• ×
admin

إدمان الكحول.. يدمر حياة المدمن الاجتماعية والعملية

إدمان الكحول.. يدمر حياة المدمن الاجتماعية والعملية
منظمة الصحة العالمية تؤكد بأنه يقتل سنوياً أكثر من 2.5 مليون شخص

د. إبراهيم حسن الخضير

تحدثنا في مقالاتٍ سابقة عن مشكلة الادمان على الكحول ، ومالهذه الظاهرة من تأثير كبير على حياة الشخص الذي يُدمن الكحول من ناحية صحية وكذلك من نواحٍ آخرى.

الإدمان على الكحول ليس أمراً بسيطاً أواضطراباً سهلاً بل هومرض عضال ، يُعاني منه الشخص ويصعُب الانفكاك من أغلال هذا المرض الخطير.

الإدمان على الكحول يُدمّر حياة الشخص المدمن في جميع جوانبها ، فالحياة العملية للمدمن تتدهور وربما يفقد المدمن وظيفته أوأن يتم فقدانه لمركزه الوظيفي ليُعطى وظيفة ليست ذات أهمية.

الحياة الاجتماعية للمدمن أيضاً تتأثر بشكلٍ سلبي كبير ، حيث إن عائلة الشخص المدمن على الكحول تُعاني كثيراً خاصةً الزوجة ، التي تتحمل العبء الأكبر من مشكلة الإدمان على الكحول. فالزوجة تعيش حياة ملؤها القلق من هذه الحياة مع زوجها ، ففي البداية يُنكر الزوج أن لديه مشكلة مع تعاطي الكحول ، وعندما تواجهه الزوجة بالدلائل على أن مشكلة تعاطي الكحول عنده أمرٌ لا يحتاج إلى أي دلائل ، فهو يشرب الكحول طوال اليوم ، ولا يفعل شيئا في يومه سوى أنه يشرب الكحول وحتى عمله لا يذهب له!.

الكحول والإدمان عليها أمرٌ في غاية الخطورة من الناحية الاجتماعية ؛ فالشخص المدمن يبتعد عن الأشخاص الآخرين الذين لا يتعاطون الكحول ، وبذلك يبتعد عن الاجتماعات العائلية ويُصبح وحيداً أو أن يكون معه مجموعة من الأشخاص الذين يتناولون الكحول معه ، ويُصبحون جماعةً واحدة ، يجمعهم الشراب ، ويكون هم أفراد هذه المجموعة هي الحصول على الكحول في بلادٍ مثل بلادنا التي يُمنع فيها الكحول من البيع أوالتداول بأي صورةٍ من الصور ، لكن هذا لا يمنع من أن يتواجد الكحول بصورٍ غير قانونية وبالخفاء ويُباع ويُصنّع في بلادنا برغم المنع ومكافحة وزارة الداخلية له ، إلا أن تواجده معروف وهناك الكثيرون يُدمنون على الكحول سواء أكانت الكحول المُصنّعة داخلياً مثل العرق أوالكحول التي تُهرّب من الخارج بشتى أنواعها ، وأسعار هذه المواد الكحولية غالية الثمن لذلك فإنها تؤثر على الحالة المادية لبعض الأشخاص الذين دخلهم ليس كبيراً ، فبعض زجاجات الكحول المستورد يصل أسعارها إلى أكثر من الف وخمسمائة ريال وإذا كان الشخص مدمناً فإنه قد يتعاطى يومياً نصف زجاجة وهذا يعني أنه يصرف الف وخمسمائة ريال في يومين أي أنه يحتاج إلى خمسة عشر ألف ريال شهرياً لتأمين مشروبة الكحولي غالي الثمن! . بالطبع ليس جميع أنواع الكحول بهذا الغلاء ولكن هناك الكحول المصنَعة محلياً والتي يقل ثمنها عن ذلك بكثير.

