الخوف من مواجهة التشخيص يثني البعض عن إجراء الفحوصات الطبية
الخوف من مواجهة التشخيص يثني البعض عن إجراء الفحوصات الطبية
رد فعل طبيعي ما لم يعيق نشاطاتنا اليومية
د. خالد عبد الله المنيع
يواجه الانسان بعض العوارض الصحية خلال حياته وتختلف ردود الفعل والاستجابة بين كل شخص واخر في تقصي الاسباب وطلب العلاج طبقا لعدة عوامل منها شدة العارض الصحي ، خطورته وشخصية المصاب .
في المجتمع يوجد شريحة وسطية تعالج مشاكلها الصحية دونما غلو ولا اهمال وهناك نهايات طرفية .. الاولى ذات حساسية مفرطة لكل أمر يتعلق بالصحة فلا يكتفون برأي طبي واحد حتى في أبسط المشاكل الصحية ، يحاولون اجراء فحوصات فوق نصائح الطبيب ، ينتابهم شك في التشخيص ولا يجزم الأمر لديهم الا اتفاق عدة أطباء على تشخيص الحالة .. والفئة الثانية يغلب عليها التقصير في متابعة حالتهم الصحية البعض منهم قد يعود السبب كونه مجرد اهمال ، عدم وجود وقت الفراغ لعمل فحوصات طبية خاصة اذا كان العارض الصحي بسيطا ويمكن التكيف معه والبعض الاخر قد يتبادر اليهم الخوف من عمل أي فحص مخبري خشية اكتشاف أي مرض كامن كالسكري أو غيره .
الكل منا قد يتعرض لأحاسيس القلق والشكوك والاعتقادات المرتبطة بالتشاؤم خلال مرحلة من مراحل حياته سواء في مرحلة الطفولة أو مابعد البلوغ فالمخاوف العادية مثل الخوف من العدوى بمرض ما والتي قد تزيد في أوقات الضغط العصبي كأن يكون أحد أفراد الأسرة مريضًا هي من ردود الفعل الطبيعية .. أذكر مثالا على ذلك بداية التحاقنا بكلية الطب فعند احساسنا لأي عارض صحي كنا نتوهم أن الاعراض التي أصابتنا هي نفس أعراض مرض ما كنا قد تلقينا محاضرته في ذلك الاسبوع .
اذا استمرت اعراض القلق والخوف على الصحة الى فترات طويلة وتحولت الى ضغوط نفسية تحول دون أداء واجبات الانسان ونشطاته اليومية فانها تدخل في تصنيف المرض .
من خلال احصائية بريطانية نشرت في لندن مفادها أن نسبة تصل إلى 80% في حدها الأعلى لمترددين على عيادات و 30 % في حدها الأدنى لمترددين على عيادات أخرى بانتظام ليسوا مصابين بأية أمراض عضوية ، ويتم إنفاق أموال طائلة على فحوصاتهم بأشعة إكس وتحليل الدم والجراحات الاستكشافية ، علاوة على استهلاكهم ساعات طويلة من وقت الأطباء .
يذكر أحد المختصين : أنه على الرغم من اقتناع هؤلاء الناس بأنهم مرضى إلا أنهم من الناحية الطبية يعتبرون أصحاء وفي مستوى عال من اللياقة وقد أثبت الخبراء الطبيون البريطانيون الآن أن هؤلاء يعانون من حالة مرضية يمكن أن تكون أكثر ضررا وتأثيرا من الآلام التي تسببها الأمراض العضوية .
وقد أكد الدكتور ريتشارد ستيبرن الخبير النفسي في مستشفى سانت جورج أن خبراء في وزارة الصحة البريطانية بدؤوا في إجراء عمليات علاج نفسي وعضوي لهذا النوع من المرضى بالوهم ، وقد ذكر الأطباء أن أحد هؤلاء المرضى كان مهووسا بقياس درجة حرارته ، حيث يقيس درجة حرارته نحو عشر مرات في اليوم الواحد ، وكان يتخيل أن حرارته مرتفعة وأنه مصاب بحمى إذا ما وجد ارتفاعا ولو بشرطة واحدة من الدرجة في مقياس الحرارة .
أجرى الأطباء سلسلة من الفحوص الكثيفة على المريض الوهمي وتكشف عدم وجود أي مرض طبي واضح ، ومع ذلك فقد قرر الأطباء إجراء علاج نفسي مكثف لهذا الشخص على اعتبار أن هذه الحالة تعادل في خطورتها أي مرض عضوي حقيقي .
