إذا الشعب يوما
إذا الشعب يوما..!
خالد قماش
* نبت عشب جديد على قبر الشاعر الشاب أبو القاسم الشابي، الذي تخطفته يد المنون وهو لم يكمل ربع قرن من حياته ..
* يقال إنه مات مصابا بتضخم القلب، فقلت: مؤكد .. أن يموت متضخما بالقلب، متورما بالحب، فالشعراء يموتون بسبب قلوبهم، جلطة أو ثقبا أو تضخما أو هبوطا أو صعودا، وما درويش ونزار والثبيتي وآخرون تكتظ بهم أروقة الروح إلا شهود القلب في نبضه..
* كتب بألمه لا بقلمه تاريخا من القيم، وزرع حقولا من المثل التي تشكلت نبضا مؤثرا في أفئدة الشعوب الحية التي تنقلب على الظلم والقهر والاستبداد كلما فاض بها الوجع والظلام المستطير.
* وذهب مع رياح الزمن، ونحن نهيل على ضريحه كثبان الجحود والنسيان، وبعد مرور قرابة ثمانية عقود من التقلبات السياسية والاجتماعية التي كانت تمور بها المنطقة العربية من الماء إلى الماء انبعث صوته من جديد كطائر الفينيق، مبرهنا على أن الشعر الصادق والفن الحقيقي هو الذي يغير حياة الشعوب، ويبدل مفاهيم العالم، ويقلب موزاين الباطل ليحيلها حبا وتسامحا، ويدوزن أوتار الحياة الكريمة على (قانون) الحرية والعدالة والحق.
* كان والد أبي القاسم الشابي قاضيا، فتوارث الشاعر الشابي جينات العدالة السماوية من والده .. هكذا يبدو المشهد، وصرخ بكل ما أوتي من وجع:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر!
* وقبل أن يموت الشاعرالذي تضخم قلبه ولم يتضخم رصيده البنكي بمليار ونصف دولار وجه هذه الأبيات إلى طغاة العالم؛ محذرا إياهم من نهاية أليمة، يصنعونها بظلمهم للآخرين:
ألا أيها الظالم المستبد
حبيب الفناء عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف
وكفك مخضوبة من دماه
وسرت تشوه سحر الوجود
وتبذر شوك الأسى في رباه
* تضخم قلب الشابي، حتى انفجر المكان صراخا حيا وهتافا مثمرا، ليحترق بعدها (البوعزيزي) مضيئا حقبة جديدة من النضال الإنساني، ومشعلا قنديلا من التأريخ لاتطفئه العتمة، حتى ولو تحطمت عربات (خضار) العالم بأكمله .. ويكفي.
المصدر: صحيفة عكاظ