• ×
admin

طعم النار

طعم النار

فهد عامر الأحمدي

لا أعرف متى بدأ الانسان يطبخ طعامه ؛ ولكن المؤكد أن هناك ثلاثة جوانب فريدة تتعلق بهذا الموضوع:


* الأول: أنه قضى معظم تاريخه على الأرض يأكل طعاما لم تمسسه النار (مثل بقية المخلوقات).


* والثاني: أن تعلمه للطبيخ ترافق مع اكتشافه للنار (وكان شوي لحوم الفرائس أول وصفة يتعلمها)


* والثالث: أنه المخلوق الوحيد الذي يستعمل النار لإنضاج طعامه لدرجة أن جهازه الهضمي لم يعد يستغني عن مساعدتها!

... ومن وجهة نظر خاصة أرى أن أسلوب الطبخ وتناول الطعام مقياس حقيقي لانشغال الناس في كل زمان ومكان، فحتى وقت قريب كانت الأطعمة التي يستغرق طبخها ثلاث أو أربع ساعات عملا معتادا لربات البيوت . أما اليوم فانقسمت النساء الى فريقين: نساء عاملات يعدن للبيت متأخرات، ونساء نائمات على الدش مدمنات .. وكلاهما لايجد الوقت الكافي لطبيخ الجدات !!

وفي حين كان تناول الوجبات فرصة للاجتماع بين الأقارب والأرحام، تغيرت الأحوال وحل اسلوب \"هلب يور سلف\" مكان الموائد المزدحمة ، والأطعمة السريعة مكان \" الطبيخ المسبك\"، وأفران الميكرويف مكان الأفران التقليدية، وقدور الضغط مكان حلل النحاس البسيطة .. والأغرب من هذا أن حتى الأطفال أصبح لديهم ميل طبيعي للهامبرجر والبيتزا ونفور غير طبيعي من المطازيز والمرقوق والكبيبة!!

وتشير التقارير الى ازدهار صناعة المجمدات وأطعمة الميكرويف على مستوى العالم ككل.. وأذكر أنني قرأت قبل فترة تقريرا بعنوان \"الأمريكيون يأكلون في غرف النوم وأمام الكمبيوتر\".. ففي إحصائية أعدتها وزارة الزراعة هناك اتضح أن أكثر من نصف العائلات ( 57 ٪ ) تتناول طعامها خارج المنزل ، في حين أن تلك النسبة ترتفع إلى 70 ٪ بين الشباب والمراهقين . وكشفت الدراسة أن الأسرة في أمريكا بالكاد تجتمع على مائدة واحدة ، وإن اجتمعت نادرا ما يكون الطعام غير مجمد أو محضرا بالطبخ المعتاد. وحتى بين معتادي الأكل خارج المنزل حققت مطاعم الوجبات السريعة تفوقاً ساحقاً على المطاعم الكلاسيكية المعروفة ببطء خدماتها لأن ضيق الوقت يطارد الجميع حتى أثناء تناول الطعام خارج المنزل !!

أما في أوروبا، فأبدى كثير من المراقبين تذمرهم من الانتشار الهائل لمطاعم الأغذية السريعة وافتقارها (للذوق) وازدياد نسبة الدهون والمركبات الصناعية فيها . ورغم انها اختراع أمريكي الا ان عدد هذه المطاعم يفوق اليوم المطاعم الأوروبية التقليدية .. وأذكر أن وزير الثقافة الفرنسي اتهم المطاعم الأمريكية السريعة بتدمير مدارس الطبخ الأوروبية العريقة، وبالذات المدرسة الفرنسية الرائدة في \"تزويق\" الموائد \"ورص\" الكاسات.

أما في إيطاليا فصدم كثير من السياح (وأنا أحدهم) من تفوق البيتزا السريعة المجمدة على نظيرتها الإيطالية التقليدية . وحين انهار الاتحاد السوفييتي السابق كان أول مظاهر الانفتاح إنشاء المطاعم السريعة في الجمهوريات الجديدة . أما في اليابان فرفعت منظمة الصحية الوطنية دعوى قضائية على مطاعم ماكدونالدز السريعة متهمة إياها بتسميم الشباب الياباني بطريقة منظمة

.. إذا من الواضح اننا نعيش في عصر لم يعد فيه وقت للطبخ الماراثوني الطويل، وفي نفس الوقت لم تعد أمعاؤنا قادرة على الاستغناء عن مساعدة \"النار\"..

وهذه الورطة بالذات تضمن للمطاعم السريعة نجاحا وازدهارا يتفاقم جيلا بعد جيل !!

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1662