حضانة الأطفال.. الأبناء قد يقعون ضحايا خلافات الأبوين!
حضانة الأطفال.. الأبناء قد يقعون ضحايا خلافات الأبوين!
العلاقة بين الزوجين بعد الطلاق من المودة والرحمة إلى العدوانية والعناد
د. إبراهيم حسن الخضير
من المشاكل التي أصبحت تتزايد في مجتمعاتنا ، وبدأت تأخذ شكل الظاهرة هي قضية الطلاق وما يتبع ذلك من مشاكل سواء على المرأة أو الأطفال وكذلك الرجل. الطلاق في المجتمع السعودي في تصاعد و كما تُشير الدراسات إلى أن نسبة الطلاق في ازدياد بل إن النسبة وصلت إلى حد مخيف يُهدد الاستقرار الأسرى و بالتالي يقود إلى مشاكل في المجتمع. مع بدأ دخول الصحافة في الحديث عن المشاكل الأسرية داخل الأسرة السعودية وكذلك المشاكل المترتبة على الطلاق من تدهور الحياة بالنسبة لكثير من الأطفال الذين يقعون ضحية التعنت بين الأب و الأم.
حكايات كثيرة نشرتها الصحف في معظم مناطق المملكة تُبيّن حجم المشكلة و نتائجها على المجتمع ، فهناك الكثير من المشاكل التي وقعت بعد طلاق الأب والأم و أخذ الأب حضانة الأطفال و كانت النتيجة في بعض الحالات أن الأطفال يُعانون من سوء المعاملة في منزل والدهم من زوجة الأب ( و بالطبع ليس جميع زوجات الأب هن شريرات) أو حتى من الأب نفسه أو من الأب وزوجته معاً. لقد وصلت بعض الجرائم إلى القتل بالنسبة للأطفال من قِبل زوجة الأب أو ألاب أو تعاون الأب وزوجته في إيذاء الطفل حتى الموت ، خاصةً إذا كان الطفل صغيراً لا يستطيع أن يُدافع عن نفسه.
ما الذي يحدث منذ الزواج حتى انتهاء الزواج ؟ عادة ما يبدأ الزواج بفرحةٍ من قِبل الطرفين ، بالطبع هناك بعض الاستثناءات ولكنها قليلة. أحياناً يكون الزوج مُجبراً على الزواج من قِبل قريبة له أو ربما غُصبت الفتاة على الزواج من رجلٍ لا ترغب في الزواج منه ، كأن يكون فارق السن كبيراً بين الزوجين ، ففي بعض الزيجات يكون عمر الزوجة كعمر بنات الزوج أو حتى ربما حفيداته! أو أن تكون الزوجة لا ترغب في الزواج بهذا الرجل الذي اختاره الأهل زوجاً لها نظراً لظروف عائلية أو أسرية ، وتكون هي ترغب في الزواج بشخصٍ آخر لكن الأسرة رفضت ذلك لأسباب متعددة مثل اختلاف النسب أو عدم التكافؤ في النسب أو لأسبابٍ اخرى متعددة.
في الوقت الحالي ، أصبحت الحياة الزوجية أكثر تعقيداً وصعوبة ، فما كانت المرأة تقبل به منذ أربعين أو خمسين عاماً لم تعد تقبل به الآن. المرأة تعلّمت و أصبحت تعمل ، و تستطيع أن تكون معتمدة على نفسها و أن تكون مستقلة مالياً ، وفي بعض الأحيان تستطيع المرأة أن تسكن في منزل مستقل مع أطفالها في حال حدوث أي مشاكل بينها وبين زوجها و تستطيع المرأة أن تقوم بكافة الأمور التي كانت مُحتكرة على الرجل في السابق ، إلا أن المجتمع في بعض الأحيان يقف حاجزاً بين المرأة واستقلاليتها ، ففي كثير من المواقف ترفض عائلة المرأة أن تدعها تسكن مستقلة مع أطفالها ، أما إذا كانت المرأة المطلقة لم يكن لها أطفال فإن الأهل يرفضون رفضاً قاطعاً أن تسكن لوحدها في منزلٍ مستقل حتى ولو كانت في سنٍ تجاوز الخامسة والثلاثين و تعمل في وظيفة جيدة مثل أن تكون طبيبة أو معلمة. وضع المرأة فيه بعض الصعوبة في مجتمعاتنا الذي يحرم المرأة من الكثير من حقوقها بحجة العادات والتقاليد و أن المجتمع لا يسمح بذلك.
