قلعة موسى
قلعة موسى
فهد عامر الأحمدي
في آخر مرة زرتُ فيها لبنان استأجرت سيارة للتجول في منطقة الشوف.. وهي منطقة جبلية جميلة تملك خبرة طويلة في التعامل مع السياح ، خصوصا لأنها لا تبتعد كثيرا عن بيروت.. ورغم أنني زرتها قبل ذلك إلا أنها المرة الأولى التي أسأل فيها السائق عن مايدعى \"قلعة موسى\".. وكان واضحا استغرابه من سؤالي - كوني أخبرته منذ التقيتُ به بخبرتي الواسعة بالمنطقة - ومع هذا لم يقل شيئا وبدأ يسرد لي معلومات غزيرة عن القلعة.. وأثناء ذهابنا إليها أخبرني بقصة لطيفة عن كيفية بنائها من قبل رجل واحد مازال يضيف إليها رغم تجاوزه سن السبعين:
فقبل ستين عاما تعلق موسى المعماري كما يطلق عليه أهالي المنطقة بفتاة غنية قالت له ذات يوم \"بيي عنده قصر\" فقال لها \"سأبني لك قلعة\".. ومن يومها هوس برسم مختلف أنواع القلاع لدرجة كان يفعل ذلك حتى في قاعات الدرس (رغم استمرار المعلم بضربه وتمزيق أوراقه كلما اكتشف لديه مخططا جديدا).. وفي النهاية ترك الدراسة وبدأ عام 1945 يبني قلعة أحلامه حجرا حجرا على بعد 40 كلم عن بيروت و900 متر فوق سطح البحر .. وبعد سنوات طويلة من العمل الوحيد والصامت اكتملت قلعة الأحلام وبدت وكأنها خرجت من عالم الخيال..
غير أن الفتاة التي بنى لها القلعة تزوجت غيره ورفضت أن تكون أميرة في قلعته البديعة فكرس بقية حياته لتحسينها والاضافة إليها وملئها بأكثر من 1800 قطعة من التراث اللبناني (من بينها كم هائل من البنادق والمسدسات والأسلحة التي لم تعجبني شخصيا).. وبالإضافة لهذه المقتنيات صنع \"موسى المعماري\" مجسمات دقيقة وتماثيل مدهشة تجسد مختلف جوانب الحياة القديمة في لبنان (بما في ذلك قاعة درس عتيقة تتضمن تماثيل لزملاء الدراسة ومعلم غاضب يضربه بالعصا)!!!
... وما أذهلني أكثر من القلعة نفسها أنها بنيت من قبل انسان واحد لم يتوقف عن الاضافة إليها على مدى عقود من البناء والنحت والنقش المتواصل ..
وجهد خارق كهذا يذكّرني بإنجازات معمارية كثيرة في مناطق عديدة حول العالم بناها أصحابها بجهودهم الشخصية..
ففي فرنسا مثلا هناك قصر إيدال الخيالي الذي بناه فرديناند شوفال (بدءا من 1879) بعد أن شاهد تفاصيله في المنام على مدى 33 عاما..
وفي البيرو هناك معبد توتانين الذي بناه أحد الأباطرة دون مساعدة رجاء قبوله ابناً للشمس ..
وفي باكستان هناك مسجد التائب الذي بناه رجل واحد تكفيرا عن ذنوبه ..
وفي التيبت يمتلئ الطريق الجبلي المؤدي الى قصر الدي لاي لاما بعشرات المعابد التي بناها حجاج مجهولون على مرّ القرون..
أما في ولاية فلوريدا فتوجد قلعة المرجان (Coral Castle) التي بناها رجل هاجر من لاتفيا إلى أمريكا في بداية القرن العشرين يدعى إدوارد ليدسكالنين .. وهذه القلعة بالذات ماتزال تثير حيرة الجميع كونها بنيت من قبل رجل قزم وفي وقت لم تتوفر فيه معدات الرفع الثقيلة ومع هذا تتضمن مكعبات حجرية لايقل وزنها عن أربعة أطنان وعوارض يتجاوز وزنها الثلاثين طنا على ارتفاع طابقين!!
... على أي حال ..
أعاجيب معمارية كهذه تؤكد أمرا واحدا لا يجب أن يشك فيه أحد:
أن العزيمة ترفع الجبال، والإخلاص في العمل يعوض نقص العتاد والرجال !!
المصدر: صحيفة الرياض