يقول الخبراء إنه ثبت أن هناك مئات من الحالات التي أدت إلى انهيار المستقبل العملي لهؤلاء الأشخاص المرضى بالوهم بسبب سيطرة فكرة المرض عليهم والخوف من آثاره ويصر بعض هؤلاء الأشخاص على إجراء فحص طبي دقيق لهم باستخدام الأشعة وأجهزة الكمبيوتر المتقدمة .
وقد شبه بعض الأطباء هذه الحالة بأنها تشبه حالة العجز الجسدي التي تؤدي إلى عاهات مستديمة لدى هذا النوع من المرض .
بدأت بعض المستشفيات والعيادات الطبية البريطانية برنامجا مكثفا لمدة تسعة أسابيع لمساعدة هذا النوع من المرضى وإقناعهم بأنهم ليسوا مرضى مطلقا . وفعلا تحسنت حالة عدد كبير منهم فأخذ يقلل من تردده على عيادات الأطباء إلى أن وصل مرحلة الإقلاع عن التفكير في مشاكله الصحية ثم عادت الصحة والعافية إلى نفوسهم وأجسامهم .
ولذلك فإن الخبراء يؤكدون أن اعتبار هذه الحالة نوعا من المرض وعدم الاستخفاف بتقييم أخطارها كان فكرة صائبة ينبغي تطويرها ، وتوفير العلاج النفسي والاستماع شخصيا إلى شكاوى هؤلاء الناس هو السبيل المثالي لمعالجة هذه المشكلة .
في الجانب الاخر هناك من يتجاهل الأعراض الصحية قدر الإمكان ويتجنب عمل أي فحص إما لارتباطه بمشاغله اليومية أو خشية المواجهة بحقيقة التشخيص .
أذكر من ذلك خلال معاينتي للمرضى في العيادة حضر طفل في عامه السابع برفقة والديه .
كانت الشكوى وجود صداع مزمن ، متقطع منذ ستة أشهر مصحوبا باستفراغ خصوصا عند استيقاظ الطفل من النوم وتنميل في أحد الاطراف . بالطبع تم استيفاء التاريخ المرضي للطفل كاملا كما تم الفحص السريري له ... من خلال المرحلتين السابقتين يكون الطبيب قد وضع مجموعة من الامراض المحتملة كتشخيص مبدئي والذي يمكن الجزم بالتشخيص النهائي من خلال الفحوصات المخبرية والاشعات التشخيصية حيث كان من ضمنها الفحص بالرنين المغناطيسي للمخ ... ورغم أني بادرت بتطمين الوالدين بأن كل شيء سيكون على مايرام باذن الله الا انهما كانا لايفضلان فحص الدماغ ...بعدها أصبح الوالدان يحاولان نقض بعض الاعراض التي ذكروها في سردهم للتاريخ المرضي قد يكون ذلك لمحاولة تجنب هذا الفحص بالرغم انه فحص لايترتب عليه أي مضاعفات ولايحوي أي اشعاع ضار كما يحدث في الاشعة المقطعية والاشعة السينية .
لاخلاف أن مريض اليوم يختلف عن مريض الامس فالاول اكثر وعيا ويمكنه اللجوء الى محركات البحث عبر "الانترنت " للاستفسار عن كل مايتبادر الى ذهنه من تساؤلات او لطلب استكشاف مرض ما بل ومعرفة اعراضه ومضاعفاته ولكن تبقى تلك المعلومات صلبة وغير مرنة وغير قابلة لتطبيقها على مايصيبنا او يصيب اطفالنا من اعراض مرضية ... يبقى حينها دور الطبيب هو الاساس في التشخيص والعلاج بعد ارادة الله جلّ جلاله .
دور الطبيب الرفق بمريضه في التعامل وحسن المقابلة واطلاعه على كل مايخصه من معلومات في شكواه ، نتائج الفحوصات ، طرق التشخيص المتوفرة والعلاج والحديث معه باسلوب هادئ مطمئن يفهمه ويرتاح اليه .
ودور المريض التعاون مع الطبيب واتباع نصائحه . لابأس بالاستفادة برأي طبي اخر في بعض المشاكل الصحية التي قد يرى المريض ولو من وجهة نظره انه سيكون اكثر اقتناعا لو حصل على رأيين طبيين متفقين ولكن لايجب ان يتطور الامر الى اكثر من ذلك خصوصا في الأمور الطبيّة الجليّة .