المدمن على الكحول أحد أهم سماته هو أن تدور حياته حول الكحول ، فهو يهتم بتوفير الكحول لكي يتعاطاه قبل كل شيء في حياته. فالشخص الذي يُدمن على الكحول يمكن أن يشتري كحولاً قبل أن يدفع إيجار المنزل على سبيل المثال ، وكذلك يشتري الكحول قبل أن يهتم بتوفير المواد الغذائية لأفراد عائلته حتى ولو كان بينهم أطفال صغار بحاجة إلى الحليب والغذاء الخاص بالاطفال ، وكثيراً ما تشتكي العائلات التي يكون عائلها مدمنا على الكحول من عدم وجود غذاء للأسرة خلال أيام الشهر ، لأن الشخص المدمن يصرف دخله الشهري على شراء الكحول. ومن سلوكيات الشخص المدمن على الكحول التي تدور حياته حولها هي البحث عن الكحول والذي قد يقوده إلى تعريض نفسه إلى الخطر ، مثل أن يقوم بالذهاب إلى أماكن موبوءةٍ بحثاً عن الكحول ، وقد يتعرض إلى أن يقع في مشاكل مع بعض الأشخاص الخطيرين أو أن يتعرّض لإلقاء القبض عليه من جهات أمنية. برغم كل هذا فإن الشخص المدمن على الكحول قد يذهب ويفعل كل ما يمكن فعله دون أن يفكّر في العقوبات التي قد يتعرّض لها. وكثير من الأشخاص ذوو مراكز مرموقة عّرضوا أنفسهم إلى مشاكل مع القانون نتيجة بحثهم عن كحول يتعاطونه ، لأنهم فقدوا السيطرة على قدراتهم التحكمية في كيفية التصّرف الجيد والحكيم.

للآسف يظن البعض بأن من يدمنون على الكحول هم الطبقة الدنيا من المجتمع ، مثل الذين نراهم هائمين في الشوارع في المدن الكبرى في العالم ، لكن الحقيقة أن هناك الكثير من الأشخاص المتعلمين والذين يحملون شهاداتٍ عالية ، وكذلك أشخاص يحتلون مراكز مرموقة يُدمنون على الكحول ، وقد يسبب لهم مشاكل كثيرة.

في بريطانيا تعرّض أحد اعضاء مجلس العموم البريطاني من حزب العمال لمشاكل كادت أن تؤدي به إلى السجن ، فقد قام هذا العضو من حزب العمال بضرب اثنين من النواب من مجلس العموم في حانة المجلس ، أحدهما عضو من حزب المحافظين وحزب الليبرالي الديمقراطي ، لقد ضربهما هو تحت تأثير الكحول وكاد أن يخسر منصبه كممثل لمدينة فولكيرك ، وهي مدينة صغيرة تقع بين مدينتي أدنبرة وجلاسجو في اسكتلنده. الحكم صدر عليه مخففاً ، إذ منعه القاضي من الذهاب إلى حانة مجلس العموم لمدة ثلاثة أشهر ، وهو الذي كان يتوقع أن يكون الحكم عليه بالسجن ، وقال صراحةً انه نفذ من السجن بأعجوبة حيث أنه ضرب العضوين الآخرين ضرباً مُبرحاً.

كنتُ في لندن مع أصدقاء من أيام دراستي في مدينة أدنبرة ، وهؤلاء الأصدقاء بعضهم سعوديون بقوا في بريطانيا يعملون هناك وآخرون من بريطانيا كانوا زملاء دراسة وعمل في مستشفيات الطب النفسي في أدنبرة ولندن. حدثوني بقصة زميل كان من أكثر الزملاء لطفاً عندما كنّا طلبة دراسات عليا في منتصف الثمانينات ، وكان كذلك جيداً في عمله ودراسته وقبل سنوات أصبح طبيباً استشارياً ولكنه كان يُعاني من مشاكل في شرب الكحول ، وتطوّر الأمر معه حتى أصبح مدمناً على الكحول ، وأصبح يتغيّب عن العمل وبدأت مشاكله مع العمل تؤثر على حياته بشكل عام ، ولم يحاول أن يتعالج ، وهذه واحدة من مشاكل الأطباء الذين يُعانون من مشاكل التعاطي ، سواء للكحول أو للمخدرات الآخرى. عدم طلبه للمساعدة من زملاء متخصصين في علاج الإدمان ، جعل الأمر يتفاقم معه ، وأُصيب باكتئاب شديد وتلقى علاجا عن مرض الاكتئاب ، لكنه لم يستطع الخروج من مشكلة الادمان على الكحول وفي أحد الأيام وجده زملاؤه مُعلّقاً في غرفة نومه ، حيث أقدم على الانتحار عندما لم يستطع الخروج من دوامة إدمان الكحول. شعرتُ بالحزن على هذا الطبيب الناجح والطيب الذي وقع ضحيةً لإدمان الكحول ، والتي يعتقد كثير من الناس بأن الإدمان على الكحول أمر سهل.

قبل أسابيع قالت منظمة الصحة العالمية بأن الكحول يقتل سنوياً أكثر من مليونين ونصف المليون شخص ، وبذلك يكون الكحول هو المخدر الذي يقتل أكثر من بقية أنواع المخدرات ، ويفوق الاشخاص الذين يلقون حتفهم من مضاعفات الإدمان على الكحول أكثر من الأشخاص الذين يموتون من أمراض معدنية مثل السل والأيدز!.

