شبابنا.. وسيول جدة!
شبابنا.. وسيول جدة!
د. عادل بن احمد الصالح
لا أود الحديث عما كشفته لنا سيول جدة من مواطن خلل وسوء تخطيط.. ولا أود أن أعرب عن استيائي من ذوي الضمائر الميتة الذين تسببوا في تلك الكارثة التي ألمت بالمدينة، فهناك لجنة عليا لتقصي الحقائق أمر بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وهي وحدها المنوط بها الكشف عن مواطن الخلل وتحديد مسئولية كل جهة أو أي شخص له علاقة بما حدث.. ولكن ما أود لفت النظر له والحديث عنه هو أنه رغم الصور المأساوية للآثار التي خلفتها سيول جدة، إلا أن الصورة لم تكن قاتمة تماما، ورغم حزننا على كل الشهداء الذين قضوا في السيول ودعواتنا أن يتقبلهم الله في واسع رحمته وأسفنا على ما حدث لكثير من الأسر وتداعياته ومسبباته فلا يجب إغفال تلك الجوانب المضيئة التي رسمها شبابنا المتطوعون والمتطوعات.. فآلاف الشباب الذين توافدوا على الأحياء المنكوبة للإسهام منهم في تقديم العون والمساعدة «تطوعا» ساهموا في تخفيف الكثير من الآلام والمعاناة ليس فقط على الضحايا والمتضررين الذين تمكنوا من تقديم العون لهم، بل إن هذه الثلة المباركةٌ من أبناء الوطن أسهموا في التخفيف على المتضررين معنويا في جميع أنحاء الوطن.
وإن كان «التطوع» في حد ذاته لم يستحق الإشادة والثناء، فما أثلج صدري فيما فعله هؤلاء المتطوعون ما أظهروه من حسن تفكير وتدبير، وتقسيمهم لأعمالهم التطوعية الإغاثية في دقة ونظام شديدين، فهذا فريق يتولى تنظيف المساجد وآخر يتولى تنظيف المنازل، وثالث يتولى مهمة البحث عن المفقودين، ورابع يقوم بتوزيع المساعدات على المتضررين، وخامس قام بالاستعانة بتقنية «جوجل إيرث» لمساعدة غيرهم من الفرق الأخرى في إيصال المساعدات للأهالي المعزولين بالأحياء المتضررة، بعد أن تسببت السيول في قطع الطرقات.
كما ظهر حسن تفكيرهم في حرصهم على توحيد جهودهم، وانطلاقهم ضمن ثوابت معينة أبرزها «الالتزام بالعمل من خلال السبل القانونية المتاحة والأطر النظامية والتعاون مع كافة الأجهزة الحكومية والمختصّة والتنسيق بين جميع الفرق التطوّعية للمساهمة في إنقاذ جدة»، وبخطة عمل محددة تشمل العمل تحت لواء « الجمعيّات الخيريّة والجهات الرسميّة حسب طلباتهم»، هذا يبشر أن المستقبل القادم أفضل طالما هذه هي النماذج الذي تمثل شبابنا، هؤلاء يحتاجون الدعم والمساندة، وحسنا ما فعلته الغرفة التجارية بجدة عندما شكلت «لجنة أهالي جدة للتكافل» لتنسيق الأعمال التطوعية بين مختلف الجمعيات الخيرية والأهلية، وهنا تظهر أهمية المسئولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية.
فتحية لكل المتطوعين، تحية لأفراد فريق «تكاتف» التطوعي، تحية للقائمين على «الحملة الوطنية لإنقاذ مدينة جدة»، تحية للغرفة التجارية بجدة و جمعية البر الخيرية السعودية وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي، تحية لكل الجمعيات الخيرية والأهلية والهيئات الإغاثية التي تولت تقديم الدعم والمساعدة للمنكوبين.
وختاما.. أقول التطوع هو حالة من العطاء وبذل النفس من أجل الآخرين ومجالات العمل التطوعي لا تقتصر على أوقات الكوارث والأزمات، بل يمكن التطوع في كل وقت وحين وفي مجالات شتى لمساعدة الغير، فتطوعوا وتأكدوا أنكم ستفيدوا وتستفيدوا، فأعمالكم التطوعية ستفيدكم في اكتساب الخبرات وبناء العلاقات وفهم الحياة، كما أنها تنمي الإحساس بالمواطنة، مما سيكون له الدافع الأكبر للعمل بعد ذلك بكد واجتهاد وإخلاص، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
المصدر: صحيفة اليوم