المدير في اجتماع
المدير في اجتماع
د. مسعود بن بشير المحمدي
قال أحد من يبثني همومه: كنا ضحى في مكتب سعادته، خيم على مجلسنا صمت وترقب لإذن الدخول على صاحب السعادة وكان لا يقطع صمتنا إلا رنين هاتف مدير مكتبه الذي يحول بعض المكالمات لسعادته ويصرف بعضها بحجة أن سعادته في اجتماع، وكلما أحسسنا أننا سنحظى بشرف مقابلة سعادته قطع علينا حلمنا طارق بعد طارق كلهم يسألون لقيا سعادته، وطال الانتظار وبدأ بعض الفضلاء يتأفف وآخر يصبره وآخر يقول «وراءنا مدارس» وآخر ينظر في ساعته ويقول ضاع يومي الوظيفي. وقبيل الظهر شنف آذاننا سكرتيره بأن صاحب السعادة سيدخل إلى اجتماع آخر وأحال الحضور إلى وكيله، فانصرف بعض من المنتظرين ودخلنا فازدحمنا عند مكتب وكيل سعادته وهو يقول «بالسرى يا إخوان»، وقبل إكمال أحدنا بيان مراده يتحفه الوكيل بتأشيرة على طلبه مفادها إحالة لا جدوى من النظر فيها، وفي ملل وضجر يصرف السكرتير من لازم مكتب صاحب السعادة إلى مراجعة مكتب الصادر والوارد ليأخذ رقم معاملته ومن ثم يعدو خلف مراجعتها أسابيع وربما بدون جدوى.
أحبتي القراء من المسلم به أن اجتماع الموظف بمن هو أرفع منه درجة وظيفية ومن في رتبته أو دونه من المثري للعمل الوظيفي وبه تحل إشكالات تعتري العمل الجماعي، وفي التعاون بالرأي والجهد قديما وحديثا منافع كثيرة، لكن ما يشكو منه الناس بحسب ما يبلغني أن بعض وليس كل المديرين لجهات حكومية يحتجبون عن الناس ولا يتمكن المواطنون في أحيان كثيرة من الالتقاء بهم في تلك الجهات إلا بشق الأنفس، وربما ومن باب الإنصاف أن هولاء من أصحاب السعادة مشغولون حقا باجتماعات كثيرة وقد يقول قائل إن بعضهم لا يملك من سعة الصدر والتواضع ما يدعوه لفتح بابه وتوسعة صدره لهموم الناس. وأيا كان عذر ذلك المسؤول فإنه ينبغي على كل من تحمل مسؤولية إدارة أن يتذكر أمورا نرجو الله أن تذكرها يعينه على فتح باب مكتبه وتوسعة صدره لكل من رغب في مقابلته فأقول:
1ـ أن يتذكر وعيد النبي عليه الصلاة والسلام لمن تولى أمرا من أمور المسلمين ثم تحجب عن لقائهم روى أبو داود في سننه عن أبي مريم الأزدى قال سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول «من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره». وهذا حديث صحيح ورواه الإمام أحمد في مسنده بسند حسن قريب من لفظ أبي داود.
إن هذا الحديث يتوعد من يتحجب عن الناس بأن يحجب يوم القيامة عن لقاء الله وهو في كرب يوم الحساب ومفتقر إلى ربه كل الفقر.
2ـ إن في سير ولاة أمرنا أسوة وقدوة لكل مسؤول فهذه أبوابهم مفتوحة مع ما أنيط بهم من مهام جسام في مجالات شتى.
أفلا يقتدي أصحاب السعادة المحتجبون عن المواطنين بولاة أمرنا.
3ـ ثم إن المنصب كرداء قشيب يلبسه المرء ثم يلقيه أو يسلب منه فمن استعمل منصبه في نفع الناس بتواضع ورحمة كان مذكور بخير بعد إعفائه من منصبه أو زهده هو فيه فلا يبقى لمن كان ذا منصب ثم تركه إلا الذكر الحسن في الناس ودعاؤهم له بخير.