غالباً ما يبدأ الزواج بالسعادة و يستمر لفترة قد تطول أو تقصر ، و إن كنتُ ألاحظ الآن أن بعض الزواجات لا تدوم سوى شهر العسل ، هذا إذا أكمل الزوجان شهر العسل. سمعتُ كثيراً عن زواجات بين شباب لم تستمر سوى أيام ، وهذا يدّل على أن هناك مشكلة حقيقية في الاختيار بين الشباب ، حيث لا يزال البعض يتزوج بطريقة غير صحيحة ، و بالتالي يكون نتيجة مثل هذه الزواجات هو الفشل.
تجارب الزواج الفاشلة تترك أثرها على الفتاة بشكلٍ خاص ، حيثُ تُصبح مطلّقة ، وقد يُقلّل هذا من فرص زواجاتٍ جيدة بالنسبة لها. كثير من الفتيات تنازلن كثيراً بعد أن أصبحنا مطلّقات ، حيث مرّت سنوات وهن قابعاتٍ في البيوت ، ومن ثم يقبلن بالزواج من شخص كبير في السن أو أن تكون زوجة ثانية أو ربما ثالثة. و كذلك ربما تنازلت وقبلت الزواج بمن هو دونها مرتبة اجتماعية أو علمية أو وظيفية.
الحديث الأكثر أهمية في موضوع الطلاق هو موضوع حضانة الأطفال. بعد الطلاق تتحول العلاقة الزوجية التي كانت بين الزوجين مودة ورحمة إلى علاقة عدوانية ، و لا أدري لماذا لا يكون هناك طلاق و تستمر العلاقة الطيبة بين الرجل والمرأة بعد طلاقهما؟ الأب عادة يُريد أن يحظى بحضانة الأطفال حتى وإن كان يعلم علم اليقين بأن وضع الأطفال مع والدتهم هو الأفضل لهم من جميع الجوانب ؛ النفسية والاجتماعية ، خاصةً إذا تزّوج الرجل من امرأة آخرى و كوّن أسرة ، بينما طليقته لاتزال غير متزوجة خشية أن تفقد حضانة أبنائها. ومع ذلك فالرجل يستطيع عن طريق المحكمة أن يحصل على حق الحضانة ، حتى ولو كانت الزوجة غير متزوجة و هي من يصرف على الأطفال ولا تطلب من الأب شيئا سوى أن يبقى اطفالها معها.
أعرف سيدة أنجبت طفلة واحدة ، ثم حدث طلاق و بقيت ابنتها معها ، لأن الزوج ، رجل مزواج ؛ يتزوج كثيراً ومن بلدان مختلفة و لديه أطفال كُثر من زوجاته المختلفات. و بعد أن تخطت الفتاة سن العاشرة ، طلبها والدها عن طريق المحمكة و استطاع أن يحصل على حكم بحق الحضانة لهذه الفتاة التي كانت تعيش عيشة باذخة ، لأن والدتها كانت تعمل و تقيم مع والديها ، فأدخلت ابنتها الوحيدة أفضل المدارس و تصرف عليها بشكلٍ جيد ، حيث توفّر لها معظم ما تحتاجه فتاة في مثل سنها. و لكن القاضي حكم للأب بالحضانة ، و أن على الأم تسليم الطفلة إلى والدها فوراً ، وإذا لم تقم بتسليم الابنة فإن من حق الوالد أن يأخذها عن طريق الشرطة. الأم التي عاشت مع ابنتها سنوات منذ الولادة ، حيث أن الطلاق تم والزوجة حامل بطفلتها هذه. الأم التي تعوّدت على ابنتها و العيش معها و كذلك مساعدة الابنة لوالدتها لأنها تشكو من مرضٍ عضال ، وكانتا تعيشان بحب ومودة في بيت والد الزوجة المطلقة. فجأةً تم سحب الفتاة الصغيرة لكي تعيش مع زوجة الأب و أطفال من زوجات متعددات من جنسياتٍ مختلفة والأب لاهٍ عن أولاده الذين خلّفهم من زوجاته بأعماله التجارية لتوفير المتطلبات الأساسية لأفراد العائلة. الفوارق الثقافية و أسلوب الحياة المختلفة