التعامل السليم مع الأودية
التعامل السليم مع الأودية
د. غازي عبداللطيف جمجوم
جدة مدينة تهاب المطر، هكذا أصبح الواقع الذي أظهرته عناوين الصحف وصورها في الأسبوع الماضي. فبعد كل هطول لأمطار متوسطة أو غزيرة نسبيا بمقاييسنا، يضع سكان جدة أياديهم على قلوبهم منتظرين نتائج حصر الأضرار التي تصيب مدينتهم، والتي تذكرهم بكارثة الأربعاء الحزين لعام 1430هـ التي راح ضحيتها 123 شخصا إضافة إلى عدد من المفقودين. ولا تخلو كل مطرة من أضرار كثيرة على المباني والسيارات إضافة إلى الشوارع التي تتحول في كثير من الأحياء إلى بحيرات مزعجة تعيق الحركة والمرور لأيام أو أسابيع، وتساعد على التوالد الكثيف للبعوض بما في ذلك الأنواع الناقلة لحمى الضنك التي استوطنت جدة خلال أكثر من 15 عاما الماضية ولم تستطع جدة حتى الآن التخلص منها.
الأنظار في الأسبوع الماضي تركزت على حي «أم الخير» الذي غمرت المياه منازله للعام الثاني على التوالي لأنه حي حديث لا يتجاوز عمره حوالى 6 سنوات بني في قلب مجرى الوادي، وهو أمر يصعب فهمه على أي شخص، وليس هناك تفسير له إلا الجشع الذي قاد تجار العقار والمطورين العقاريين إلى استغلال كل شبر من المدينة يمكن استغلاله للكسب الكبير، ساعدهم على ذلك غياب الأنظمة الواضحة في الأمانة الذي قد يكون سببه التهاون والإهمال إن لم يكن الفساد الصريح.
إلى متى تظل جدة تهاب المطر وتنظر إلى الخير والمتعة المصاحبين له نظرة توجس وحذر. من الواضح أن مشكلة جدة مع المطر لن تنتهي حتى يعاد النظر بصورة جذرية إلى الوديان التي تتخللها، وإعادة فتحها وتصريفها إلى البحر، وتصحيح كل ما تم بناؤه خطأ على مسارات هذه الأودية. بدلا من ذلك لا زالت جدة تتردد في التعامل الجاد مع الأودية، بل إن الأمانة نفذت مشروع تسقيف لمجرى أساسي من مجاري الأودية، شمال شارع التحلية، لتحويله إلى حديقة، مما نتج عنه انخفاض قدرته على استيعاب السيول. من ناحية أخرى تم التركيز على أفكار أخرى تعتمد على بناء السدود لحماية مناطق معينة من شرق جدة، مع أنه من الواضح أن مثل هذه الحلول سيقتصر أثرها على مناطق صغيرة محدودة ولن تخدم أجزاء كبيرة من المدينة. ولا أدري إلى متى تتردد المدينة في تطبيق خطة واضحة وشاملة لإعادة تأهيل وديانها الرئيسة التي تم التعدي عليها.
في مقابل سوء استغلال الأودية في جدة الذي يمكن أن يضرب به المثل، نجد مثالا باهرا على حسن استغلال الأودية.
ليس بعيدا عنا، بل في عاصمتنا الحبيبة الرياض، التي فاز مشروعها لإعادة تأهيل وادي حنيفة بجائزة أغا خان العالمية. هذا الوادي تحول بسبب حسن التخطيط والتنفيذ من مرمى للنفايات إلى متنزه عام يخدم سكان الرياض ويمنحهم مساحات شاسعة للاستجمام، بل يعطي العاصمة مساحة كبيرة من البراري المتاخمة التي تساعد على نقاوة الهواء.
بالإضافة إلى ما يحويه المشروع من تنقية لمياه الصرف الصحي مع الاستفادة منها في الري. في آخر زيارة لي إلى الرياض مررت على وادي حنيفة لرؤية هذا المشروع الرائد.
ولم أكن أعرف أن الوادي يمتد بطول 83 كيلو مترا، ولذا لم أتمكن إلا رؤية جزء صغير منه. ويوم الأحد الماضي تم الإعلان عن مشروع التأهيل البيئي لوادي سلي في العاصمة الرياض أيضا بطول 103 كم وعرض 150 م، وهو يوازي وادي حنيفة من الناحية الشرقية، وبهذا ستنعم الرياض بمتنزهين عالميين يخترقانها من الشمال إلى الجنوب. ومع سروري العظيم بالإنجاز البيئي الكبير الذي حققته العاصمة وتهنئتي لكل المسؤولين فيها على هذا الإنجاز وعلى الفوز بالتقدير العالمي المستحق، إلا أني أستغرب الاختلاف الجذري في طريقة التعامل مع الأودية بين جدة والرياض، وأتساءل عن التبرير المنطقي لهذا الاختلاف، ثم لا أملك إلا أن أتمنى أن تصيب عدوى التعامل السليم مع الأودية مسؤولي الأمانة في جدة، سواء بطريقة اختيارية أو إجبارية.
المصدر: صحيفة عكاظ