• ×
admin

كم يكفيك من المال؟

كم يكفيك من المال؟

فهد عامر الأحمدي

قد لا تشكل القناعة كنزا لأحد هذه الأيام؛ ولكن هناك دراسة قدمها الفائز بجائزة نوبل البروفيسور انجوس ديتوز تدعي أن دخلا سنويا قدره 75 ألف دولار يكفل (للمواطن الأمريكي) تحقيق السعادة والرضا.

وهذا الدخل (الذي يساوي 23,437 ريالا في الشهر) لا يعنى عدم رغبة المواطن هناك في نيل المزيد، ولكنه "الحد الأدنى" الذي يحقق رغباته اليومية ويتركه سعيدا حين يصل لمستواه.. أما أكثر من هذا الدخل فلا يحقق له سعادة أكبر أو فرحة مقابلة.. ويصبح الفائض مجرد أرقام جديدة في البنك!!

وهذه النتيجة المدهشة ذكرتني على الفور بمقال سابق ناقشت فيه فكرة مماثلة (بعنوان البنوك الخيرية فكرة تنتظر التطبيق) بدأته بهذا السؤال:

لو كان لديك 20 مليون ريال في أحد البنوك، فماذا يعني لك ربح 20 مليونا إضافية!؟

ماذا يعني لك المزيد من المال حين تملك أصلا ما يزيد على حاجتك الفعلية!!

الجواب - كما تثبت دفاتر الحسابات - مجرد أرقام جديدة وترتيب عددي أكبر.

فما تملكه فعلا في أي بنك يصبح ملكا للبنك يستفيد منه ويعطيك مقابله ورقة (واحساسا بالاطمئنان) بحيث تضمن وجوده وإمكانية سحبه في أي وقت تشاء. والخدعة هنا أنك ستسعد بالأرقام الجديدة ولكنك في الحقيقة (مثل كل الناس) لن تسحب كامل الرصيد وبالتالي "البنك" هو من يستفيد فعليا من أموالك الزائدة عن حاجتك!

وحينها اقترحت انشاء بنوك خيرية يودع فيها الأثرياء ما يفيض عن حاجتهم الفعلية (مثلها مثل أي بنك تقليدي) ولكن بغرض إقراضها للفقراء والمحتاجين والشباب في مقتبل العمر - مع ضمان البنك لإمكانية استعادتها في أي وقت (أيضا مثلها مثل أي بنك تقليدي)..

واليوم تعود هذه الدراسة ليس فقط لتأكيد هذه الملاحظة، بل وتأكيد عدم ارتفاع مستوى سعادتنا حين يفيض المال عن قدرتنا على الصرف وتحقيق ما نرغب بتحقيقه!!

صحيح أن ارتفاع رصيدنا بشكل مفاجئ يعقبه شعور سريع بالغبطة والسرور. ولكنه بدون شك شعور مؤقت يزول بعد فترة قصيرة من استيعابنا له (وهي فترة قد لا تتجاوز الساعتين).. وهذا يعني أن المال يجلب السعادة فعلا؛ ولكن لفترة محدودة وعند مستوى معين يحقق كافة احتياجاتنا!

.. ومايؤكد هذه العلاقة الهشة دراسة عالمية (نشرت عام 2003) أكدت أن ارتفاع دخل الفرد لا يعني بالضرورة توفر قدر أكبر من السعادة وراحة البال؛ فالناس في ألمانيا مثلا أكثر ثراء من الناس في تايلند وسيرلانكا ولكنهم ليسوا أكثر منهم سعادة.. وعلى نفس النمط اتضح أن الناس في أستراليا، وفرنسا، واليابان ليسوا أكثر سعادة من الناس في دول فقيرة نسبيا كالبرازيل، وكولومبيا، والفيليبين!!

.. على أي حال؛ لأنه لا توجد دراسات من هذا النوع في مجتمعنا المحلي سأضطر لاستعارة المبلغ (الذي قدمته في بداية المقال) ومحاولة مواءمته وتفصيله على المواطن السعودي.. فبما أن متوسط الدخل الفردي لدينا يعادل تقريبا (نصف) دخل المواطن الأمريكي أفترض أن (نصف المبلغ السابق) يكفي لتحقيق شعورنا بالسعادة والاكتفاء، بحيث يتحول ما بعده الى مجرد أرقام في البنك.

وهذا أيها السادة يعني راتبا لا يقل عن 11,700 ريال في الشهر.. (أووو بس)!!

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1492