بين العيش مع والدتها ووالدها جعلها تدخل في اكتئاب حقيقي وهي في سن الثانية عشرة. فالوالد من بيئة قاسية و نشأ في ظل أسرة فقيرة ، ووالد متعدد الزوجات ، فتركت هذه التربية القاسية عليه وهو صغير السن أثرها السلبي ، حيث أصبح قاسياً ، ومع كثرة الأطفال الذين أنجبهم دون تقدير أن إنجاب الأطفال يحتاج إلى تضحية و مراعاة لهم حتى ينشأوا في هذا العالم وهم مُشبعون بالمحبة و الحنان ، لكن كل تفكيره كان في توفير الأشياء المادية الأساسية. الأم التي فقدت ابنتها التي كانت مثل ظلها ، حيث لا يخرجان إلا معاً و مرتبطتان دخلت أيضاً في نوبة كآبة حادة ، جعلتها تفقد رغبتها في كل شيء في الحياة ، و أصبحت وحيدة تحاول أن ترُجع ابنتها بأي طريقةٍ كانت ، ولكن حالت الظروف دون ذلك!
مشكلة الطلاق أنه ليس مشكلة تخص شخصين فقط ، هما الزوج والزوجة ، ولكن الطلاق يؤثر على الابناء وعلى أفراد الاسرتين بل يؤثر على المجتمع ، حيث أن الأطفال الذين يعيشون في بيوتٍ ينقصها الحب والعطف والحنان ، وإذا كان هناك عنف أو سوء معاملة من أحد الوالدين أو زوجة الأب أو زوج الأم فقد يجعل هذا النوع من السلوكيات الطفل أو الطفلة يُعانيان من اضطرابات سلوكية وربما مشاكل أو اضطرابات نفسية في سن المراهقة و حتى بعد أن يتجاوزا سن المراهقة. كثير من المراهقين الذين يلجأون إلى تعاطي المخدرات أو يسلكون سلوكاً إجرامياً يكونون نتاج بيوت متفككة ، وبالطبع ليس هذا ضرورياً لأن يكونوا بهذه الحالة ، ولكن نسبة أكبر بين الأطفال الذين يأتون من بيوت مفككة أن ينحرفوا ، مقارنةً بالأطفال الذين ينشأون في بيوت مستقرة بين أبوين يعيشون معاً في جو أسري تطوّقه المحبة و العطف والحنان.
أيضاً ثمة مشاكل غريبة تقع للنساء من بعض الرجال ، مستغلين سلطات و ثغرات في بعض الأنظمة ، مثل أن يُعلّق الرجل المرأة لسنوات دون أن يُطلّقها و كذلك لا يُعاملها كزوجة. و كانت لدّي مريضة تُعاني من هذه المشكلة ، حيث أن ابن عمها عقد عليها و لكن لكي ينتقم من أهلها تركها تسع سنوات فلا هو بالذي تزوجّها و ليس بالذي تركها تتزوج من شخصٍ آخر. كان يرفض الطلاق و كلما عُقدت جلسة في المحكمة لا يحضر و بقي على هذا المنوال تسع سنوات ، وهي ليست متزوجة وليست مطلّقة. أعتقد بأن مثل هذا الأمر ربما يكون قل الآن نظراً لتغيّر وجهة نظر القضاة وتطوّر القضاء في بلادنا. مع ذلك هذا لا يمنع بأن نساء كثيرات مظلومات في المجتمع ، فالنظرة الاجتماعية للمرأة المطلّقة مازال يشوبها الكثير من الشك والريبة ، ويعتقد الناس بأن المرأة المطلّقة هي المخطئة في إنهاء الزواج ، وهذا غير صحيح فالخطأ قد يكون من الرجل أو المرأة وليس دائماً أن سبب الطلاق هو المرأة.
الحقيقة أن موضوع الزواج والطلاق وحضانة الأطفال أصبحت مشاكل تؤثر على المجتع ، وليس فقط تأثيرها على الأشخاص الذين هم واقعون في المشكلة. والمجتمع يجب أن يدرس و يساعد على كيفية حل هذه المشاكل لأن هذا سوف يعود بالنفع على المجتمع بأكمله.
