• ×
admin

المتقاعد.. هل يُصبح عبئاً على عائلته؟

المتقاعد.. هل يُصبح عبئاً على عائلته؟
بعضهم يتفرغ ويتدخّل في كل شيء في المنزل

د. إبراهيم بن حسن الخضير

قارئة طلبت مني الكتابة عن المتقاعد الذي يُصبح عبئاً على عائلته وأسرته الصغيرة بعد أن يتقاعد ويُصبح قعيد البيت. قالت القارئة إنني كتبت اكثر من مرة عن المتقاعد من ناحية إيجابية وعن التعاون مع المتقاعد ومكانته في المجتمع، وأضافت ما لم تذكره هو عندما يُصبح الأب والزوج المتقاعد مشكلة عصية على الأهل في المنزل.

تقول القارئة إن الوالد إذا تقاعد تفرّغ لكل شيء في المنزل، وأصبح ينتبه لكل شيء في المنزل، أصبح يتدخّل في كل شيء مما يُصيب أهل المنزل بالضيق والملل.

التقاعد كما كتبنا لأكثر من مرة، هي مرحلة لا بد منها في الحياة، فأي موظف، أياً كان عمله لا بد من أن يأتي يوماً ويتقاعد ويترك العمل، لأن هذه سنة الحياة، أن يعمل شخصاً حتى يصل إلى سنٍ معين ثم يأتي آخرون ويشغلون الوظائف التي كان يشغلها الأشخاص الذين سوف يتقاعدون.

تختلف طبيعة الأشخاص في تقبّلهم لمرحلة التقاعد، فبعض الأشخاص ينظر إلى هذه المرحلة نظرة سلبية ويشعر بأنها نهاية الحياة!، هذه النوعية من الأشخاص معرضة للإحباط والاكتئاب الذي قد يتحوّل إلى اكتئاب مرضي يحتاج إلى علاج عيادي سواء كان بالأدوية المضادة للاكتئاب أو العلاجات النفسية.

ثمة أشخاص يتحولون بعد التقاعد إلى المرابطة في المنزل والانشغال بكل أمور المنزل البسيطة وغيرها، حيث يتدخلّون في كل ما يدور في المنزل. هذا الأمر يُضايق الأهل في المنزل خاصةً ربة المنزل وبقية الأشخاص الذين لم يعتادوا على مثل هذا السلوك من الأب الذي يتدخّل في كل كبيرةٍ وصغيرة.

الأب الذي لم يعتد منه أفراد الأسرة التدخل في جميع أمور المنزل، ويُصبح يتدخل في المطبخ، فيأتي إلى المطبخ ويتدخّل في نوع الزيت مثلاً ويطلب تغييره، أو يتدخل في مشاكل العاملات في المنزل، و يتدخّل في نوع الطعام الذي يجب أن يأكله الجميع. والشيء الآخر أنه يُريد من الجميع عدم ترك المنزل، حتى لا يتركونه لوحده في المنزل!. هذا التغيّر في السلوكيات التي تحدث في المنزل بعد تقاعد الوالد يُحدث ربكة لدى جميع من يسكن في المنزل مع الوالد المتقاعد.

عائلات كثيرة تشكو من عبء الأب بعد التقاعد، فسيدة تقول إن زوجها بعد تقاعده أصبح لا يُغادر المطبخ، حيث يقوم بالطبخ وأصبح يُضايقها في عملها في المطبخ، فقد أصبح هو من يقوم بالطبخ لمن في المنزل وهذا جعلها تفقد جزء كبير من دورها في المنزل وأدى إلى أن تُصبح مُكتئبة تتعاطى الأدوية المضادة للاكتئاب. قد يقول شخص إن هذا الأمر مُبالغ فيه بالنسبة لهذه السيدة، ولكن مشكلة الشخص المتقاعد الذي يُعاني الفراغ في منزل لم يكن متعودا كل من فيه على الحياة بطريقة مختلفة من حيث إن الأب يُصبح متواجداً طوال الوقت ويتدّخل في جميع الأمور ولكل شخص.

بالطبع ليس كل الأشخاص على هذه الصورة بعد التقاعد، ولكن هناك شكوى شبه عامة من عائلات المتقاعدين، خاصة للأشخاص الذين يتقاعدوا من وظائف فيها كثير من الصرامة والنظام. تُعاني عائلات مثل هؤلاء الأشخاص بعد تقاعدهم من تدّخل كبير لهم في كل أمور حياة جميع من في المنزل، وربما تكون الزوجة هي أكثر من يتضايق من تلك السلوكيات، لأن الزوج يتفرّغ أكثر شيء للزوجة، ويبدأ في مُحاسبتها على أمور كثيرة لم يكن يُلقي لها بالا، أشياء مثل خروجها من المنزل وملابسها، مكالماتها الهاتفية، إنشغالها بالأولاد والأحفاد بشكلٍ يعتقد الزوج أنه أكثر مما يجب!.

ليس فقط الزوجة هي من يتأذى من فراغ الزوج المتفرّغ بعد التقاعد ففي بعض الأحيان يتأثر الأبناء والأحفاد بموضوع تقاعد الأب أو الجد.

سيدة تعيش مع والدها وطفلها لأنها مطلقة وتعيش في منزل الأسرة، تقول إن والدها بعد تقاعده أصبح مشكلةً في المنزل، تُعاني هي منه شخصياً وكذلك طفلها. فبعد تقاعد والدها أصبح يُدقق على خروجها وأبسط سلوكياتها، وأصبح يُقاسمها السائق الذي تذهب به في مشاويرها وكذلك الطفل أصبح محط مراقبة الجد الذي أصبح ينتقد تصرفات وسلوكيات الطفل ويحاول التوجيه بعد فوات الاوان!.

