حتى لا نبتعد كثيرا عن سبب الكارثة
حتى لا نبتعد كثيرا عن سبب الكارثة
أ. د. صالح عبدالعزيز الكريِّم
إبراء للذمة لما حدث في جدة، ووقوفاً على الأسباب، ومحاسبة المقصرين والمهملين، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز توجيهاته بالتحقيق في الفاجعة عبر لجنة ذات مهام محددة تبرأ بها الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمة المليك لذمتهم «أعضاء اللجنة»، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب. وحتى لا نبتعد كثيراً عن سبب الكارثة «الحالية» والكارثة المستقبلية ــ لا سمح الله ــ فإنني أضع بين يدي اللجنة هذه المرتكزات:
إن الذي حدث ليس لأن كمية المطر غزيرة أو بسبب ارتفاع منسوب المياه، فالمطر مدته ساعتان، ومياههما تشابه ما هو موجود في أي منطقة أخرى، لكن السبب الرئيسي أن السيل فقد مجراه فأصبح يهدر كالمجنون، فمن دفن وطمر مجراه الطبيعي وحوله إلى مخططات؟
ومن وافق على مشروع كهذا يجب أن يحاسب، ومن منح تراخيص البناء في الأودية وممرات السيل يجب أن يعاقب، لقد قال لي زميل ونحن نقف على مجرى السيل الذي يمر في وسط جدة: إن الأمانة ستندم يوماً على دفن مجرى السيل هذا، إنه الامتداد الطبيعي الذي يصل مصبات السيول بالبحر، إن معالجة هذا الموضوع يجب أن تكون من أولويات اللجنة حتى لا تتكرر المأساة ــ لا قدر الله ــ بنزول المطر مرة أخرى، وعندها لا نكون قد استفدنا من الدرس.
إن موضوع الصرف الصحي في محافظة جدة مرض مزمن لم يحظ بالعلاج من أي أمين لأمانة جدة، لكن هناك من كان سببا رئيسيا في هذا المرض المزمن، ومنهم من أهمل، ولا ضير أن تقوم اللجنة وفقاً لتوجيه خادم الحرمين الشريفين باستدعاء الجميع والتحقيق معهم، والأهم من ذلك هو دراسة أسباب المعضلة حالياً، ولماذا إلى الآن بل إلى مدة لا تقل عن عشر سنوات مقبلة لن يتم الانتهاء من الشبكة، إن هناك مشاكل معلقة فنية وخرائطية، وفيما علمت أن الموضوع بعد عام سيتم الانتهاء من 15 في المائة منه فقط، وهذه بحد ذاتها فاجعة تحتاج إلى وقفة من سمو أمير المنطقة.
إن ثالثة الأثافي «بحيرة المسك» التي طالما نصح الناصحون من أكثر من عشرين عاما، واشترك جميع الأمناء في أهمالها، فهي تحتاج إلى فتح ملف خاص بها من كان سببا في السماح بوجودها؟ ثم لماذا لم تجد من يعالج أمرها؟ والأهم في شأنها مباشرة العلاج الجراحي لها إما بتجفيفها تدريجياً أو بنزحها إلى جهات بعيدة شرق جدة، والتخفيف من حدتها، ومعاملتها كحالة طوارئ يومياً حتى لا تتحول هي الأخرى إلى فاجعة أخرى، مما يؤهل جدة لأن تكون منطقة كوارث، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
المصدر: صحيفة عكاظ