على الجانب الاخر يجب التوكل على الله في كل شيء ثم اتباع نصائح الطبيب المختص وعدم تأجيل الفحوصات المقررة من الطبيب المعالج او محاولة تجاهلها فعلاج الامراض بشكل عام في مهدها يرفع فرص الشفاء باذن الله ويجنب المريض المضاعفات والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
المصدر: صحيفة الرياض
رد فعل طبيعي ما لم يعيق نشاطاتنا اليومية
د. خالد عبد الله المنيع
يواجه الانسان بعض العوارض الصحية خلال حياته وتختلف ردود الفعل والاستجابة بين كل شخص واخر في تقصي الاسباب وطلب العلاج طبقا لعدة عوامل منها شدة العارض الصحي ، خطورته وشخصية المصاب .
في المجتمع يوجد شريحة وسطية تعالج مشاكلها الصحية دونما غلو ولا اهمال وهناك نهايات طرفية .. الاولى ذات حساسية مفرطة لكل أمر يتعلق بالصحة فلا يكتفون برأي طبي واحد حتى في أبسط المشاكل الصحية ، يحاولون اجراء فحوصات فوق نصائح الطبيب ، ينتابهم شك في التشخيص ولا يجزم الأمر لديهم الا اتفاق عدة أطباء على تشخيص الحالة .. والفئة الثانية يغلب عليها التقصير في متابعة حالتهم الصحية البعض منهم قد يعود السبب كونه مجرد اهمال ، عدم وجود وقت الفراغ لعمل فحوصات طبية خاصة اذا كان العارض الصحي بسيطا ويمكن التكيف معه والبعض الاخر قد يتبادر اليهم الخوف من عمل أي فحص مخبري خشية اكتشاف أي مرض كامن كالسكري أو غيره .
الكل منا قد يتعرض لأحاسيس القلق والشكوك والاعتقادات المرتبطة بالتشاؤم خلال مرحلة من مراحل حياته سواء في مرحلة الطفولة أو مابعد البلوغ فالمخاوف العادية مثل الخوف من العدوى بمرض ما والتي قد تزيد في أوقات الضغط العصبي كأن يكون أحد أفراد الأسرة مريضًا هي من ردود الفعل الطبيعية .. أذكر مثالا على ذلك بداية التحاقنا بكلية الطب فعند احساسنا لأي عارض صحي كنا نتوهم أن الاعراض التي أصابتنا هي نفس أعراض مرض ما كنا قد تلقينا محاضرته في ذلك الاسبوع .
اذا استمرت اعراض القلق والخوف على الصحة الى فترات طويلة وتحولت الى ضغوط نفسية تحول دون أداء واجبات الانسان ونشطاته اليومية فانها تدخل في تصنيف المرض .
من خلال احصائية بريطانية نشرت في لندن مفادها أن نسبة تصل إلى 80% في حدها الأعلى لمترددين على عيادات و 30 % في حدها الأدنى لمترددين على عيادات أخرى بانتظام ليسوا مصابين بأية أمراض عضوية ، ويتم إنفاق أموال طائلة على فحوصاتهم بأشعة إكس وتحليل الدم والجراحات الاستكشافية ، علاوة على استهلاكهم ساعات طويلة من وقت الأطباء .
يذكر أحد المختصين : أنه على الرغم من اقتناع هؤلاء الناس بأنهم مرضى إلا أنهم من الناحية الطبية يعتبرون أصحاء وفي مستوى عال من اللياقة وقد أثبت الخبراء الطبيون البريطانيون الآن أن هؤلاء يعانون من حالة مرضية يمكن أن تكون أكثر ضررا وتأثيرا من الآلام التي تسببها الأمراض العضوية .
وقد أكد الدكتور ريتشارد ستيبرن الخبير النفسي في مستشفى سانت جورج أن خبراء في وزارة الصحة البريطانية بدؤوا في إجراء عمليات علاج نفسي وعضوي لهذا النوع من المرضى بالوهم ، وقد ذكر الأطباء أن أحد هؤلاء المرضى كان مهووسا بقياس درجة حرارته ، حيث يقيس درجة حرارته نحو عشر مرات في اليوم الواحد ، وكان يتخيل أن حرارته مرتفعة وأنه مصاب بحمى إذا ما وجد ارتفاعا ولو بشرطة واحدة من الدرجة في مقياس الحرارة .
أجرى الأطباء سلسلة من الفحوص الكثيفة على المريض الوهمي وتكشف عدم وجود أي مرض طبي واضح ، ومع ذلك فقد قرر الأطباء إجراء علاج نفسي مكثف لهذا الشخص على اعتبار أن هذه الحالة تعادل في خطورتها أي مرض عضوي حقيقي .
