تنظيم الحج وتأصيل قدسية البلد الحرام
تنظيم الحج وتأصيل قدسية البلد الحرام
أ.د. إبراهيم إسماعيل كتبي
إدارة حشود بشرية بالملايين في زمان ومكان معلومين محددين هي خبرة نادرة لم تكسبها ولا تجيدها أي دولة في العالم مثلما أجادتها المملكة من خلال أقدس وأقدم مسؤولية، وهي شرف خدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج، حيث تنفذ خططه عمليًا على مدى شهرين منذ وصول الوفود وحتى مغادرتهم، وكذا مواسم العمرة على امتداد نحو ثمانية أشهر متصلة تشهد خلالها المملكة ذروة استقبال ورعاية المعتمرين في شهر رمضان من كل عام.
هذه عملية مستمرة ومتكاملة وفق منظومة دقيقة محكمة، تبدأ كما هو معروف من السفارات والممثليات السعودية المعتمدة في مختلف دول العالم حيثما يوجد مسلمون، وصولًا إلى المنافذ الجوية والبحرية والبرية، لتكتمل ذروة إدارة الحشود في المدينتين المقدستين والمشاعر بقدرات عالية يعجب لها العالم ومحل تأمل ضيوف الرحمن من دقة التنظيم وإمكاناته داخل المملكة، وهي خبرة متراكمة يزداد رصيدها من عام إلى عام، وتتطور في أفكارها وإمكاناتها والدراسات المتعلقة تجاها والدروس المستفادة من المواسم السابقة، تنفيذا للتوجيهات الكريمة والقرارات السديدة الحازمة بتحقيق كل ما من شأنه الارتقاء بخدمة ضيوف الرحمن وحسن رعايتهم الكاملة، وهو جهد عظيم تقوده القيادة الحكيمة حفظها الله وتقوم عليها الوزارات وجميع الأجهزة ذات الصلة.
وفي خطوة مهمة تستوجب التعاون والالتزام من الجميع، جاء قرار مجلس الوزراء الذي نص على حظر استخدام المركبات التي تقل سعتها عن (25) راكبًا في نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة خلال الفترة من اليوم الخامس عشر من شهر ذي القعدة إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، والتأكيد كذلك على استثناء بعض المركبات على نحو ما ورد في القرار وهي: المركبات التي يرخص لها وفق الضوابط التي يقرها صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ومركبات النقل العام والأجرة لنقل الركاب بأجر إلى مكة المكرمة التي رخصت لها الجهات المختصة، وحافلات شركات نقل الحجاج التي لا تقل سعتها عن (20) راكبًا وتشرف عليها النقابة العامة للسيارات. مع تشديد العقوبات لمن يخالف ذلك.
هذه نقطة مهمة لأمرين أساسيين أولهما: منع فوضى النقل داخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وتوفير الظروف المناسبة لإنجاح الخطة المرورية للتصعيد والنفرة داخل المشاعر، خاصة أن السيارات الأقل سعة نسبيًا كانت تمثل العدد الأكبر داخل منطقة المشاعر وتحدث اختناقات كبيرة وهو أمر سيعالجه القرار الجديد في الوقت الذي ستتم فيه الاستفادة من قطار المشاعر بنسبة تشغيلية تصل إلى نحو 30% من طاقته الاستيعابية التي ستبلغ (100) ألف حاج في الساعة وفق تجربة النظام الترددي لرفع الطاقة الاستيعابية.
الجانب الآخر المهم في معادلة النجاح هي مدى وعي الحاج بالأنظمة وروح التعاون مع الجهود والخطط المبذولة، فالتفاصيل الكثيرة من ثقافة الحاج التي تنعكس على سلوكه تمثل الضمانة الحقيقية لاستثمار الجهود أو إعاقتها، ومن ذلك مدى الالتزام بالنظام وعدم التدافع والوعي الصحي، وعدم الافتراش خاصة بعض حجاج الداخل الذين قد يدخلون يوم التاسع من الحجة إلى مشعر عرفة مباشرة وهي اختراقات يجب منعها بحزم.. أيضا أهمية فهم الحاج لفقه التيسير الذي من شأنه الحد من الازدحام ومخاطره ورفع معدلات المرونة والسلامة.. يقابل ذلك توعية العاملين في الحج بحسن معاملة الحاج.
هاتان النقطتان بشأن توعية الحاج والقائمين على خدمتهم سيعالجهما برنامج الحملة الوطنية الاعلامية من خلال تأصيل ثقافة (تقديس البلد الحرام) التي أكدها سمو الأمير خالد الفيصل أمير المنطقة رئيس اللجنة المركزية للحج، وذلك ضمن خطط تفعيل مرتكزات استراتيجية تنمية منطقة مكة المكرمة الهادف إلى الارتقاء ببناء إنسان المنطقة لتحقق على يديه النهوض بمستوى خدمات ضيوف الرحمن ليبلغ وصف القوي الأمين، ويشمل ذلك توعية ضيوف الرحمن ومقدمي الخدمة وأفراد المجتمع كافة بالحج عبادة وسلوك حضاري يفرض احترام المكان وقدسيته واحترام الإنسان من خلال التعامل الراقي مع الحاج والمعتمر والرفع من مستوى أداء القائمين على خدمتهم واحترام النظام من خلال الالتزام بالأنظمة والتعليمات.
نعم إذا امكن تأصيل ذلك تباعا يكون الجهد في خطين متلاقيين على النجاح المثالي بعون الله وتوفيقه.
المصدر: صحيفة المدينة