إنهم أقل من أقل القليل
إنهم أقل من أقل القليل
محمد أحمد الحساني
كلما دار الزمن دورته وتعامل الأحياء بعضهم مع بعض في أمر من أمور الحياة وجدوا أن أصحاب المواقف يتناقصون جيلا بعد جيل، وعقدا بعد عقد حتى أصبح صاحب الموقف غريبا بين الناس وقد يتردد في لحظة ضعف عن الجهر بموقفه بسبب الضغوط التي تمارس عليه ليصبح أحد أفراد القطيع من الذين لا موقف لهم وإنما يدخلون مع أهل العريس ويخرجون مع أهل العروس أو يكون همهم الأول والأخير معرفة اتجاه الريح وما يريده أصحاب الشأن فيهم فيتحول الواحد منهم إلى «أم طقة» كلما سئل عن أمر من الأمور طق رأسه بنعم وإن كن المراد بالنفي لوح برأسه يمنة ويسرة، كما يفعل «الحوحو» عندما يدخل رأسه في المخلاة! ومما يعاني منه أصحاب المواقف أنهم إذا وجدوا في العمل الذي أسند إليهم أخطاء أو خيانة أو محاولات لتمرير إجراءات غير نظامية بدافع المجاملة وفيها ما فيها من هضم لحقوق الآخرين مثل إعطاء حق شخص لشخص غير مستحق أو الإدلاء بشهادة زور لصالح طرف ضد آخر فإنهم بحكم مواقفهم المبدئية يرفضون رفضا باتا مثل هذه الأفعال والأقوال ويرفعون عقيرتهم ضدها مهما كلفهم الأمر لأن الواحد منهم يرى أنه ليس من الرجولة في شيء أن يتخلى عن موقفه السليم لينتقل بفعل الضغوط إلى موقف ظالم سقيم والحياة مليئة للأسف الشديد بالنوع المقابل، الذين لا يبالون في سبيل مصالحهم أو بقائهم أو قربهم من الدفء أن يقولوا ويرددوا مثل الببغاء ما يريده المدير أو الرئيس فإن كان الواحد في الإدارة أو الجهاز صاحب موقف فإن التهمة الجاهزة التي ستوجه إليه هي أنه شخص معقد ومعوق للعمل! وأن تجميده إن لم يصبح حربائيا مثل غيره يكون فيه مصلحة للعمل، «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا» والحاصل والفاصل إن ما نسجه أحد الشعراء قبل ما يزيد عن ألف عام عن أصحاب المواقف وقِلتهم يحكي واقع الأمر حيث قال:
وقد كنا نعدهم قليلا
فقد صاروا أقل من القليل
فإذا كان الشاعر قد عدهم في زمنه أقل من القليل فما هي نسبتهم إلى غيرهم في زمننا هذا؟ لاشك أنهم سيكونون أقل من أقل القليل، فكيف ستكون الأحوال في ظل الزيف والتضليل؟!.
المصدر: صحيفة عكاظ