إن وجود أطفال يُعانون من عدم الأمان بسبب مشاكل الطلاق الذي انتشر في الفترة الأخيرة و أصبح هناك الكثير من هؤلاء الأطفال الذين هم نتاج هذا السلوك. دراسة هذه الظاهرة من قِبل المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الانثروبولوجي وكذلك طلبة العلم الشرعي و القضاة الذين لهم دور مهم في علاج هذه المشكلة ، وهم الذين يُقررون من يتولى حضانة الطفل ، وليس لدّي أدنى شك بأن القضاة يُهمهم مصلحة الطفل ، ومصلحة أطراف القضية سواء أكان الأب أم الأم ، و لكن أحياناً يكون هناك بعض الأخطاء غير المقصودة في إعطاء حضانة الطفل للأب في وقتٍ يكون من مصلحة الطفل أن يكون مع والدته ، و للقضاة رأيهم الذي يمكن ألا نفهمه نحن في وقت إصدار الحكم بالحضانة للوالد.
الجميل أن هناك جمعيات تهتم بمثل هذه المشاكل ، فجمعية مودة التي تهتم بشكلٍ جاد بقضية الزواج و الطلاق و ما يتبع هذا الأمر من نتائج ، وتعقد ندوات وورش عمل جادة لمحاولة الوصول إلى حلول قد تساعد على تلاشي مثل هذه المشاكل في المستقبل ، وهذا أمر في غاية الأهمية ، و نرجو من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تساعد هذه الجمعية لأن ما يقومون به أعضاء الجمعية و المتعاونون معهم سوف يأتي ثمره بعد زمن ، ربما لا نرى النتائج سريعاً ، بل ربما سوف ننتظر سنوات لكي نرى نتائج أعمال هذه الجمعية.
مجتمعنا امتداداً للمجتمعات العالمية الاخرى ، كما يقولون بأن العالم أصبح قرية صغيرة ، فهذا يجعلنا نتأثر بما يدور في المجتمعات الاخرى و نرى صدى ما يحدث في المجتمعات الاخرى في مجتمعاتنا.
المصدر: صحيفة الرياض
العلاقة بين الزوجين بعد الطلاق من المودة والرحمة إلى العدوانية والعناد
د. إبراهيم حسن الخضير
من المشاكل التي أصبحت تتزايد في مجتمعاتنا ، وبدأت تأخذ شكل الظاهرة هي قضية الطلاق وما يتبع ذلك من مشاكل سواء على المرأة أو الأطفال وكذلك الرجل. الطلاق في المجتمع السعودي في تصاعد و كما تُشير الدراسات إلى أن نسبة الطلاق في ازدياد بل إن النسبة وصلت إلى حد مخيف يُهدد الاستقرار الأسرى و بالتالي يقود إلى مشاكل في المجتمع. مع بدأ دخول الصحافة في الحديث عن المشاكل الأسرية داخل الأسرة السعودية وكذلك المشاكل المترتبة على الطلاق من تدهور الحياة بالنسبة لكثير من الأطفال الذين يقعون ضحية التعنت بين الأب و الأم.
حكايات كثيرة نشرتها الصحف في معظم مناطق المملكة تُبيّن حجم المشكلة و نتائجها على المجتمع ، فهناك الكثير من المشاكل التي وقعت بعد طلاق الأب والأم و أخذ الأب حضانة الأطفال و كانت النتيجة في بعض الحالات أن الأطفال يُعانون من سوء المعاملة في منزل والدهم من زوجة الأب ( و بالطبع ليس جميع زوجات الأب هن شريرات) أو حتى من الأب نفسه أو من الأب وزوجته معاً. لقد وصلت بعض الجرائم إلى القتل بالنسبة للأطفال من قِبل زوجة الأب أو ألاب أو تعاون الأب وزوجته في إيذاء الطفل حتى الموت ، خاصةً إذا كان الطفل صغيراً لا يستطيع أن يُدافع عن نفسه.