يقول الخبراء إنه ثبت أن هناك مئات من الحالات التي أدت إلى انهيار المستقبل العملي لهؤلاء الأشخاص المرضى بالوهم بسبب سيطرة فكرة المرض عليهم والخوف من آثاره ويصر بعض هؤلاء الأشخاص على إجراء فحص طبي دقيق لهم باستخدام الأشعة وأجهزة الكمبيوتر المتقدمة .
وقد شبه بعض الأطباء هذه الحالة بأنها تشبه حالة العجز الجسدي التي تؤدي إلى عاهات مستديمة لدى هذا النوع من المرض .
بدأت بعض المستشفيات والعيادات الطبية البريطانية برنامجا مكثفا لمدة تسعة أسابيع لمساعدة هذا النوع من المرضى وإقناعهم بأنهم ليسوا مرضى مطلقا . وفعلا تحسنت حالة عدد كبير منهم فأخذ يقلل من تردده على عيادات الأطباء إلى أن وصل مرحلة الإقلاع عن التفكير في مشاكله الصحية ثم عادت الصحة والعافية إلى نفوسهم وأجسامهم .
ولذلك فإن الخبراء يؤكدون أن اعتبار هذه الحالة نوعا من المرض وعدم الاستخفاف بتقييم أخطارها كان فكرة صائبة ينبغي تطويرها ، وتوفير العلاج النفسي والاستماع شخصيا إلى شكاوى هؤلاء الناس هو السبيل المثالي لمعالجة هذه المشكلة .
في الجانب الاخر هناك من يتجاهل الأعراض الصحية قدر الإمكان ويتجنب عمل أي فحص إما لارتباطه بمشاغله اليومية أو خشية المواجهة بحقيقة التشخيص .
أذكر من ذلك خلال معاينتي للمرضى في العيادة حضر طفل في عامه السابع برفقة والديه .
كانت الشكوى وجود صداع مزمن ، متقطع منذ ستة أشهر مصحوبا باستفراغ خصوصا عند استيقاظ الطفل من النوم وتنميل في أحد الاطراف . بالطبع تم استيفاء التاريخ المرضي للطفل كاملا كما تم الفحص السريري له ... من خلال المرحلتين السابقتين يكون الطبيب قد وضع مجموعة من الامراض المحتملة كتشخيص مبدئي والذي يمكن الجزم بالتشخيص النهائي من خلال الفحوصات المخبرية والاشعات التشخيصية حيث كان من ضمنها الفحص بالرنين المغناطيسي للمخ ... ورغم أني بادرت بتطمين الوالدين بأن كل شيء سيكون على مايرام باذن الله الا انهما كانا لايفضلان فحص الدماغ ...بعدها أصبح الوالدان يحاولان نقض بعض الاعراض التي ذكروها في سردهم للتاريخ المرضي قد يكون ذلك لمحاولة تجنب هذا الفحص بالرغم انه فحص لايترتب عليه أي مضاعفات ولايحوي أي اشعاع ضار كما يحدث في الاشعة المقطعية والاشعة السينية .
لاخلاف أن مريض اليوم يختلف عن مريض الامس فالاول اكثر وعيا ويمكنه اللجوء الى محركات البحث عبر "الانترنت " للاستفسار عن كل مايتبادر الى ذهنه من تساؤلات او لطلب استكشاف مرض ما بل ومعرفة اعراضه ومضاعفاته ولكن تبقى تلك المعلومات صلبة وغير مرنة وغير قابلة لتطبيقها على مايصيبنا او يصيب اطفالنا من اعراض مرضية ... يبقى حينها دور الطبيب هو الاساس في التشخيص والعلاج بعد ارادة الله جلّ جلاله .
دور الطبيب الرفق بمريضه في التعامل وحسن المقابلة واطلاعه على كل مايخصه من معلومات في شكواه ، نتائج الفحوصات ، طرق التشخيص المتوفرة والعلاج والحديث معه باسلوب هادئ مطمئن يفهمه ويرتاح اليه .
ودور المريض التعاون مع الطبيب واتباع نصائحه . لابأس بالاستفادة برأي طبي اخر في بعض المشاكل الصحية التي قد يرى المريض ولو من وجهة نظره انه سيكون اكثر اقتناعا لو حصل على رأيين طبيين متفقين ولكن لايجب ان يتطور الامر الى اكثر من ذلك خصوصا في الأمور الطبيّة الجليّة .
على الجانب الاخر يجب التوكل على الله في كل شيء ثم اتباع نصائح الطبيب المختص وعدم تأجيل الفحوصات المقررة من الطبيب المعالج او محاولة تجاهلها فعلاج الامراض بشكل عام في مهدها يرفع فرص الشفاء باذن الله ويجنب المريض المضاعفات والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
المصدر: صحيفة الرياض