عندما كنّا نتدرب في مدينة أدنبرة ، كان طبيباً يعمل جراحاً للمخ والأعصاب ، ولكنه أصبح مدمناً على الكحول مما أدى إلى تأثر عمله بشكلٍ كبير ، وقام عمله بتحويله إلى لجنة طبية ، حيث تم تحويله إلى لجنة متخصصة في علاج الإدمان ، فوجدت اللجنة أن هذا الطبيب لا يصلح لأن يكون طبيباً جراحاً ، وتم وضعه تحت الاختبار ليعمل طبيباً عاماً. لقد ضيّع مستقبله في أن يُصبح طبيباً متخصصاً في تخصص مهم وبالتأكيد سوف يكون دخله الشهري أكثر بكثير من دخله كطبيب عام ، وحتى هذا الأمر ليس مضموناً ، فقد تقرر اللجنة بأنه لا يصلح لأن يكون طبيباً عاماً ، ولا يستطيع أن يمارس عمل طبيب في أي تخصص.

طبيب آخر ، كذلك أدمن على الكحول وقام بفتح عيادة خاصة ، ولكن نظراً لإدمانه على الكحول ففد تسّرب المرضى من عيادته ، لأنهم كلما حضروا إليه في الصباح كان يقابلهم ثملاً ورائحة الكحول تفوح منه ، وبعد بضع سنوات لا تتجاوز الخمس ، اضطر إلى أن يُغلق العيادة ، وحاول أن يبحث عن عمل في مستشفى حكومي ، لكن كانت سمعته كمدمن على الكحول معروفة في المستشفيات فرفضت جميع المستشفيات تشغيله ، وبقي حوالي ستة أعوام في منزل بدون أي عمل ، سوى أن يتعاطى الكحول وتصرف زوجته على المنزل وعلى شراء الكحول له ، لأنه لم يكن يملك أي مال. بقي على هذا الوضع حتى أشفق عليه أحد المسؤولين وشغله كطبيب في أحد المستشفيات ، وبرغم التجربة المريرة التي مرّ بها وبقائه سنوات طويلة دون عمل بسبب الكحول وبرغم أن عمره تجاوز الخامسة والخمسين من العمر ، إلا أنه بعد كل هذه المشاكل التي مرّ بها ، لم يستطع الإقلاع عن الكحول ولا يزال لا يستطيع الحضور الصباح إلى العمل ، واستنفد جميع الأعذار ، برغم أن المسؤولين يتعاطفون معه نظراً لمعرفتهم بمشكلته كمدمن على الكحول ، إلا أن هذا الأمر لن يستمر كثيراً ، ولكن ربما تعاطف بعض الرؤساء يُشجّع مثل هؤلاء المدمنين على التمادي في تعاطيهم على الكحول ، وربما لو ساعدهم هؤلاء الرؤساء في العلاج لكان ذلك أفضل.

هناك دراسات متعددة حول إدمان الأطباء على الكحول ، وهو أمر قد يستغربه بعض عامة الناس ولكن للأسف هذا الأمر منتشر في الدول الغربية وكثير من الدول التي يُسمح فيها بتعاطي الشراب ، لكن هذا لا يمنع من أن يكون عندنا بعض الأطباء الذين يُعانون من الإدمان على الكحول ، مثل الطبيب الذي ذكرته والذي حاول أن يفتتح عيادة ولكنه فشل بسبب إدمانه على الكحول.

الدراسات تُشير أيضاً إلى أن زوجات الأطباء قد يكن عرضةً لأن يُصبحن مدمنات على الكحول ، ونُشرت بعض البحوث والدراسات عن هذا الأمر ، ولكن لله الحمد في بلادنا ليس هذا الأمر معروفا عندنا بسبب وضع المرأة والوازع الديني الذي يتمتع به كثير من النساء في بلادنا.

الإدمان على الكحول مرض خطير ، وربما كتبنا عنه أكثر من مرة نظراً لأهمية هذا الأمر ، وخطورة هذا الإدمان على الحالة الصحية والتي تطرقنا لها في مقالاتٍ سابقة ولكن أيضاً يؤثر بشكلٍ سلبي على الحياة الاجتماعية والحياة العملية مما قد يجعل الشخص معزولا اجتماعياً وقد يفقد وظيفته نتيجة إدمانه على الكحول.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1737