الفساد.. لماذا؟
الفساد.. لماذا؟!
منى يوسف حمدان
في مقال سابق تحدّثتُ عن الفساد.. هل له من نهاية؟! وقد نال هذا الموضوع قدرًا كبيرًا من المتابعة والتعليقات من القرّاء؛ ممّا جعلني أفكّر في استكمال ما بدأت الحديث عنه من فساد، فالفساد قد لا يكون ماديًّا فقط، بل قد يتجاوزه ليصل إلى الفساد الأخلاقي، وفساد الذمم في زمن يتبرّأ من أناس أساءوا وتمادوا في الإساءة والطغيان والبغي، وكل ذي مروءة ونخوة وشهامة ونبل أخلاق يبرأ إلى الله من أخلاق فسدت، وذمم ضيعت أمانة أنيطت في أعناقها.
هناك أناس يعيشون بيننا، لا يريدون أن يعترفوا بأن هناك خللاً في أخلاقيات المجتمع، وذمة بعض أفراده، ويريدون أن نصوّر لأنفسنا مكانة وهالة فيها قدر كبير من الكمالية أمام الآخرين، وكأننا نعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة، ولا تصدر منا العيوب، وهذه المدينة خيال لا واقع، والقدسية ليست لأحد، والمعصومون من الأنبياء والرسل نعرفهم جيدًا، وغيرهم يصيب ويخطأ، ويرتكب الذنوب والمعاصي. نحن أمام محك مهم في تاريخنا المعاصر، فالوطن يريد من الجميع وقفة رجل واحد، للتصدّي لتيار الفساد، وواجب على كل فرد أن يضع نصب عينيه موضع الجرح، وموقع الفساد، ليتم معالجته أو استئصال هذا العضو الفاسد حتى لا ينتشر بيننا أناس يأمنون العقوبة فيسيئون الأدب.
الفساد يضرب بأطنابه في أماكن عدة، وليس قاصرًا على فئة معينة، ومن بين ألوان الفساد المتعددة اليوم فساد الأخلاق، وسرقة الأفكار، والاستيلاء على الحقوق الفكرية للآخرين، ونسبها إلى شخص آخر، وكذلك موجة الشهادات العليا التي سرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم، لازالت حاضرة بيننا، حتى أصبح من السهل على المرء أن يشتري بماله ما يريد من شهادات من جامعات لم نسمع بها من قبل، ويا للعجب!!
أقلامنا ستسطر كلمة الحق متى ما تيقّنت من واقعة بعينها، ليعلم كل مفسد بأن صاحب الحق لن يسكت عن حقه.
إلى بناتي الطالبات في إحدى الجامعات اللاتي بعثن لي بتظلّم، لهن وهن صاحبات حق أقول: طالبن بحقوقكنّ وارفعن مظلمتكنّ لصاحب الأمر، فإن صوتكنّ سيصل بإذن الله، والذي قهركنّ وسلب حقًّا من حقوقكنّ سينال نصيبه، ولابد للحق أن يرجع وإن طال الأمد.
إلى مَن بعث لي بأنه يريد أن يعيش في أمان، وسكينة وطمأنينة في هذه الحياة، بعيدًا عن الظلم والقهر والاستبداد، أقول له: صبرًا جميلاً فإن الدنيا دار كدر وشقاء وتعب، وتحتاج منا مزيدًا من العمل والبحث عن الملاذ الآمن، ولكن بكثير من الإيمان نجدده في قلوبنا، فوالله لا مخرج لنا من كل ضيق إلاّ باللجوء إلى الله وحده،
المصدر: صحيفة المدينة