الكرسي.. قد يقتل صاحبه!
الكرسي.. قد يقتل صاحبه!
أبو ناصر فاجأه خبر التقاعد فسقط على مكتبه جرّاء جلطة حادة
د. خالد عبد الله النمر
(ابو ناصر) رجل في التاسعه والخمسين من عمره يعمل مديرا عاما يشار اليه بالبنان ويقدّم في صدور المجالس ويلجأ اليه الناس بعد الله في قضاء حوائجهم، مكتبه في عمله نهارا ومجلسه في بيته ليلا مزاران لمن لاعتهم نوائب الدهر ، تجدهم يبحثون عن الشفاعات التي توصل اليه ليلا ونهارا بل ويطلبون وجاهته في المغارم والدماء والإصلاح بين الناس .....أما جدوله العملي فهو ممتلئ لمدة ثلاثه أشهر قادمة من الاجتماعات والمناسبات والالتزامات التي لابد ان يقضيها ومع ذلك فهو يعتذر عن الكثير منها او ينيب غيره في حضورها ، أول الناس حضورا الى المكتب وآخرهم خروجا منه .......وفي صباح أحد الايام جاءه السكرتير يحمل في يده ورقة واحدة ولكنه على غير عادته يمشي على خوف وتردد يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ...حتى أعطى سعادة المدير العام الورقة بدون أي تعليق ....فتناولها المدير وقرأها واذا هي بفاكس اعفائه من منصبه .....كان هذا الخبر مثل الصاعقة على (ابو ناصر) والزلزال الذي هدّ كيانه .....صمت طويلا وأطال النظر في زاوية المكتب .... كيف ستصبح حياته بعد زوال الكرسي ؟ كيف ستكون حاله بعد الحياة المليئة بالاضواء ...الى زاوية مظلمة من حياته ينتظر فيها وفاته ؟! يستعرض كيف بدأ شريط حياته وكيف انتهى ؟ ومما يزيد الأمر مرارة انه كان يتوقع العكس تماما حيث سمع انه سيتم اعطاؤه في محل آخر منصبا اكبر وصلاحيات اعلى !!! وحاول ان يفكر ماذا سيفعل بعد ترك هذا الكرسي ؟وما هو سبب اعفائه ؟ وكيف يمكن ان يستغنوا عني بهذه السهولة ؟ كيف ومازال لدي الكثير لأعطيه ؟ وكيف يمكن ان يسير العمل بدوني؟ فاضت عيناه من الدمع .... ...ناداه السكرتير اكثر من مرة ....أبو ناصر...أبو ناصر .... فلم يجب بل لم يسمعه نهائيا لأن أبوناصر كان في واد آخر .......وخلال ذلك احس بألم في صدره وضيقه في التنفس ثم أغمي عليه وهو على الكرسي ... اتصلوا بالاسعاف ووجدوه مصابا بجلطة حادة في القلب ...ثم نقل الى المستشفى وأدخل وحدة العنايه المركزة وعملت له قسطرة شريانية التي وجد فيها ان الشريان الامامي مسدود 100% بتخثر دموي حاد تم فتحه ووضع دعامة شريانية معالجة بنجاح وقد تأثرت عضلة القلب كثيرا لدى (ابو ناصر) حيث اصبحت قوتها حوالي 30% بعد الجلطة (والمستوى الطبيعي فوق 55%) . كان آخر فحص عمله ابو ناصر قبل سبع سنوات في مايو كلينيك (وكان كل شيء طبيعيا!! على حسب قوله ) ولم يعمل أي فحوصات للقلب منذ ذلك الوقت ، وقد أظهرت الفحوصات ان ابو ناصر لديه سكري غير متحكم به حيث كان المعدل التراكمي 12% (وهي نسبة عالية جدا) والكليسترول الضار 4.7=ldl وهو مرتفع كثيرا ولديه زلال في البول حيث كانت نسبة الزلال a/c= 12 وهي نسبة عالية....كذلك كان ضغطه الشرياني 160 على 95 ولديه تضخم في القلب دلالة على ان الضغط كان قديما وأهمله ابو ناصر...اضف على ذلك انه كان يدخن حوالي علبة سجائر يوميا.
ماهو الدليل العلمي على اسباب جلطات « الكرسي»؟
العلاقه بين جلطات القلب والتقاعد عموما والنوع المفاجئ منه خصوصا علاقة قديمة حيث يؤثر كل منهما على الاخر ويسببه ( JAMAالمجلة الطبية الامريكية 1980) وقد وجدت الدراسات العلمية الحديثة ان المتقاعدين أكثر عرضة لجلطات القلب بأربعة أضعاف مقارنة بمن هم على رأس العمل.
