• ×
admin

عطرجي بحيرة المسك

عطرجي \"بحيرة المسك\"!


حسين شبكشي

مثلها مثل غيرها من مدن العالم كان أهالي جدة يستبشرون بالسحاب المتكون في السماء فيبدأون بتحضير وجبة الرز بالعدس إيذانا بوصول الغيث والأمطار، وعادة ما كان الطهي يتم بمياه الأمطار الهاطلة ويهنئ بعضهم بعضا بالقول: «آنستكم الرحمة». كان هذا قديما، فالأمطار في جدة منذ سنوات تحولت إلى كابوس ومصدر قلق وذعر نتاج التبعات الناتجة من هطول الأمطار وعدم قدرة المدينة على تصريف مياهها. وجاء عيد الأضحى لهذا العام لتشهد مدينة جدة مأساتها الكبرى لتتحول هذه المناسبة إلى «كاترينا» السعودية وتحصد السيول الجارفة أكثر من مائة روح وتدمر أرتالا من المنازل والسيارات كاشفة عورات التخبط الإداري وفاضحة معها سنوات الإهمال. جدة مدينة يظهر فيها القصور والإهمال الإداري بشكل مذهل ويكفي دراما حبس الأنفاس والترقب الذي مر به أهل المدينة وهم يراقبون ارتفاع مستوى منسوب «بحيرة المسك» وهي بحيرة هائلة يتم فيها تخزين فضلات الصرف الصحي بشكل عشوائي وبدائي ومفتوح على الهواء الطلق يتنفس من بقاياه السكان، وهي واحدة من تركات مسؤولية الصرف الصحي التي أبقت مدينة جدة بلا شبكة للصرف الصحي بالرغم من صرف سنوي للميزانيات المخصصة لذلك وبمبالغ هائلة. ولكن السعوديين مع ذهولهم من هول ما رأوا من مآس تعودوا على إغاثتها في أفريقيا وآسيا، ولكنها اليوم في إحدى أهم مدنهم وبوابة الحرمين الشريفين، استبشروا خيرا بالبيان الملكي الصادر من خادم الحرمين الشريفين وتضمين مفردات جديدة لم يسمعوها من قبل كلمات مثل: «تحقيق» و«مساءلة» و«حساب» و«تأديب» وغيرها مما يؤكد أن هناك نهجا عمليا حقيقيا ينطلق ليُضاف إلى نهج الملك المحبوب ينتظر نتاجها كل المواطنين على أحرّ من الجمر حتى تبدأ المعالجة من الجذور. هناك من يحاول تلطيف الموقف وتخفيض حجم الكارثة وهو بذلك يضر البلد ولا يفيد العباد لأن المشكلة كارثية وليست مناخية وثقب أوزون، ولكنها ثقب في المساءلة والمسؤولية. وكما أطلق الملك عبد الله الحرب على الإرهاب بشكل شامل وتمت فيه مخاطبة المشكلة من الجذور فأطلقت برامج الحوار الوطني ومراجعة المناهج وتأهيل الفتوى وتدريب الأئمة وغير ذلك، فالإصلاح الإداري بحاجة إلى حرب شاملة ومن الجذور لأن هناك فئة تعطل المشروعات وتستغل سوء المساءلة وانعدام المحاسبة فتهدر الموارد وتبدد المشروعات متسببة في الكوارث التي شاهدناها وغيرها التي لم نشاهدها. الملك أمر بتشكيل لجنة كبرى بصلاحيات هائلة غير مسبوقة، وكل الأمل وبحسب ما أعلن أن يتم الرجوع إلى الشخصيات كافة التي عبثت بمدينة جدة وساهمت في تدمير بنيتها التحتية لتحولها إلى مدينة من العالم الرابع بلا صرف صحي ولا مطار ولا شبكة تصريف أمطار ولا مدينة صناعية ولا ملعب كافٍ والقائمة طويلة. رب ضارة نافعة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، هذا هو حال سكان جدة وهم ينعون أنفسهم بحزن عميق لأن الأمور حتى تنفرج يجب أن تضيق ولا ضيق لجدة أكثر مما حدث لها. خادم الحرمين الشريفين أخذ قرارا تاريخيا بفتح وتيرة ملف المساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد وعلى الجميع المساعدة في ذلك لأن المسألة تهم الكل بلا استثناء. بحيرة المسك لها «عطرجي» فهل يحاسَب؟ خادم الحرمين الشريفين طالب بفتح التحقيق مع أي من كان، عليه يجب أن ينظر إلى هذه المسألة لا كتصفية حسابات، ولكن ككشف حساب من الجذور آن أوانه وحان وقته.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  1286