ما الذي يحدث منذ الزواج حتى انتهاء الزواج ؟ عادة ما يبدأ الزواج بفرحةٍ من قِبل الطرفين ، بالطبع هناك بعض الاستثناءات ولكنها قليلة. أحياناً يكون الزوج مُجبراً على الزواج من قِبل قريبة له أو ربما غُصبت الفتاة على الزواج من رجلٍ لا ترغب في الزواج منه ، كأن يكون فارق السن كبيراً بين الزوجين ، ففي بعض الزيجات يكون عمر الزوجة كعمر بنات الزوج أو حتى ربما حفيداته! أو أن تكون الزوجة لا ترغب في الزواج بهذا الرجل الذي اختاره الأهل زوجاً لها نظراً لظروف عائلية أو أسرية ، وتكون هي ترغب في الزواج بشخصٍ آخر لكن الأسرة رفضت ذلك لأسباب متعددة مثل اختلاف النسب أو عدم التكافؤ في النسب أو لأسبابٍ اخرى متعددة.
في الوقت الحالي ، أصبحت الحياة الزوجية أكثر تعقيداً وصعوبة ، فما كانت المرأة تقبل به منذ أربعين أو خمسين عاماً لم تعد تقبل به الآن. المرأة تعلّمت و أصبحت تعمل ، و تستطيع أن تكون معتمدة على نفسها و أن تكون مستقلة مالياً ، وفي بعض الأحيان تستطيع المرأة أن تسكن في منزل مستقل مع أطفالها في حال حدوث أي مشاكل بينها وبين زوجها و تستطيع المرأة أن تقوم بكافة الأمور التي كانت مُحتكرة على الرجل في السابق ، إلا أن المجتمع في بعض الأحيان يقف حاجزاً بين المرأة واستقلاليتها ، ففي كثير من المواقف ترفض عائلة المرأة أن تدعها تسكن مستقلة مع أطفالها ، أما إذا كانت المرأة المطلقة لم يكن لها أطفال فإن الأهل يرفضون رفضاً قاطعاً أن تسكن لوحدها في منزلٍ مستقل حتى ولو كانت في سنٍ تجاوز الخامسة والثلاثين و تعمل في وظيفة جيدة مثل أن تكون طبيبة أو معلمة. وضع المرأة فيه بعض الصعوبة في مجتمعاتنا الذي يحرم المرأة من الكثير من حقوقها بحجة العادات والتقاليد و أن المجتمع لا يسمح بذلك.
غالباً ما يبدأ الزواج بالسعادة و يستمر لفترة قد تطول أو تقصر ، و إن كنتُ ألاحظ الآن أن بعض الزواجات لا تدوم سوى شهر العسل ، هذا إذا أكمل الزوجان شهر العسل. سمعتُ كثيراً عن زواجات بين شباب لم تستمر سوى أيام ، وهذا يدّل على أن هناك مشكلة حقيقية في الاختيار بين الشباب ، حيث لا يزال البعض يتزوج بطريقة غير صحيحة ، و بالتالي يكون نتيجة مثل هذه الزواجات هو الفشل.
تجارب الزواج الفاشلة تترك أثرها على الفتاة بشكلٍ خاص ، حيثُ تُصبح مطلّقة ، وقد يُقلّل هذا من فرص زواجاتٍ جيدة بالنسبة لها. كثير من الفتيات تنازلن كثيراً بعد أن أصبحنا مطلّقات ، حيث مرّت سنوات وهن قابعاتٍ في البيوت ، ومن ثم يقبلن بالزواج من شخص كبير في السن أو أن تكون زوجة ثانية أو ربما ثالثة. و كذلك ربما تنازلت وقبلت الزواج بمن هو دونها مرتبة اجتماعية أو علمية أو وظيفية.
الحديث الأكثر أهمية في موضوع الطلاق هو موضوع حضانة الأطفال. بعد الطلاق تتحول العلاقة الزوجية التي كانت بين الزوجين مودة ورحمة إلى علاقة عدوانية ، و لا أدري لماذا لا يكون هناك طلاق و تستمر العلاقة الطيبة بين الرجل والمرأة بعد طلاقهما؟ الأب عادة يُريد أن يحظى بحضانة الأطفال حتى وإن كان يعلم علم اليقين بأن وضع الأطفال مع والدتهم هو الأفضل لهم من جميع الجوانب ؛ النفسية والاجتماعية ، خاصةً إذا تزّوج الرجل من امرأة آخرى و كوّن أسرة ، بينما طليقته لاتزال غير متزوجة خشية أن تفقد حضانة أبنائها. ومع ذلك فالرجل يستطيع عن طريق المحكمة أن يحصل على حق الحضانة ، حتى ولو كانت الزوجة غير متزوجة و هي من يصرف على الأطفال ولا تطلب من الأب شيئا سوى أن يبقى اطفالها معها.