ومن المعروف علميا ان جلطات القلب في المديرين والقياديين أكثر من غيرهم وذلك لأسباب عدة : كبر السن (فوق الخمسين) وهذا السن من العوامل المهمة التي تزيد حدوث الجلطة القلبية كلما تقدم بالانسان العمر ، أن اغلبيتهم من الذكور.....والرجل اكثر عرضة للجلطة من الانثى على العموم , وأنه تكثر فيهم العوامل المرضية :مثل السكري والضغط والكلسترول والتدخين... وهم مثل غيرهم من البشر فالنادر منهم من يمارس حياة اللهو ...وهي حياة تكلف الإنسان كثيرا من صحته على المدى القريب والبعيد ......وكذلك بسبب انشغالهم الدائم فهم نادرا مايجدون وقتا لممارسة الرياضة خصوصا في مجتمعات الشرق الاوسط مما يسبب عدم اللياقة....واخيرا ضغط العمل المزمن فهم في حياة توترية دائمة «لايدري من اين يؤتى»....وكيف ستكون وجهة نظرمديره « مدير المدير» عن ادائه ...وهم كذلك بحسب موقعهم يقومون بساعات عمل طويلة حيث ان بعضهم يعمل حوالى الست عشرة ساعة في اليوم الواحد وفي الويك اند وفي الاجازات ...وقد أثبتت ذلك دراسة (WHITEHALLII) حيث اوضحت ان 56% من الذين يعملون اكثر من عشر ساعات يوميا يصابون بجلطات القلب على المدى البعيد مقارنة بمن يعملون سبع او ثماني ساعات ....و يعرف التوتر ببساطة انه التغيرات غير المرغوب فيها او الصعبة التي يضطر لها الانسان ليتلاءم مع وضعه الجديد ويشمل ذلك الضغوط الجسدية والنفسية والعاطفية .
القشة التي قصمت ظهر البعير
والضغط النفسي للتقاعد ليس السبب الوحيد للجلطة ولكنه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير (كما في حالة ابو ناصر أعلاه) فهي نتيجة مباشرة لتراكمات سنين ماضية من الضغط والسكر والتدخين وعدم التحكم بالكلسترول وقصور الشرايين وعدم الاهتمام بصحة القلب.
الخلاصة:
والخلاصة انه قد رأينا مثل حالات (ابو ناصر) الكثير ويتابع في عيادة القلب الكثير من حالات قد تكون عرضة لأن يحدث لها ماحدث لأبي ناصر، وهذه الفئة من الناس ينصحون بما ينصح بهم غيرهم ولكنهم إضافة على ذلك فهم تحت ضغوطات وتوتر دائم وليس لديهم وقت ليهتموا بأنفسهم وصحتهم ولذلك فيجب ان يهتموا بصحتهم بالفحص الدوري والتحكم بالامراض المزمنة التي يعانون منها .. متعكم الله بالصحة والعافية.
المصدر: صحيفة الرياض
أبو ناصر فاجأه خبر التقاعد فسقط على مكتبه جرّاء جلطة حادة
د. خالد عبد الله النمر
(ابو ناصر) رجل في التاسعه والخمسين من عمره يعمل مديرا عاما يشار اليه بالبنان ويقدّم في صدور المجالس ويلجأ اليه الناس بعد الله في قضاء حوائجهم، مكتبه في عمله نهارا ومجلسه في بيته ليلا مزاران لمن لاعتهم نوائب الدهر ، تجدهم يبحثون عن الشفاعات التي توصل اليه ليلا ونهارا بل ويطلبون وجاهته في المغارم والدماء والإصلاح بين الناس .....أما جدوله العملي فهو ممتلئ لمدة ثلاثه أشهر قادمة من الاجتماعات والمناسبات والالتزامات التي لابد ان يقضيها ومع ذلك فهو يعتذر عن الكثير منها او ينيب غيره في حضورها ، أول الناس حضورا الى المكتب وآخرهم خروجا منه .......وفي صباح أحد الايام جاءه السكرتير يحمل في يده ورقة واحدة ولكنه على غير عادته يمشي على خوف وتردد يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ...حتى أعطى سعادة المدير العام الورقة بدون أي تعليق ....فتناولها المدير وقرأها واذا هي بفاكس اعفائه من منصبه .....كان هذا الخبر مثل الصاعقة على (ابو ناصر) والزلزال الذي هدّ كيانه .....صمت طويلا وأطال النظر في زاوية المكتب .... كيف ستصبح حياته بعد زوال الكرسي ؟ كيف ستكون حاله بعد الحياة المليئة بالاضواء ...الى زاوية مظلمة من حياته ينتظر فيها وفاته ؟! يستعرض كيف بدأ شريط حياته وكيف انتهى ؟ ومما يزيد الأمر مرارة انه كان يتوقع العكس تماما حيث سمع انه سيتم اعطاؤه في محل آخر منصبا اكبر وصلاحيات اعلى !!! وحاول ان يفكر ماذا سيفعل بعد ترك هذا الكرسي ؟وما هو سبب اعفائه ؟ وكيف يمكن ان يستغنوا عني بهذه السهولة ؟ كيف ومازال لدي الكثير لأعطيه ؟ وكيف يمكن ان يسير العمل بدوني؟ فاضت عيناه من الدمع .... ...ناداه السكرتير اكثر من مرة ....أبو ناصر...أبو ناصر .... فلم يجب بل لم يسمعه نهائيا لأن أبوناصر كان في واد آخر .......وخلال ذلك احس بألم في صدره وضيقه في التنفس ثم أغمي عليه وهو على الكرسي ... اتصلوا بالاسعاف ووجدوه مصابا بجلطة حادة في القلب ...ثم نقل الى المستشفى وأدخل وحدة العنايه المركزة وعملت له قسطرة شريانية التي وجد فيها ان الشريان الامامي مسدود 100% بتخثر دموي حاد تم فتحه ووضع دعامة شريانية معالجة بنجاح وقد تأثرت عضلة القلب كثيرا لدى (ابو ناصر) حيث اصبحت قوتها حوالي 30% بعد الجلطة (والمستوى الطبيعي فوق 55%) . كان آخر فحص عمله ابو ناصر قبل سبع سنوات في مايو كلينيك (وكان كل شيء طبيعيا!! على حسب قوله ) ولم يعمل أي فحوصات للقلب منذ ذلك الوقت ، وقد أظهرت الفحوصات ان ابو ناصر لديه سكري غير متحكم به حيث كان المعدل التراكمي 12% (وهي نسبة عالية جدا) والكليسترول الضار 4.7=ldl وهو مرتفع كثيرا ولديه زلال في البول حيث كانت نسبة الزلال a/c= 12 وهي نسبة عالية....كذلك كان ضغطه الشرياني 160 على 95 ولديه تضخم في القلب دلالة على ان الضغط كان قديما وأهمله ابو ناصر...اضف على ذلك انه كان يدخن حوالي علبة سجائر يوميا.
ماهو الدليل العلمي على اسباب جلطات « الكرسي»؟
العلاقه بين جلطات القلب والتقاعد عموما والنوع المفاجئ منه خصوصا علاقة قديمة حيث يؤثر كل منهما على الاخر ويسببه ( JAMAالمجلة الطبية الامريكية 1980) وقد وجدت الدراسات العلمية الحديثة ان المتقاعدين أكثر عرضة لجلطات القلب بأربعة أضعاف مقارنة بمن هم على رأس العمل.
ومن المعروف علميا ان جلطات القلب في المديرين والقياديين أكثر من غيرهم وذلك لأسباب عدة : كبر السن (فوق الخمسين) وهذا السن من العوامل المهمة التي تزيد حدوث الجلطة القلبية كلما تقدم بالانسان العمر ، أن اغلبيتهم من الذكور.....والرجل اكثر عرضة للجلطة من الانثى على العموم , وأنه تكثر فيهم العوامل المرضية :مثل السكري والضغط والكلسترول والتدخين... وهم مثل غيرهم من البشر فالنادر منهم من يمارس حياة اللهو ...وهي حياة تكلف الإنسان كثيرا من صحته على المدى القريب والبعيد ......وكذلك بسبب انشغالهم الدائم فهم نادرا مايجدون وقتا لممارسة الرياضة خصوصا في مجتمعات الشرق الاوسط مما يسبب عدم اللياقة....واخيرا ضغط العمل المزمن فهم في حياة توترية دائمة «لايدري من اين يؤتى»....وكيف ستكون وجهة نظرمديره « مدير المدير» عن ادائه ...وهم كذلك بحسب موقعهم يقومون بساعات عمل طويلة حيث ان بعضهم يعمل حوالى الست عشرة ساعة في اليوم الواحد وفي الويك اند وفي الاجازات ...وقد أثبتت ذلك دراسة (WHITEHALLII) حيث اوضحت ان 56% من الذين يعملون اكثر من عشر ساعات يوميا يصابون بجلطات القلب على المدى البعيد مقارنة بمن يعملون سبع او ثماني ساعات ....و يعرف التوتر ببساطة انه التغيرات غير المرغوب فيها او الصعبة التي يضطر لها الانسان ليتلاءم مع وضعه الجديد ويشمل ذلك الضغوط الجسدية والنفسية والعاطفية .
القشة التي قصمت ظهر البعير
والضغط النفسي للتقاعد ليس السبب الوحيد للجلطة ولكنه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير (كما في حالة ابو ناصر أعلاه) فهي نتيجة مباشرة لتراكمات سنين ماضية من الضغط والسكر والتدخين وعدم التحكم بالكلسترول وقصور الشرايين وعدم الاهتمام بصحة القلب.
الخلاصة:
والخلاصة انه قد رأينا مثل حالات (ابو ناصر) الكثير ويتابع في عيادة القلب الكثير من حالات قد تكون عرضة لأن يحدث لها ماحدث لأبي ناصر، وهذه الفئة من الناس ينصحون بما ينصح بهم غيرهم ولكنهم إضافة على ذلك فهم تحت ضغوطات وتوتر دائم وليس لديهم وقت ليهتموا بأنفسهم وصحتهم ولذلك فيجب ان يهتموا بصحتهم بالفحص الدوري والتحكم بالامراض المزمنة التي يعانون منها .. متعكم الله بالصحة والعافية.
المصدر: صحيفة الرياض