحية الصحية والنفسية والاجتماعية. فالمرضى لا يجدون أسرة في المستشفيات والأقسام النفسية بالمستشفيات العامة عندما يحتاجون للدخول إلى المستشفيات عندما تستدعي حالتهم الدخول والعلاج داخل المستشفيات.

إنها مشكلة تعاني منها جميع دول العالم المتقدم والغني منها وأيضاً الدول الفقيرة.

رعاية مرض الفصام في الولايات المتحدة الأمريكية تكلف سنوياً أكثر من خمسين مليار دولار ومع ذلك لا تستطيع الدولة رعاية جميع مرضى الفصام، الذين يهيم معظمهم في الشوارع بدون مأوى، حيث ينامون في محطات قطارات الأنفاق على أرصفة الشوارع الفخمة في مدن أمريكا الكبيرة والفخمة. فمثلاً منطقة مثل مانهانتن في مدينة نيويورك، حيث تعتبر من أفخم وأغلى المناطق في العالم، وفيها ربما أكثر منطقة في العالم تحوي عمائر عالية من التي يطلق عليها ناطحات السحاب. في هذه المنطقة رأيت شخصياً أعدادا هائلة من المشردين الذين ينامون على أرصفة أمام أشهر وأفخم وأغلى المحلات في العالم. معظم هؤلاء المشردين هم من المرضى العقليين والنفسيين، خاصة مرضى الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب. وبرغم كل المبالغ التي تدفعها الحكومة الأمريكية للعناية بمرض الفصام والتي تتجاوز خمسين مليار دولار، كما ذكرنا سابقاً إلا أن هذه المبالغ لم تستطع العناية بكل المرضى العقليين والنفسيين في الولايات المتحدة الأمريكية. العناية بالمرضى العقليين عملية مكلفة جداً، وفي أي دولة في العالم، لا توجد عناية كاملة وكافية بالمرضى النفسيين. وفي العاشر من أكتوبر من كل عام يحل اليوم العالمي للصحة النفسية، وبهذا يلتفت البعض للصحة النفسية وللمرضى النفسيين، يلقون بعض الكلمات ويوجهون بعض النصائح ولكن يبقى الوضع كما هو عليه!

المرض النفسي والعقلي يحظى برعاية أقل من جميع الأمراض الجسدية، فمراكز رعاية مرضى القلب مثلاً أو أمراض السرطان، بالنظر إلى مثل هذه المراكز والمستشفيات ومقارنتها بمراكز علاج الأمراض النفسية والعقلية نجد أن هناك نقصاً كبيراً في رعاية المرضى العقليين والنفسيين مقارنة بغيرهم من المرضى. وهذا الأمر في جميع أنحاء العالم. كنت قبل سنوات في مؤتمر في مدينة فيينا في النمسا وعندما تحدث رئيس اتحاد الأطباء النفسيين قال بأن وزارات الصحة في أوروبا لا تصرف أكثر من 1% من ميزانياتها على الصحة النفسية برغم أن المرضى النفسيين والعقليين يشكلون أكثر من 20% من عامة سكّان البلدان الأوروبية، وأيضاً هذا ينطبق على الدول الاخرى. حتى التبرعات بالنسبة للأمراض فإن التبرّع لرعاية المرضى النفسيين والعقليين وللأبحاث في هذا المجال فإنها أقل تبرعات في الخدمات الصحية، حيث تقع مثل هذه التبرعات في ذيل القائمة بأقل من 2%!. هذا الإهمال في الإنفاق والتبرعات على رعاية المرضى العقليين والنفسيين جعل الطب النفسي ورعاية المرضى النفسيين والعقليين يتخّلف كثيراً عن التقدم ورعاية المرضى في التخصصات الصحية الاخرى؛ مثل أمراض القلب أو الأورام أو مرض نقص المناعة التي تحضى بدعم كبير من الجهات الحكومية والتبرعات من القطاع الخاص، سواء كانت المؤسسات الأهلية الخاصة او التبرعات الخاصة من الأفراد الذين يتبرعون بمبالغ كبيرة لبعض التخصصات، حيث يحظى مثلاً تخصص أمراض القلب بالمركز الأول في التبرعات بينما يحلّ التخصص بالنسبة للأمراض النفسية في ذيل القائمة كما ذكرت.