أعرف سيدة أنجبت طفلة واحدة ، ثم حدث طلاق و بقيت ابنتها معها ، لأن الزوج ، رجل مزواج ؛ يتزوج كثيراً ومن بلدان مختلفة و لديه أطفال كُثر من زوجاته المختلفات. و بعد أن تخطت الفتاة سن العاشرة ، طلبها والدها عن طريق المحمكة و استطاع أن يحصل على حكم بحق الحضانة لهذه الفتاة التي كانت تعيش عيشة باذخة ، لأن والدتها كانت تعمل و تقيم مع والديها ، فأدخلت ابنتها الوحيدة أفضل المدارس و تصرف عليها بشكلٍ جيد ، حيث توفّر لها معظم ما تحتاجه فتاة في مثل سنها. و لكن القاضي حكم للأب بالحضانة ، و أن على الأم تسليم الطفلة إلى والدها فوراً ، وإذا لم تقم بتسليم الابنة فإن من حق الوالد أن يأخذها عن طريق الشرطة. الأم التي عاشت مع ابنتها سنوات منذ الولادة ، حيث أن الطلاق تم والزوجة حامل بطفلتها هذه. الأم التي تعوّدت على ابنتها و العيش معها و كذلك مساعدة الابنة لوالدتها لأنها تشكو من مرضٍ عضال ، وكانتا تعيشان بحب ومودة في بيت والد الزوجة المطلقة. فجأةً تم سحب الفتاة الصغيرة لكي تعيش مع زوجة الأب و أطفال من زوجات متعددات من جنسياتٍ مختلفة والأب لاهٍ عن أولاده الذين خلّفهم من زوجاته بأعماله التجارية لتوفير المتطلبات الأساسية لأفراد العائلة. الفوارق الثقافية و أسلوب الحياة المختلفة بين العيش مع والدتها ووالدها جعلها تدخل في اكتئاب حقيقي وهي في سن الثانية عشرة. فالوالد من بيئة قاسية و نشأ في ظل أسرة فقيرة ، ووالد متعدد الزوجات ، فتركت هذه التربية القاسية عليه وهو صغير السن أثرها السلبي ، حيث أصبح قاسياً ، ومع كثرة الأطفال الذين أنجبهم دون تقدير أن إنجاب الأطفال يحتاج إلى تضحية و مراعاة لهم حتى ينشأوا في هذا العالم وهم مُشبعون بالمحبة و الحنان ، لكن كل تفكيره كان في توفير الأشياء المادية الأساسية. الأم التي فقدت ابنتها التي كانت مثل ظلها ، حيث لا يخرجان إلا معاً و مرتبطتان دخلت أيضاً في نوبة كآبة حادة ، جعلتها تفقد رغبتها في كل شيء في الحياة ، و أصبحت وحيدة تحاول أن ترُجع ابنتها بأي طريقةٍ كانت ، ولكن حالت الظروف دون ذلك!
مشكلة الطلاق أنه ليس مشكلة تخص شخصين فقط ، هما الزوج والزوجة ، ولكن الطلاق يؤثر على الابناء وعلى أفراد الاسرتين بل يؤثر على المجتمع ، حيث أن الأطفال الذين يعيشون في بيوتٍ ينقصها الحب والعطف والحنان ، وإذا كان هناك عنف أو سوء معاملة من أحد الوالدين أو زوجة الأب أو زوج الأم فقد يجعل هذا النوع من السلوكيات الطفل أو الطفلة يُعانيان من اضطرابات سلوكية وربما مشاكل أو اضطرابات نفسية في سن المراهقة و حتى بعد أن يتجاوزا سن المراهقة. كثير من المراهقين الذين يلجأون إلى تعاطي المخدرات أو يسلكون سلوكاً إجرامياً يكونون نتاج بيوت متفككة ، وبالطبع ليس هذا ضرورياً لأن يكونوا بهذه الحالة ، ولكن نسبة أكبر بين الأطفال الذين يأتون من بيوت مفككة أن ينحرفوا ، مقارنةً بالأطفال الذين ينشأون في بيوت مستقرة بين أبوين يعيشون معاً في جو أسري تطوّقه المحبة و العطف والحنان.
