ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة
ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة
فهد عامر الأحمدي
رغم تفوقها الصناعي الواضح .. ورغم نموها الاقتصادي الهائل .. ورغم منتجاتها المتقدمة التي دخلت كل بيت ؛ مازالت الصين تصر على أنها دولة من "العالم الثالث".. وقد يكون للأمر نتائج سياسية واقتصادية لا تريد الصين تحملها كدولة متقدمة من العالم الأول - خصوصا أن متوسط دخل الفرد فيها مايزال أقل من دخل الفرد في أوربا وأمريكا واليابان!!
وما يضفي على الأمر مزيدا من الحيرة والمفارقة أن العالم لم يتفق أصلا على هذا النوع من التقسيمات.. فرغم أن معظمنا يربط مصطلح "العالم الثالث" بالتخلف الحضاري والتأخر الصناعي؛ إلا أنه في الأصل مصطلح سياسي بحت كان يطلق على الدول غير المنحازة الى العالمين "الأول" و "الثاني" خلال الحرب الباردة.. ف"العالم الأول" كان يشير الى الدول الصناعية الرأسمالية في الغرب (بالإضافة الى اليابان) في حين استعمل مصطلح "العالم الثاني" للإشارة للاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الحليفة في ذلك الوقت.
وحتى في ذلك الوقت شكلت الصين معضلة حقيقية من حيث التصنيف؛ فهي ليست من العالم الأول (الرأسمالية الغربية) وليست من العالم الثاني (الذي يدور في فلك الاتحاد السوفياتي) وليست من العالم الثالث (حيث الحيادية وعدم الانحياز)!!
... وحين تفكك الاتحاد السوفياتي وانهارت الكتلة الشرقية - وتآكلت فكرة عدم الانحياز - بدأت هذه التقسيمات تفقد معناها السياسي وتتخذ منحى اقتصاديا واضحا.. ومع نهاية القرن العشرين أصبح "العالم الثالث" يرتبط بالدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا، و"العالم الأول" بدول الشمال الغنية وبعض النمور الآسيوية ، في حين لم يعد أحد يشير الى وجود عالم وسط يستحق لقب "العالم الثاني" !!
*** *** ***
على أي حال ؛ لا نستطيع لوم الناس على (هذا الخلط) كون وسائل الإعلام نفسها تخلط يومياً بين مصطلحات دولية كثيرة - وتسمعنا أكثر من حاجتنا من تصانيف السياسة والاقتصاد والجغرافيا:
● فالعالم مثلًا يتم تقسيمه تارة على أساس إقليمي وجغرافي (كالشرق الأوسط، والشرق الأقصى، وأمريكا الجنوبية، ودول الحوض المتوسط ، وجنوب الصحراء الكبرى ) !
● وتارة على أساس قاري وجيولوجي (كالقارة السمراء، والقارة العجوز، والقارة الصفراء، ودول الحوض الهادئ، ودول حزام النار، ودول الاتحاد الأوروبي)..
● وخلال سنوات الحرب الباردة طغى مصطلحان سياسيان مهمان هما "الكتلة الشرقية" ، و"الكتلة الغربية" ترافقا مع إنشاء حلفين عسكريين رديفين هما "حلف وارسو"، و"حلف الأطلسي"!!
● وفي أحيان كثيرة يتم تقسيم العالم اعتماداً على النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدول (كالنظام الرأسمالي والشيوعي والإسلامي والنظام المختلط والموجّه والمقنن والمعولم...).
● كما قد يتم تقسيمه إلى "دول متقدمة" ، و"دول نامية"، وأحيانا "دول الشمال"، و"دول الجنوب" ؛حيث تقع معظم الدول الصناعية في شمال الكرة الأرضية ومعظم الدول النامية في جنوبها..
● ليس هذا فحسب بل قد يتم تقسيمه بحسب أنظمة الحكم السائدة فيه؛ مثل ديمقراطي (كما يدعي الجميع) ودكتاتوري (كما ينكر الجميع) وملكي دستوري (كما في بريطانيا والسويد) ووحيد الحزب (كما في الصين وكوريا الشمالية وبعض الدول العربية) ..
● وأخيراً.. هناك مصطلحات لا أفضّل استعمالها شخصياً كونها تقسم البشر على أساس ديني أو عرقي أو ثقافي واضح (مثل دول أفريقيا السوداء، والشعوب الصفراء، والدول الهسبانية، والمجموعة الأنجلوساكسونية، والكتلة المسيحية، والمجموعة الفرانكفونية... ومنظمة العالم الإسلامي) !!
.. ومن كل هذه التقسيمات نكتشف أن الإنسان - بطبعه - يتمتع بعقلية تقسيمية وتراتبية طبقية لايمكن إلغاؤها أو تجاوزها .. كما تثبت أن البشر - مهما بلغت بهم العولمة والانفتاح - لايعدمون وسيلة لتصنيف أنفسهم والتمايز فيما بينهم بصرف النظر عن تبدل الدول، وتغير الأنظمة وانقلاب الأحوال..
(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)!!
