سواح
سواح!
عزيزة المانع
في زمن قديم، موغل في القدم، كان هناك مطرب يقال له عبدالحليم حافظ، صدح يوما بأغنية مطلعها سواح، يتغنى فيها بمشاعر حبه، فراجت رواجا كبيرا في سوق الغناء وصار يرددها كثيرون، وأظن أني كنت واحدة منهم. لا أدري لم خطرت ببالي الآن تلك الأغنية، وأنا أفكر في الكتابة عن طبائع السائحين!
السياحة فعل جذاب ومغر أكثر الناس يستمتعون بالسفر والتنقل، إلا أن عيبها أنها تشترط توفر أمرين هامين: وفرة الوقت وعمار الجيب، وكثيرا ما كان أحد الشرطين ميسرا للآخر، فمن عمر جيبه نما وقته وتمدد، فكثرت إجازاته وتيسرت استجماماته.
من الملاحظ أن غالبية السائحين في العالم ينتمون إلى دول غنية، تكاد تنحصر في أوروبا وأمريكا واليابان ومنطقة الخليج، أما بقية الشعوب فإنهم حين يرحلون، يرحلون من أجل طلب الرزق، فلا يمكنك عدهم من السائحين.
السياحة، هي وإن كانت عملا واحدا، إلا أنها تختلف في مفهومها لدى ممارسيها، ولعل أبرز نموذجين للاختلاف حول مفهوم السياحة، هما نموذجا السائح الغربي والسائح الخليجي، اللذان كثيرا ما تحدث المقارنة بينهما في كتاباتنا وأحاديثنا، مظهرين التذمر من المفهوم الخليجي للسياحة الذي لا يرى فيها سوى (التحرر من قيود السلوك المنضبط المفروض على الناس الالتزام به داخل الوطن، سواء بقوة النظام أو خشية التعرض للانتقاد). وذلك في مقابل المفهوم الأوروبي للسياحة الذي يرى فيها أبوابا متعددة ومتنوعة، للتسلية والاطلاع على العالم واكتشاف ما فيه من خفايا، وما يحفل به من حكايات وأخبار، وما فيه من أماكن طبيعية تزدهر فيها الهوايات المختلفة، كأماكن التزلج على الجليد، والغوص في أعماق البحر، وتسلق قمم الجبال، أو غيرها.
ويفسر البعض هذا الاختلاف في مفهوم السياحة لدى كلا النموذجين بارتباطه بدرجة الرقي الفكري والثقافي عند كل منهما. فمن جاء من دول العالم المتقدم كان مفهومه للسياحة متقدما كبلده، ومن جاء من دول العالم الثالث كان فهمه لمعنى السياحة كعالمه الذي جاء منه. ولكن ألا يمكن أن يكون هناك تفسير آخر لاختلاف المفهوم غير هذا؟ مثلا ألا يمكن أن يفسر ذلك الاختلاف بأن كل سائح يطمح أن يحقق لنفسه خلال الإجازة، الراحة مما يشقيها طول العام، ولأن السائح الغربي لا يشقى بقبضة قيود ثقيلة في موطنه تطبق حول عنقه وتشل يديه، فإنه خلال إجازته لا يضحي كسر القيود من أولوياته التي تبعث الراحة في نفسه، أما السائح الخليجي فإنه يخرج من بلده منهكا من عبء القيد الثقيل ينوء به خلال العام، فما يعود يحلم براحة كحلمه في راحته عند إلقاء ذلك العبء عن ظهره؟
هذا لا يعني مطلقا الدفاع عما يقوم به بعض السائحين الخليجيين من الجنسين، من نماذج السلوك غير المنضبط، ولا يعني في شيء التماس العذر لهم، وإنما هو مجرد تأمل فيما يمكن أن يفعله القيد في الإنسان!!
المصدر: صحيفة عكاظ
عزيزة المانع
في زمن قديم، موغل في القدم، كان هناك مطرب يقال له عبدالحليم حافظ، صدح يوما بأغنية مطلعها سواح، يتغنى فيها بمشاعر حبه، فراجت رواجا كبيرا في سوق الغناء وصار يرددها كثيرون، وأظن أني كنت واحدة منهم. لا أدري لم خطرت ببالي الآن تلك الأغنية، وأنا أفكر في الكتابة عن طبائع السائحين!
السياحة فعل جذاب ومغر أكثر الناس يستمتعون بالسفر والتنقل، إلا أن عيبها أنها تشترط توفر أمرين هامين: وفرة الوقت وعمار الجيب، وكثيرا ما كان أحد الشرطين ميسرا للآخر، فمن عمر جيبه نما وقته وتمدد، فكثرت إجازاته وتيسرت استجماماته.
من الملاحظ أن غالبية السائحين في العالم ينتمون إلى دول غنية، تكاد تنحصر في أوروبا وأمريكا واليابان ومنطقة الخليج، أما بقية الشعوب فإنهم حين يرحلون، يرحلون من أجل طلب الرزق، فلا يمكنك عدهم من السائحين.
السياحة، هي وإن كانت عملا واحدا، إلا أنها تختلف في مفهومها لدى ممارسيها، ولعل أبرز نموذجين للاختلاف حول مفهوم السياحة، هما نموذجا السائح الغربي والسائح الخليجي، اللذان كثيرا ما تحدث المقارنة بينهما في كتاباتنا وأحاديثنا، مظهرين التذمر من المفهوم الخليجي للسياحة الذي لا يرى فيها سوى (التحرر من قيود السلوك المنضبط المفروض على الناس الالتزام به داخل الوطن، سواء بقوة النظام أو خشية التعرض للانتقاد). وذلك في مقابل المفهوم الأوروبي للسياحة الذي يرى فيها أبوابا متعددة ومتنوعة، للتسلية والاطلاع على العالم واكتشاف ما فيه من خفايا، وما يحفل به من حكايات وأخبار، وما فيه من أماكن طبيعية تزدهر فيها الهوايات المختلفة، كأماكن التزلج على الجليد، والغوص في أعماق البحر، وتسلق قمم الجبال، أو غيرها.
ويفسر البعض هذا الاختلاف في مفهوم السياحة لدى كلا النموذجين بارتباطه بدرجة الرقي الفكري والثقافي عند كل منهما. فمن جاء من دول العالم المتقدم كان مفهومه للسياحة متقدما كبلده، ومن جاء من دول العالم الثالث كان فهمه لمعنى السياحة كعالمه الذي جاء منه. ولكن ألا يمكن أن يكون هناك تفسير آخر لاختلاف المفهوم غير هذا؟ مثلا ألا يمكن أن يفسر ذلك الاختلاف بأن كل سائح يطمح أن يحقق لنفسه خلال الإجازة، الراحة مما يشقيها طول العام، ولأن السائح الغربي لا يشقى بقبضة قيود ثقيلة في موطنه تطبق حول عنقه وتشل يديه، فإنه خلال إجازته لا يضحي كسر القيود من أولوياته التي تبعث الراحة في نفسه، أما السائح الخليجي فإنه يخرج من بلده منهكا من عبء القيد الثقيل ينوء به خلال العام، فما يعود يحلم براحة كحلمه في راحته عند إلقاء ذلك العبء عن ظهره؟
هذا لا يعني مطلقا الدفاع عما يقوم به بعض السائحين الخليجيين من الجنسين، من نماذج السلوك غير المنضبط، ولا يعني في شيء التماس العذر لهم، وإنما هو مجرد تأمل فيما يمكن أن يفعله القيد في الإنسان!!
المصدر: صحيفة عكاظ