أيضاً ثمة مشاكل غريبة تقع للنساء من بعض الرجال ، مستغلين سلطات و ثغرات في بعض الأنظمة ، مثل أن يُعلّق الرجل المرأة لسنوات دون أن يُطلّقها و كذلك لا يُعاملها كزوجة. و كانت لدّي مريضة تُعاني من هذه المشكلة ، حيث أن ابن عمها عقد عليها و لكن لكي ينتقم من أهلها تركها تسع سنوات فلا هو بالذي تزوجّها و ليس بالذي تركها تتزوج من شخصٍ آخر. كان يرفض الطلاق و كلما عُقدت جلسة في المحكمة لا يحضر و بقي على هذا المنوال تسع سنوات ، وهي ليست متزوجة وليست مطلّقة. أعتقد بأن مثل هذا الأمر ربما يكون قل الآن نظراً لتغيّر وجهة نظر القضاة وتطوّر القضاء في بلادنا. مع ذلك هذا لا يمنع بأن نساء كثيرات مظلومات في المجتمع ، فالنظرة الاجتماعية للمرأة المطلّقة مازال يشوبها الكثير من الشك والريبة ، ويعتقد الناس بأن المرأة المطلّقة هي المخطئة في إنهاء الزواج ، وهذا غير صحيح فالخطأ قد يكون من الرجل أو المرأة وليس دائماً أن سبب الطلاق هو المرأة.
الحقيقة أن موضوع الزواج والطلاق وحضانة الأطفال أصبحت مشاكل تؤثر على المجتع ، وليس فقط تأثيرها على الأشخاص الذين هم واقعون في المشكلة. والمجتمع يجب أن يدرس و يساعد على كيفية حل هذه المشاكل لأن هذا سوف يعود بالنفع على المجتمع بأكمله.
إن وجود أطفال يُعانون من عدم الأمان بسبب مشاكل الطلاق الذي انتشر في الفترة الأخيرة و أصبح هناك الكثير من هؤلاء الأطفال الذين هم نتاج هذا السلوك. دراسة هذه الظاهرة من قِبل المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الانثروبولوجي وكذلك طلبة العلم الشرعي و القضاة الذين لهم دور مهم في علاج هذه المشكلة ، وهم الذين يُقررون من يتولى حضانة الطفل ، وليس لدّي أدنى شك بأن القضاة يُهمهم مصلحة الطفل ، ومصلحة أطراف القضية سواء أكان الأب أم الأم ، و لكن أحياناً يكون هناك بعض الأخطاء غير المقصودة في إعطاء حضانة الطفل للأب في وقتٍ يكون من مصلحة الطفل أن يكون مع والدته ، و للقضاة رأيهم الذي يمكن ألا نفهمه نحن في وقت إصدار الحكم بالحضانة للوالد.
الجميل أن هناك جمعيات تهتم بمثل هذه المشاكل ، فجمعية مودة التي تهتم بشكلٍ جاد بقضية الزواج و الطلاق و ما يتبع هذا الأمر من نتائج ، وتعقد ندوات وورش عمل جادة لمحاولة الوصول إلى حلول قد تساعد على تلاشي مثل هذه المشاكل في المستقبل ، وهذا أمر في غاية الأهمية ، و نرجو من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تساعد هذه الجمعية لأن ما يقومون به أعضاء الجمعية و المتعاونون معهم سوف يأتي ثمره بعد زمن ، ربما لا نرى النتائج سريعاً ، بل ربما سوف ننتظر سنوات لكي نرى نتائج أعمال هذه الجمعية.
مجتمعنا امتداداً للمجتمعات العالمية الاخرى ، كما يقولون بأن العالم أصبح قرية صغيرة ، فهذا يجعلنا نتأثر بما يدور في المجتمعات الاخرى و نرى صدى ما يحدث في المجتمعات الاخرى في مجتمعاتنا.
المصدر: صحيفة الرياض