الخيل والليل والبيداء والشباب
الخيل والليل والبيداء والشباب!
جهير بنت عبدالله المساعد
كنت أطالع التلفزيون يعرض سباق الخيل.. وأنا واحدة من عشاق الخيل.. أحب رؤيتها تركض.. وأحبها واقفة.. وأحبها تصهل.. وأحبها تتمخطر وحتى ترقص... أو ترفس!! وحين أقول «ترفس» أسمع صوت أبي ــ رحمه الله وغفر له ــ وهو في كل مرة يؤنبني ويخاصمني وينهرني قائلا (على غير أهلها وأنا أبوك ما تجيب راس مالها.. الحصان ما يرفس ولا يقال يرفس.. يرفس الثاني اللي عساك ما تكونين مثله!!)، ثم يضحك وأضحك ولا ينطق قط ويقول «حمار»، فعادة أبي أن لا يخرج لسانه عن حدود اللباقة واللياقة، وعادته المألوفة فيه أنه لا يحب التجريح!! اليوم وحدي أطالع السباق الذي علمني أبي حبه وقد طواه الثرى وترك لي كل ما تعلمته منه.. وأحس وجوده وأنفاسه، وأسمع همسه وتعليقاته، وألتفت على نهم أعلل النفس برؤياه، فإذا بي والفراغ والشوق الأليم معا.. ومكانه شاغر والقلب يرعد بالحنين! هذا ميدان الفروسية الكبير بكل ما فيه من روعة وجمال واستعدادات وتجهيزات مكلفة.. فلماذا لا يتم استغلاله، لماذا لا يستغل هذا الموجود الثمين في تنمية حب الفروسية لدى الجيل الناشئ، لماذا لا يتحول إلى مدرسة للفروسية، أو يعد لاستقبال الزائرين من الأبناء الذين لا يجدون نشاطا يشبع طاقاتهم المتفجرة سوى لعب كرة القدم!!
إن الشباب يشكو من ضيق فرص الأنشطة الرياضية والاجتماعية، والمجال المفتوح لابنائنا الذكور على مصراعيه هو لعب كرة القدم في الحواري والحارات، وما عدا ذلك لا يجد المراهق ما يشبع نهمه وتعطشه للرياضة الحرة غير المقيدة بعالم الكرة! ومثل نادي الفروسية لا يعرف عنه الأبناء شيئا يذكر، وبابه موصد في إشباع الطاقات الشبابية الباحثة عن مأوى تتنفس به بعيدا عن الرياضة التقليدية المحصورة في الكرة.. فلماذا لا يكون من بين أنشطة ميدان الفروسية الانفتاح على المجتمع، والقيام بدور في تنمية الثقافة الرياضية للشباب، وإيجاد فرص مبتكرة لاحتوائهم وتشجيعهم على ممارسة هوايات جميلة وراقية ومشبعة لحماسهم المتطلع لوجود يتناسب مع احتياجاتهم في الوجود!، لماذا لا نرى ميدان الفروسية سوى في المناسبات ثم يغيب وجوده عن الذاكرة إلى مناسبة أخرى! ولماذا لا يكون من ضمن النشاط المدرسي زيارة ميدان الفروسية وزيارة الاسطبلات، ومشاهدة الخيول والتعرف على الواقع في هذا المجال الهام.. إن وجود ميدان مثل ميدان الفروسية وبطولات الكؤوس كلها فرص قيمة يحتاجها الشباب الناشئ. فلماذا لا يكون التفكير ناشطا في البحث عن وسيلة لاحتواء هؤلاء الشباب وتدريبهم، حتى يكون الفارس سعوديا والمشارك في السباق على ظهر الخيل سعوديا، وحتى يكون الاستثمار بمردود كبير.. وتحية للفرسان السعوديين.
المصدر: صحيفة عكاظ