• ×
admin

التمرينات الرياضية.. وصحة المخ

التمرينات الرياضية.. وصحة المخ

د. هاني رمزي عوض

لا شك أن تاريخ بداية ممارسة الرياضة قديم منذ بداية البشرية؛ إذ إن ممارسة الرياضة ارتبطت دائما بالفوائد الصحية سواء الجسدية أو النفسية للشخص الذي يمارسها، وهو الأمر الذي جعل من الرياضة أكثر كثيرا من مجرد وسيلة لقضاء وقت الفراغ.. وبطبيعة الحال، فإن مقولة: «العقل السليم في الجسم السليم» ليست إلا تأكيدا على أهمية الدور الذي تلعبه الرياضة ليس فقط في الحفاظ على صحة جيدة؛ ولكن أيضا في بناء مجتمع سليم، مما جعلها مقياسا لتطور الأمم ومدى اهتمامها بصحة مواطنيها.
الرياضة والمخ ومن المعروف أن كثيرا جدا من الدراسات على مدى العقود الماضية تناولت علاقة التمرينات الرياضية بالصحة العضوية لجميع أجهزه الجسم تقريبا؛ ولكن في السنوات القليلة الماضية كان هناك عدد من الدراسات التي تشير إلى أن الرياضة تؤثر على الأداء الوظيفي للمخ، خاصة في * * مرحلة الطفولة؛ ليس فقط لزيادة تدفق الأكسجين للمخ عند ممارسة التمرينات البدنية؛ ولكن أيضا من خلال آليات معينة تحدث تغييرات عصبية وبيولوجيةneurobiological changes تزيد من كفاءة المخ.
وقد أوضحت دراسة حديثه نشرت في النسخة الإلكترونية من «مجلة علم الأعصاب» journal Neuroscience، قام بها فريق من الأطباء النفسيين وكذلك أطباء الأعصاب وطلبة كليات الطب، أن تأثير الرياضة على نشاط المخ (مثل تحسين الذاكرة) يختلف باختلاف الشخص الممارس للرياضة؛ إذا ما كان مراهقا أم بالغا، وكذلك توصلت الدراسة إلى وجود «جين» مسؤول عن تحديد إلى أي مدى يمكن الاستفادة من ممارسة الرياضة، وهو ما يعتبر نتيجة مهمة، حيث يمكن مستقبلا استخدام الرياضة جزءا من علاج الأمراض المتعلقة بالصحة العقلية. وكانت بداية الربط بين التمرينات الرياضية وتحسين الذاكرة، قد أجريت بعض تجاربها على الأطفال الذين يعانون من مرض نقص الانتباه وفرط النشاط ADHD (واحد من أهم أمراض اضطراب السلوك عند الأطفال).
وقد صرح الأطباء أن المخاوف من المضاعفات والأعراض الجانبية للأدوية المستخدمة في علاج الأمراض العصبية المتعلقة بوظائف المخ (التي تعتبر العلاج الفعال) كانت هي الدافع وراء تفكيرهم في بدائل أخرى مثل، الرياضة، ودراسة مدى تأثيرها على الذاكرة.
وكان الباحثون من جامعة فيرمونت بالولايات المتحدة قاموا بإجراء متابعة دقيقة لأطفال المعسكرات الصيفية بالولاية من مرضى نقص الانتباه وفرط النشاط، وتبين أن الأطفال الذين يشتركون في المنافسات الرياضية استجابوا أفضل لعلاج السلوك أكثر من الأطفال الذين لا يمارسون نشاطا بدنيا، وعلى الرغم من أن هناك نقصا في البيانات المتعلقة بالعلاقة بين التمرينات وعلاج السلوك، فإن هذه الملاحظات لأطفال المعسكرات الصيفية كانت لافتة للنظر وتفتح الباب واسعا لمزيد من الدراسات.
وقد أظهرت الدراسات المختبرية التي تم إجراؤها على فئران التجارب المصابة بما يشبه مرض نقص الانتباه وفرط النشاط، أن الفئران استجابت للعلاج بالتمرينات الرياضية وتحسن سلوكها، وكانت الفئران الإناث أكثر تأثرا من الفئران الذكور، وكذلك حاول الباحثون التوصل إلى الآلية التي تؤثر بها التمرينات الرياضية على الذاكرة والتعلم، وأشاروا إلى أنه يوجد عامل محفز للأعصاب مشتق من المخ ويساعد في تطور الأداء الوظيفي للمخbrain derived neurotrophic factor أو اختصارا (BDNF) وتناسب وجود هذا العامل في الفئران التي تمارس الرياضة تناسبا طرديا مع تحسن الذاكرة والتعلم، واستمر التأثير في المراهقين أكثر كثيرا من البالغين. وعلى هذه الفرضية، تكون ممارسة التمرينات الرياضية في الصغر في مرحلة نمو وتطور المخ بالغة الأهمية، حيث إنها تزيد من قدرات المخ وتترك تأثيرات إيجابية بشكل دائم في تحسين الذاكرة والتعلم.