فإذا كانت الدول الكبرى والتي تهتم أكثر من الدول النامية والفقيرة بمواطنيها الذين يعانون من الأمراض العقلية والنفسية، وفي هذه الدول تحاول هذه الحكومات المتقدمة جاهدة أن تفعل أكثر ما يمكن أن تفعله لرعاية هؤلاء المرضى ومع ذلك لم يحل هذا من ترك كم هائل من المرضى العقليين والنفسيين بدون علاج ولا حتى مأوى في ظل تخلي الأسر في معظم الدول المتقدمة عن مرضاهم العقليين والنفسيين. في الدول الفقيرة والنامية من دول العالم الثالث يبقى الوضع أكثر سوءًا؛ حيث أن الخدمات التي تقدّمها الحكومات والدول لا يرتقي إلى أي خدمات مرضية للأهل أو للمرضى. في بلادنا تتحمل الأسر والعائلات رعاية مريضها النفسي والعقلي، برغم ما يكلّفها ذلك من مبالغ كبيرة، قد لا تستطيع الأسر تأمين مثل هذه المبالغ الكبيرة التي يكّلفها علاج مريض فصام مثلاً يتناول الأدوية الحديثة المتقدمة في علاج مرض الفصام ولكن تكلف هذه الأدوية مبالغ باهضة قد تصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف ريال شهرياً، حيث أن بعض الأدوية الخاصة في علاج مرض الفصام تزيد قيمتها على ثلاثة آلاف ريال، خاصة لدى المرضى المزمنين والذين يتعاطون الأدوية الحديثة، وبالذات الحقن الحديثة طويلة المفعول والتي يستعملها المريض كل أسبوعين وبجرعات عالية وبحاجة إلى أدوية اخرى للمساعدة في العلاج، إضافة إلى أجور الأطباء في العيادات الخاصة، خاصة إذا كان المريض لا يتعالج في مستشفيات حكومية مجانية. للاسف الخدمات المجانية التي تقدّمها المستشفيات الحكومية للمرضى النفسيين ليس بذات جودة عالية نظراً لكثرة المرضى وقلة الأطباء والاختصاصين في هذه المستشفيات الحكومية مما يجعل أكثر المرضى النفسيين يلجأون للعلاج في العيادات الخاصة، وهذا يزيد من كلفة العلاج على الأسر، ناهيك إذا كان لدى الأسرة أكثر من مريض نفسي أو عقلي. مما يزيد المشكلة تعقيداً أن الأمراض النفسية والعقلية تكون أكثر عند الطبقات الفقيرة وهذا يجعل عبء تكلفة العلاج على أسر فقيرة أصلاً أكثر صعوبة، لذا تجد أسرة كثيراً ما تهمل علاج ابنها أو ابنتها من الامراض العقلية والنفسية برغم معاناة الأسر الفقيرة من تحمّل ما يترتب على الأمراض العقلية والنفسية من ضغوطات نفسية عليهم عندما يكون أحد أفراد الأسرة مريضاً بمرض عقلي أو نفسي.

في المؤتمر العالمي لاتحاد الأطباء النفسيين العالمي قبل عدة سنوات والذي عقد في اليابان وكان أول توصياته بأن السبب الأول للأمراض النفسية والعقلية هو الفقر!. فالفقر باعتراف أعلى هيئة متخصصة ومسؤولة عن الصحة النفسية في العالم هو المسؤول الأول عن الأمراض النفسية والعقلية، لذلك نجد أن الأمراض العقلية والنفسية أكثر انتشاراً بين الفقراء وهذا يزيد من معاناة الأسر والطبقات الفقيرة. ففي ظل عدم وجود أنظمة صحية جيدة للعناية بالمرضى النفسيين والعقليين بصورة مجانية وعدم قدرة الأسر الفقيرة على علاج مرضاهم في العيادات الخاصة وغلاء اسعار الأدوية النفسية تجد الأسرة الفقيرة نفسها بين مطرقة الإهمال لمريضهم العقلي والنفسي وما يترتب على عدم علاج هذا المريض وسندان الاستدانة والقروض من البنوك أو عن طريق شركات القروض عن طريق شراء سيارات تقسيط وبيعها نقداً، وبذلك يرزحون تحت وطأة الديون التي تعقّد حياتهم المعقدة أصلاً بالفقر وإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض عقلي أو نفسي! ليست هذه حالة نظرية، ولكنها واقع نعايشه كأشخاص يعملون في قطاع الصحة النفسية. كم من أسرة على مدى السنين التي عملت فيها في مجال الصحة النفسية، أفاجأ بأن الأسرة قد أدخلت مريضها النفسي أو العقلي إلى مستشفى خاص لعلاجه، ونظراً لعدم وجود مبالغ نقدية مع الأسرة فإنها تلجأ إلى الأشخاص الذين يقرضون عن طريق بيع السيارات لدفع ما تطالب به المستشفيات الخاصة وعادة ما تكون مبالغ كبيرة، خارج القدرة المالية للأسرة وهكذا تصبح الأسرة في مشاكل متنوعة، فالشخص المريض النفسي أو العقلي في الأسرة يجعلها تبحث عن أي مخرج نتيجة للضغوط النفسية التي ترزح الأسرة تحت وطأتها، والحل بالديون والقروض هو أيضاً يزيد الضغوط ضغوطاً وتصبح الأسرة في وضع مزر من نواح كثيرة. هذه التعقيدات، وهذه الضغوط النفسية الشديدة التي تعاني منها الأسر التي يصاب أحد أفرادها بمرض عقلي أو نفسي يؤثر سلباً على العلاقات بين أفراد الأسرة، ففي بعض الحالات تصل المشاكل إلى الطلاق أو التفسّخ والانحلال الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة الضغوط التي ذكرناها والتي يسببها وجود مريض عقلي أو نفسي في الأسرة. لا أريد أن أتكلّم عن المدمنين، هذه قضية مؤلمة، واحدى أكثر المشاكل النفسية التي يعاني منها أي مجتمع بكافة أطيافة، وفي البدء معاناة الأسرة التي تعاني أكثر من أي طرف آخر ما يترتب عليه الإدمان من مشاكل قد تصل إلى الجرائم التي تقض مضجع الأهل وتجعلهم في دوامّة من التشوّش.

إن اليوم العالمي للصحة النفسية والذي هو في 10 أكتوبر، يوم عالمي للتذكير بفئة مظلومة فعلاً من قِبل الحكومات والمؤسسات الأهلية ومن قِبل المجتمعات أيضاً.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  2045