• ×
admin

الحظ.. هبة أم صناعة؟!

الحظ.. هبة أم صناعة؟!

عزيزة المانع

إن للحظ كيمياء إذا ما مس كلبا، أحاله إنسانا
يرفع الله ما يشاء، كما شاء، كائنا ما كانا!!
قد لا يلفت الانتباه أن يكون هذا موقف ابن الرومي ممن يحققون النجاح في حياتهم، فابن الرومي اشتهر بطبيعته المتشائمة وتطيره المستمر وخوفه الدائم من النحس، ومن كان هذا شأنه فمن الطبيعي أن ينسب كل شيء يقع له أو لغيره إلى قوى وهمية تكون السبب في ذلك. ما يلفت الانتباه هو أن ما يردده ابن الرومي لا يمثل موقفه وحده، وإنما هو يكاد يعكس رأيا عاما يحتل أفكار كثير من الناس. فالأغلبية من الناس ينسبون ما يقع للآخرين من نجاح إلى الحظ وتهيؤ الظروف المناسبة، كأنهم بذلك يبحثون عما يبررون به أمام أنفسهم عدم بلوغهم النجاح الذي بلغه الآخرون، فيسندون بلوغ النجاح إلى الحظ تبرئة للذات من تهمة القصور أو العيب.
الجاحظ نفسه وهو من هو في رجاحة العقل وحسن التأمل، يبدو في كتابه الحيوان مصرا على أثر الحظ في تقرير نصيب الناس من النجاح أو الفشل، فبالنسبة له لا عقل ولا فكر ولا عمل يجدي شيئا إن لم يكن هناك حظ يقف وراء ذلك، بل إنه لا مقارنة عنده بين من يملك الحظ ومن يملك العقل لذلك هو معجب بقول: (رأيت الحظ يستر كل عيب،، وهيهات الحظوظ من العقول)، فالجاحظ هنا، على رجاحة عقله يتفق مع العامة الذين يرددون عبارة (أعطني حظا وارمني في البحر) ثقة منهم أن الحظ سيجلب لهم قارب النجاة.
بعض الدراسات العلمية الحديثة المعنية بكيفية عمل الدماغ البشري، جاءت لتهدم أسطورة الحظ التي ظلت تسيطر على أفكار الكثيرين عبر العصور، فهذه الدراسات تثبت مرة بعد أخرى أن الناس يولدون وفيهم جينات فطرية مختلفة بعضها يحمل خصائص قوة وبعضها يحمل خصائص ضعف وأنهم، بحسب هذا القول يحملون في خلاياهم جينات الخير والشر والشجاعة والجبن والنشاط والكسل والمغامرة والتردد وغيرها من الصفات التي لها أثر في تحقيق النجاح أو الفشل في حياة الناس.
ما يهم في هذا كله هو أن الإيمان بالحظ وسلطته علينا يطبع أثره في نفوسنا فتأتي تصرفاتنا مطابقة لتوقعاتنا من الحظ. فالذين يسيطر عليهم الإحساس بأن لا حظ لهم وأن تعاستهم سببها غياب الحظ، يطبق التشاؤم عليهم ويصيبهم التبلد واليأس فيتوقفون عن أي محاولة للعمل الجاد للتغيير، والذين يؤمنون أن حظهم جيد وأنه يدعمهم دائما، تعتريهم الحماسة وغالبا يعملون بنجاح نحو بلوغ غاياتهم. فالأمر ليس أكثر من إيحاءات نفسية، إما أن تبث التفاؤل وتوقد النشاط للعمل والتغيير وإما أن تطفئ شمعة التفاؤل ليطبق السواد على الحياة.

المصدر: صحيفة عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1974