الأب والجد أصبح يُبدي استغرابه لسلوكيات كان يعرف بها، بل أصبح يمنع تصرفات كانت طبيعية من قبل ويسمح بها!. هذه السيدة وطفلها أصبحا يعيشان حياة ملؤها القلق والترقّب نظراً لتدخل الوالد في جميع تفاصيل حياة ابنته وطفلها اللذين أصبحا تحت رحمة مزاج الأب، الذي للآسف أصبح مزاجاً سيئاً مُتعكراً ، فأحياناً - كما تصف ابنته - يتلذذ بفرض سلطته على ابنته وحفيده وقهرهما! ربما يكون هناك بعض المبالغة الحقيقية في كلام الأبنة، ولكن هذه هي الحقيقة، فالأب الذي أصبح فارغاً وليس لديه سلطة على الآخرين، أصبح يفرض هذه السلطة على الجانب الأضعف في سلسلة المحيطين به. رفض هذا الجد مثلاً أن يذهب حفيده ليتسّلم شهادته من المدرسة بعد أن اتفق مع رفاقه على أن يتقابلوا لاستلام الشهادات. سخر الجد من كلام حفيده وطلب منه عدم الذهاب بالسيارة لأنه يُريد السيارة والذهاب بها لأمر هام، برغم أنه كان يستطيع أن يؤخر موعده حتى يذهب حفيده إلى المدرسة ويعود ولكن رغبته في أن يفرض رأيه ويستلذ بتخريب سعادة حفيده، ربما يكون هذا الأمر مع هذا الرجل مُبالغ فيه، فهو رجل قد يكون شخصية مضطربة قبل أن يتقاعد، لذلك كانت سلوكياته تميل إلى السوء مع أفراد عائلته. هذا الشخص نفسه أصبح بعد أن تقاعد يتفقد مخزن المأكولات في المنزل ويحسب كل غرض يدخل المخزن، حتى أبسط الأغراض مثل علب التونة وربطات الخبز. يتساءل عن أي غرض بسيط يخرج من المخزن ويُحقق في اختفاء أي غرضٍ من المخزن مهما كان بسيطاً، ويعمل قضية يُشغل جميع أفراد العائلة في التحقيق في اختقاء غرض أحياناً يكون قيمته بضع ريالات، مثل هذا الرجل كثيرون وكذلك هناك أشخاص أكثر سوءً في السلوك بعد التقاعد، قد لا يكونون كثر ولكنهم موجودون.

كيف يمكن أن تتعدل سلوكيات مثل هؤلاء المتقاعدين الذين تكون مرحلة تقاعدهم؟ الحقيقة أن طبيعة الشخصية تلعب دوراً كبيراً في ما سوف يكون عليه وضعه بعد التقاعد.

كثير من الرجال لا يستعدون لمرحلة التقاعد، وبرغم معرفة الجميع - عدا قلة قليلة - بموعد تقاعدهم إلا أنهم كأنهم يُفاجأون حينما يحل موعد تقاعدهم. بعضهم عندما يبلغه خبر تقاعده قبل بضعة أشهر، فكأنما يسمع لذلك أول مرة، برغم أن الموعد قد تحدد منذ وقتٍ بعيد، وبحكم السن فإن أكثر الموظفين يعلمون بمواعيد تقاعدهم. وحتى من يعرف بموعد تقاعده ليس لديه خطة لما بعد التقاعد، فلا يُرتب أموره الاجتماعية ولا المالية لكي يعيش حياة مُريحة في مرحلة عمرية تحتاج أن يعيش الانسان فيها بهدوء وسكينة.

الشخص الذي على مرحلة قريبة من التقاعد ويعرف أن موعد تقاعده قريباً عليه أن يقوم بوضع خطة لمرحلة ما بعد التقاعد، خاصة الأمور التي تختص بكيفية تقضية أوقاته وكذلك أوضاعه المالية. لكن أن يتقاعد الرجل ويبقى طوال الوقت لكي يُراقب سلوكيات أفراد عائلته ويكدر صفو حياة الأسرة بتصرفاته وسلوكياته التي تعتمد على التدّخل في جميع سلوكيات افراد الأسرة، يجب على الرجل الذي يتقاعد أو قبل أن يتقاعد أن يتهيأ نفسياً لهذه المرحلة ويُناقش الأمر مع جميع أفراد العائلة، خاصة زوجته وابنائه الكبار الذين يعيشون معه في المنزل وكيفية التعامل مع وضعه في المنزل بعد أن أصبح لا يعمل وكيفية إمكانية إيجاد حلول لبقائه من دون عمل وكيفية إشغال وقت الفراغ الكبير الذي أصبح يُعاني من كيفية إشغاله.

يجب أن تكون المناقشات صريحة ويدلي كل شخص برأيه بوضوح وصراحة مع رب المنزل الذي سوف يكون عاملاً مهماً في تحديد الكيفية التي سيسير عليها كل من في المنزل، ويجب أن تكون هناك أنشطة رياضية واجتماعية وصحية للمتقاعد وأن يُشجعّه جميع من في المنزل على أن ممارسة هذه الأنشطة، كذلك يمكن للمتقاعد أن يشترك في الأنشطة الخيرية مثل عضوية الجمعيات الخيرية التي يمكن أن تستفيد من خبراته، وكذلك يُشارك في مراكز التي يتجمّع فيها المتقاعدون، هذه الأشياء جميعاً قد تساعد على التقليل من بقاء المتقاعد في المنزل وبذلك لا يُصبح يشكّل عبئاً على بقية أفراد الأسرة حتى لا تُصبح فترة تقاعده مُزعجة لجميع أفراد الأسرة.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1692