الأمير خالد الفيصل .. والعالم الأول
الأمير خالد الفيصل .. والعالم الأول
د. محمد عبده يماني
نجح الملك عبد الله بن عبد العزيز في تحقيق حلم كان يراوده لسنوات، واكتشف أن هذا الحلم ليس حلمه بمفرده، بل حلم وأمل الأمة بكاملها، وعندما افتتح هذا الصرح التعليمي كتب مجموعة من المفكرين عن هذا الموضوع، واسترعى انتباهي حديث أخي سمو الأمير خالد الفيصل في صحيفة الوطن بتاريخ 22 سبتمبر 2009 بعنوان: «العالم الأول على أرضنا .. فماذا نحن فاعلون ؟»، وقد كان حديثا جادا، ولكن سؤاله كان خطيرا وهو حول مدى استيعابنا واستعدادنا لدخول العالم الأول، وسماه بالحدث العظيم، وهل نتعامل معه بعقل وحكمة وقدرة على الاستفادة منه، وهل سيكون حكرا على جامعة الملك عبد الله، أم أن جامعاتنا الأخرى ستصيبها هذه العدوى العلمية والبحثية، وبالتالي المساهمة في نقل التقنية إلى جامعاتنا ومعاملنا وقاعاتنا؟.
وكان له سؤال محرج سأحاول الإجابة عليه عن أهمية العقول الإدارية وفكر أساتذة الجامعة الذي تجمد في بعض الأحيان بكل أسف عند مذكرات تلقى، أكل عليها الزمن وشرب، ولم تعد تصلح حتى لما دون الجامعة، فهل سيتغير هؤلاء الأساتذة؟، وهل ستستفيد جامعات المملكة من هذا الصرح العلمي الجديد، وهذه الثورة العلمية التي أراد أن يحدثها الملك عبد الله بن عبد العزيز في المملكة بل في عالمنا العربي والخليجي على وجه الخصوص.
وأنا أود أن أشكر أخي الأمير خالد الفيصل على هذا الطرح الجاد وأشاركه الخشية من أن تبقى هذه الوثبة داخل أسوارها، أو تضاف إلى التجارب الرائدة السابقة كأرامكو وينبع والجبيل والمدن العسكرية.
وأرجو أن يتسع صدر أخي سمو الأمير خالد لأقول له بصراحة: إن هذه الوثبة أوضحت لنا أن التقنية والأبحاث العلمية والتطور التكنولوجي كلها تتركز حول البحث العلمي، ولكنها أمور لا تشترى، ولا نستطيع أن نبتاعها ولو دفعنا ملايين الريالات، وقد كنا دائما فيما مضى نجلس أمام العالم المتقدم جلسة الزبائن نشتري التقنية لبلادنا العربية والإسلامية، ونستفيد منها، فإذا انتهت صلاحيتها أو أصابها عطل قذفنا بها واشترينا تقنيات أخرى جديدة، وهكذا دون أن نتعلم أسرار هذه التقنيات، ودون أن نحاول نقلها لتكون جزءا من نهضتنا، في وقت جلس اليابانيون أمام هذه الدول المتقدمة مجالس التلاميذ، وذهبوا معنا لا ليشتروا مثلما اشترينا، ولكن ليتعلموا، وبالتالي نقلوا هذه التقنية إلى بلادهم، وانطلقوا في نهضتهم، ونافسوا الغرب، وكذلك يفعل الصينيون والهنود اليوم، ونحن مازلنا نراوح في أماكننا، ولم نقتنع بعد بأن التقنية لا تشترى أبدا وإنما يجب تعلمها، وإن مكان تعلمها هو الجامعات ومراكز البحث العلمي، فجاءت خطوة الملك عبدالله جزاه الله خيرا لتحدث هذه الثورة، ولتنطلق من هذه الجامعة نهضة علمية على أسس صحيحة لتعيد كما قال في خطابه وهو من أهم ما قال: لتعيد إنجازات وصفحات مضيئة لدار الحكمة، وتقدم علماء للعالم مثل ابن سينا والفارابي وابن الهيثم وأبو الحسن الرازي وابن رشد وأبو القاسم المجريطي وغيرهم من علماء المسلمين الذين كانت لهم أدوار أساسية في نهضة الحضارة الإسلامية.
ودعني أقول يا صاحب السمو: إن القضية إذا نظرنا إليها بصورة جادة فإنها لا تبدأ من الجامعة فقط، ولكن هذه العدوى التي أسميتها العدوى العلمية والبحثية هي روح تغرس في نفوس الناشئة والشباب بل وحتى الأطفال في مناهجهم الدراسية الأولى.
فهل نحن نؤمن بها ؟؟.
وهل نعترف بأن مناهجنا الابتدائية وما حولها لا توصلنا إلى هذه الأهداف؟؟.
وهل تكون لدينا الجرأة لمواجهة أنفسنا والاعتراف بعقبة وضعنا التعليمي في عالمنا العربي المجيد؟؟.
وإن تعليمنا الأولي لايقود إلى نهضة علمية؟؟.
وإن المعلم لدينا يحتاج إلى تعليم.
وإن البيئة المدرسية لاتوفر مناخا تعليميا ملائما للطلاب،
وإنه ليس هناك من روابط بين الطلاب والمكتبة المدرسية لتحقيق دورها في ربطهم بالمستجدات العلمية والمعرفية في العالم ؟؟.
عند نجاحنا في تحقيق ذلك نستطيع اللحاق بالعالم الأول، خاصة وقد وصل إلى أراضينا، ومن المهم أن تصبح هذه المدارس مكتبات توصل هؤلاء الناشئة بالعالم وتطلعهم على ما يجري من اختراعات وإبداعات حتى نستطيع أن نكتشف المبدعين منهم ونعطيهم الفرصة للإبداع.
وهناك نقطة مهمة وهي أن نسعى إلى تطبيق ذلك على البنين والبنات معا، وأن لا نعطل نصف المجتمع في أمر جاد وفاعل وأساسي لنهضتنا يقف فيه الرجل والمرأة جنبا إلى جنب في هذه المسيرة الحضارية.
وكما قلت فإننا في هذه المسيرة يجب أن نفرق بين شراء التكنولوجيا وتعلمها، فنحن في دولنا النامية نشترى التكنولوجيا على نطاق واسع جدا جدا، ولكننا نتعلمها على نطاق ضيق جدا جدا، حتى أن ما لدينا من وسائل تكنولوجية يمكن أن تتحول إلى كومة من الخردة إذا ما احتجنا إلى قطعة غيار واحدة في حجم الأصبع لأننا لم نتعلمها.
ومن هنا فإن التاريخ لا يرحم، وإن أسس الحضارة واضحة وجلية، وحتى لو تم شراء التكنلوجيا في مرحلة مؤقتة فلابد من أن نتعلم لنصنع وننتج التكنلوجيا حتى نلحق بالركب.
وختاما.. فشكرا لك على إثارة هذا الموضوع الجاد، والحديث فيه بصورة أسعدتنى أنا والزملاء الذين يتابعون قضية النهضة التعليمية، وأشكرك على إثارة قضية الإدارة وإنها تبني أمما وتهدم أمما، وإننا لابد أن نتحرك بصورة جماعية، وإن يتحمل كل منا مسؤوليته لتكون المسيرة واحدة، ونتذكر أن الإدارة والأمانة مسؤولية أساسية ومفتاح لنهضتنا وأن القضية تبدأ من القاعدة وليس من القمة.. ولابد من أن يلتحم الجميع حول وسائل عمل فاعلة حتى يتحقق الحلم الذي بدأه الملك.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المصدر: صحيفة عكاظ