المصدر: صحيفة الرياض
فهد عامر الأحمدي
رغم تفوقها الصناعي الواضح .. ورغم نموها الاقتصادي الهائل .. ورغم منتجاتها المتقدمة التي دخلت كل بيت ؛ مازالت الصين تصر على أنها دولة من "العالم الثالث".. وقد يكون للأمر نتائج سياسية واقتصادية لا تريد الصين تحملها كدولة متقدمة من العالم الأول - خصوصا أن متوسط دخل الفرد فيها مايزال أقل من دخل الفرد في أوربا وأمريكا واليابان!!
وما يضفي على الأمر مزيدا من الحيرة والمفارقة أن العالم لم يتفق أصلا على هذا النوع من التقسيمات.. فرغم أن معظمنا يربط مصطلح "العالم الثالث" بالتخلف الحضاري والتأخر الصناعي؛ إلا أنه في الأصل مصطلح سياسي بحت كان يطلق على الدول غير المنحازة الى العالمين "الأول" و "الثاني" خلال الحرب الباردة.. ف"العالم الأول" كان يشير الى الدول الصناعية الرأسمالية في الغرب (بالإضافة الى اليابان) في حين استعمل مصطلح "العالم الثاني" للإشارة للاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الحليفة في ذلك الوقت.
وحتى في ذلك الوقت شكلت الصين معضلة حقيقية من حيث التصنيف؛ فهي ليست من العالم الأول (الرأسمالية الغربية) وليست من العالم الثاني (الذي يدور في فلك الاتحاد السوفياتي) وليست من العالم الثالث (حيث الحيادية وعدم الانحياز)!!
... وحين تفكك الاتحاد السوفياتي وانهارت الكتلة الشرقية - وتآكلت فكرة عدم الانحياز - بدأت هذه التقسيمات تفقد معناها السياسي وتتخذ منحى اقتصاديا واضحا.. ومع نهاية القرن العشرين أصبح "العالم الثالث" يرتبط بالدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا، و"العالم الأول" بدول الشمال الغنية وبعض النمور الآسيوية ، في حين لم يعد أحد يشير الى وجود عالم وسط يستحق لقب "العالم الثاني" !!
*** *** ***
على أي حال ؛ لا نستطيع لوم الناس على (هذا الخلط) كون وسائل الإعلام نفسها تخلط يومياً بين مصطلحات دولية كثيرة - وتسمعنا أكثر من حاجتنا من تصانيف السياسة والاقتصاد والجغرافيا:
● فالعالم مثلًا يتم تقسيمه تارة على أساس إقليمي وجغرافي (كالشرق الأوسط، والشرق الأقصى، وأمريكا الجنوبية، ودول الحوض المتوسط ، وجنوب الصحراء الكبرى ) !
● وتارة على أساس قاري وجيولوجي (كالقارة السمراء، والقارة العجوز، والقارة الصفراء، ودول الحوض الهادئ، ودول حزام النار، ودول الاتحاد الأوروبي)..
● وخلال سنوات الحرب الباردة طغى مصطلحان سياسيان مهمان هما "الكتلة الشرقية" ، و"الكتلة الغربية" ترافقا مع إنشاء حلفين عسكريين رديفين هما "حلف وارسو"، و"حلف الأطلسي"!!
● وفي أحيان كثيرة يتم تقسيم العالم اعتماداً على النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدول (كالنظام الرأسمالي والشيوعي والإسلامي والنظام المختلط والموجّه والمقنن والمعولم...).
● كما قد يتم تقسيمه إلى "دول متقدمة" ، و"دول نامية"، وأحيانا "دول الشمال"، و"دول الجنوب" ؛حيث تقع معظم الدول الصناعية في شمال الكرة الأرضية ومعظم الدول النامية في جنوبها..
● ليس هذا فحسب بل قد يتم تقسيمه بحسب أنظمة الحكم السائدة فيه؛ مثل ديمقراطي (كما يدعي الجميع) ودكتاتوري (كما ينكر الجميع) وملكي دستوري (كما في بريطانيا والسويد) ووحيد الحزب (كما في الصين وكوريا الشمالية وبعض الدول العربية) ..
● وأخيراً.. هناك مصطلحات لا أفضّل استعمالها شخصياً كونها تقسم البشر على أساس ديني أو عرقي أو ثقافي واضح (مثل دول أفريقيا السوداء، والشعوب الصفراء، والدول الهسبانية، والمجموعة الأنجلوساكسونية، والكتلة المسيحية، والمجموعة الفرانكفونية... ومنظمة العالم الإسلامي) !!
.. ومن كل هذه التقسيمات نكتشف أن الإنسان - بطبعه - يتمتع بعقلية تقسيمية وتراتبية طبقية لايمكن إلغاؤها أو تجاوزها .. كما تثبت أن البشر - مهما بلغت بهم العولمة والانفتاح - لايعدمون وسيلة لتصنيف أنفسهم والتمايز فيما بينهم بصرف النظر عن تبدل الدول، وتغير الأنظمة وانقلاب الأحوال..
(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)!!
المصدر: صحيفة الرياض