المصدر: صحيفة عكاظ
د. مسعود بن بشير المحمدي
قال أحد من يبثني همومه: كنا ضحى في مكتب سعادته، خيم على مجلسنا صمت وترقب لإذن الدخول على صاحب السعادة وكان لا يقطع صمتنا إلا رنين هاتف مدير مكتبه الذي يحول بعض المكالمات لسعادته ويصرف بعضها بحجة أن سعادته في اجتماع، وكلما أحسسنا أننا سنحظى بشرف مقابلة سعادته قطع علينا حلمنا طارق بعد طارق كلهم يسألون لقيا سعادته، وطال الانتظار وبدأ بعض الفضلاء يتأفف وآخر يصبره وآخر يقول «وراءنا مدارس» وآخر ينظر في ساعته ويقول ضاع يومي الوظيفي. وقبيل الظهر شنف آذاننا سكرتيره بأن صاحب السعادة سيدخل إلى اجتماع آخر وأحال الحضور إلى وكيله، فانصرف بعض من المنتظرين ودخلنا فازدحمنا عند مكتب وكيل سعادته وهو يقول «بالسرى يا إخوان»، وقبل إكمال أحدنا بيان مراده يتحفه الوكيل بتأشيرة على طلبه مفادها إحالة لا جدوى من النظر فيها، وفي ملل وضجر يصرف السكرتير من لازم مكتب صاحب السعادة إلى مراجعة مكتب الصادر والوارد ليأخذ رقم معاملته ومن ثم يعدو خلف مراجعتها أسابيع وربما بدون جدوى.
أحبتي القراء من المسلم به أن اجتماع الموظف بمن هو أرفع منه درجة وظيفية ومن في رتبته أو دونه من المثري للعمل الوظيفي وبه تحل إشكالات تعتري العمل الجماعي، وفي التعاون بالرأي والجهد قديما وحديثا منافع كثيرة، لكن ما يشكو منه الناس بحسب ما يبلغني أن بعض وليس كل المديرين لجهات حكومية يحتجبون عن الناس ولا يتمكن المواطنون في أحيان كثيرة من الالتقاء بهم في تلك الجهات إلا بشق الأنفس، وربما ومن باب الإنصاف أن هولاء من أصحاب السعادة مشغولون حقا باجتماعات كثيرة وقد يقول قائل إن بعضهم لا يملك من سعة الصدر والتواضع ما يدعوه لفتح بابه وتوسعة صدره لهموم الناس. وأيا كان عذر ذلك المسؤول فإنه ينبغي على كل من تحمل مسؤولية إدارة أن يتذكر أمورا نرجو الله أن تذكرها يعينه على فتح باب مكتبه وتوسعة صدره لكل من رغب في مقابلته فأقول:
1ـ أن يتذكر وعيد النبي عليه الصلاة والسلام لمن تولى أمرا من أمور المسلمين ثم تحجب عن لقائهم روى أبو داود في سننه عن أبي مريم الأزدى قال سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول «من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره». وهذا حديث صحيح ورواه الإمام أحمد في مسنده بسند حسن قريب من لفظ أبي داود.
إن هذا الحديث يتوعد من يتحجب عن الناس بأن يحجب يوم القيامة عن لقاء الله وهو في كرب يوم الحساب ومفتقر إلى ربه كل الفقر.
2ـ إن في سير ولاة أمرنا أسوة وقدوة لكل مسؤول فهذه أبوابهم مفتوحة مع ما أنيط بهم من مهام جسام في مجالات شتى.
أفلا يقتدي أصحاب السعادة المحتجبون عن المواطنين بولاة أمرنا.
3ـ ثم إن المنصب كرداء قشيب يلبسه المرء ثم يلقيه أو يسلب منه فمن استعمل منصبه في نفع الناس بتواضع ورحمة كان مذكور بخير بعد إعفائه من منصبه أو زهده هو فيه فلا يبقى لمن كان ذا منصب ثم تركه إلا الذكر الحسن في الناس ودعاؤهم له بخير.
المصدر: صحيفة عكاظ