استعداد جيني
* وعند تطبيق هذه الدراسات على الإنسان، وجد أنه بجانب العامل الذي يحسن الأداء الوظيفي للمخ، يوجد أيضا استعداد جيني يختلف من لشخص لآخر يحدد مدى استجابته للعامل (BDNF)، ويحدد بالتالي مدى استفادته من ممارسة التمرينات الرياضية من عدمها في تحسين الذاكرة والتعلم، وهو الأمر الذي سوف يساهم مستقبلا في علاج أمراض السلوك ومدى الاستفادة من التمرينات الرياضية بعد تحليل الحامض النووي الخاص بكل طفل (DNA).
وكانت دراسة سابقة نشرت بعنوان «التمرينات الرياضية والقدرات المعرفية للمخ عبر الحياة»، التي نشرت في شهر يونيو (حزيران) 2011 في النسخة الإلكترونية من «مجلة علم وظائف الأعضاء التطبيقي» Journal of Applied Physiology قد خلصت إلى النتائج نفسها تقريبا؛ ولكن هذه الدراسة أشارت إلى أن الرياضة يجب أن تكون في الهواء الطلق aerobic exercise، وأيضا كلما زادت قوة التمرينات، زادت الاستفادة منها في تنمية القدرات المعرفية للمخ. وجاءت النتائج من تجميع مستندات من 111 دراسة ناقشت تأثير التمرينات الرياضية وقوتها، خاصة في الهواء الطلق، على تنمية مهارات المخ. وأجريت هذه الدراسات بداية من مرحلة الطفولة ونهاية بالبلوغ، وتمت تجربتها في المختبرات على فئران التجارب، وأظهرت أنها تحسن الذاكرة وتزيد الانتباه وصنع القرار والقيام بمهام متعددة، وهذه الآثار تمتد إلى مرحلة الشباب. وعلى الرغم من قلة الدراسات التي تناقش تأثير قوة التمرينات على الذاكرة في الأطفال؛ فإن الدراسات تناولت تأثير قوة التمرينات وزيادة حدتها على تحسين الذاكرة على البالغين، خاصة إذا استمرت التمرينات 30 دقيقة.
وأشارت الدراسات التي تناولت فئران التجارب إلى أن تحسين وظائف المخ الذي يحدث من خلال التمرينات الرياضية يعتقد أن يكون عبر عدة آليات؛ أهمها: تغير في شكل وبنية المخ، ونمو الخلايا العصبية والأوعية الدموية. كما أنها تزيد من تكوين عامل (BDNF) الذي يساعد على نمو وتطور خلايا المخ. وعلى الرغم من أن الدراسات تؤكد على أهمية التمرينات الرياضية لتحسين نشاط المخ؛ فإنها لم تحدد ما إذا كان التأثير يختلف من رياضة إلى أخرى من عدمه. وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن تؤدي التمرينات الرياضية إلى زيادة قدرات المخ عن طريق تحسين الحالة المزاجية للطفل حين يمارس الرياضة.
وفى السياق نفسه، وفى دراسة أخرى قام بها باحثون من كلية الطب في جامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية على الأطفال الذين يعانون من البدانة، وكانت التمرينات الرياضية تهدف إلى تحسين صحتهم الجسدية ومساعدتهم على التخلص من البدانة؛ تحسن أيضا أداء المخ الوظيفي، حيث تم إجراء الدراسة على 171 طفلا تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاما يعانوا جميعا من البدانة، ولا يشاركون في نشاط بدني، وتم تقسيمهم إلى 3 مجموعات؛ مجموعة قامت بتمرينات لنحو 20 دقيقة يوميا، ومجموعة أخرى قامت بتمرينات لنحو 40 دقيقة يوميا، ومجموعة ثالثة لا تمارس الرياضة.
واستمر هذا البرنامج نحو 13 أسبوعا، وتم عمل اختبارات لقياس قدرات المخ قبل وبعد هذه الدراسة، وجاءت النتائج لتوضح أن أطفال المجموعتين الذين مارسوا التمرينات الرياضية تحسنت وظائف المخ لديهم، وكذلك أداؤهم الدراسي أكثر كثيرا من الأطفال في المجموعة التي لم تشارك في التمرينات، ولم يختلف التأثير باختلاف فتره التمرينات.
وأخيرا؛ يجب على الآباء نصح أطفالهم بممارسة الرياضة بشكل منتظم، حيث إنها، بجانب تحسين الصحة الجسدية، تحسن الأداء الوظيفي للمخ، وكذلك الأداء الدراسي.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  1786