اليوم الوطني.. واستحضار حكمة المؤسس
اليوم الوطني.. واستحضار حكمة المؤسس
د. عدنان بن عبد الله الشيحة
مهمة بناء الوطن لا حدود لها ولا يمكننا أن نتوقف عند محطة واحدة من الإنجاز أو نستكين ولو للحظة وأن يخالجنا شعور خادع بأن المهمة انتهت أو قاربت على الانتهاء. هذا لا يلغي مشروعية وأهمية الاحتفال بإنجاز أكبر مشروع وحدوي في الوطن العربي، بل في الشرق الأوسط، وأن نفخر ونعتز بتأسيس دولة الشريعة والشرعية والأمن والأمان. الاحتفال بالوطن هو تذكير بإنجازات الأجداد العظيمة، وكيف بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل لمّ شمل الأمة وأخلصوا العمل تحت قيادة الملك الوالد عبد العزيز - رحمه الله - ليصنعوا ملحمة التوحيد والمجد والتآخي وينهوا حالة العداء والمرض والجهل والفقر. بدأ حلم جميل وعظيم زرع في وجدان وعقل الشاب اليافع عبد العزيز بن عبد الرحمن، فذهب يحققه بكل شجاعة وجسارة وحكمة وحنكة لم يثنه قلة العدة والعتاد أو الهيبة من عظم المهمة، وثب على صهوة الأمل والعمل دون تردد، متسلحا بالإيمان والثقة بالله والعزيمة على تخليص الناس من حال التشرذم والفرقة. لقد كان واحدا منهم وظل على العهد معهم يسوسهم بالحق، فكانت اللحمة الفطرية بين الحاكم والمحكوم أساسها بيعة شرعية وأخوة إسلامية وترابط قوي يتعدى العلاقة القانونية والرسمية لا تنفك عراها لأنه أسس على التقوى ومبادئ الإسلام العظيمة والتقاليد العربية الأصيلة. لم تغيره الأيام ولا السلطة والمال ولا الجاه، وظل يستقبل شعبه بأبواب مفتوحة على مصراعيها، كيف لا وهو منهم وهم منه. يدخل أحدهم مجلسه قادما من أطراف البادية رث الثياب غليظ المنطق يخاطبه باسمه الأول "يا عبد العزيز" بأريحية دون تنميق ولا تكلف ولا بروتوكول فيجيبه لمسألته ويتحدث لغته ويبلغه مقصده، وربما كان في المجلس من طلبة العلم فيناقشهم ويبدي رأيه عن علم شرعي وإثباتات بالأدلة والشواهد الواقعية، أو كان هناك من جاء من مناطق المملكة ذات الثقافات المتعددة فيكون بينهم يمنح كل واحد منهم اهتمامه ويسأله عن أدق التفاصيل في منطقته، وهكذا يقف من الجميع على مسافة واحدة تحقيقا للأخوة والعدل والمساواة وتحكيم شرع الله وتطبيق الخلق الإسلامي. وهذا هو السر وراء شعبيته الجارفه منذ اليوم الأول لانطلاقته في تحقيق حلم الدولة الإسلامية، لم يكن ضيق الأفق بسيط التفكير، إنما قيادي محنك وملهم ذو رؤية ثاقبة ورجل دولة وسياسي من الطراز الأول سبق الناس بتفكيره فرسم خريطة الطريق نحو الوحدة الوطنية، فكان الرمز الذي التفوا حوله وقادهم نحو سبر أغوار المستقبل والوصول بهم حيث لم يصل أحد من قبل لوحدة البلاد والعباد. لقد تحقق حلم عبد العزيز لأنه كان صادق الوعد ولم يكن جبارا متغطرسا، لكن ساس الناس عن علم ودراية، وحكمة سياسية، وفكر مستنير، وإخلاص العمل، لذا لم يكن مستغربا أن يكون أحد أبرز القيادات التي صنعت تاريخا مجيدا في المنطقة في رأي كثير من المؤرخين، وأن يسجل حضورا قويا للدولة الفتية آنذاك وأن يجنبها الصراعات الدولية على الرغم من أنها لم تكن تمتلك إمكانات مادية وبشرية كبيرة، لكنه كان يملك أهم شيء، الإيمان بالله والثقة بالنفس والعلاقة القوية مع شعبه، ورؤية واضحة لما ينبغي عمله. إن معادلة الملك عبد العزيز للنجاح كانت في المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، فلم يتخل عن المبادئ الراسخة للإسلام، لكن بفهومه الحضاري ومقاصده العالية وسماحته وفي إطار فقة الواقع واستيعاب المستجدات وتوظيفها من أجل تنمية الوطن اعتمادا على سواعد أبنائه.
اليوم الوطني فرصة لاستذكار دروس وتجربة وفكر مدرسة الملك عبد العزيز، وهي في جوهرها التكيف مع المتغيرات واستباق الأحداث وإدارة التغيير. الدرس الأهم أن تسبق الدولة الناس بمبادرات جسورة تشكل فيه الواقع وتنقل المجتمع إلى مستويات أعلى من التحضر الاجتماعي والتطور السياسي والنمو الاقتصادي. لا شك أن لكل حقبة زمنية متطلباتها واستحقاقاتها بحكم المتغيرات السكانية والثقافية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستمر على نمط واحد من التنظيم الإداري والاجتماعي، ولا بد من البحث عما يتلاءم مع متطلبات المجتمع وأنماطه الاستهلاكية الجديدة وتطلعاته المستقبلية. لم يكن ذلك غائبا عن الملك عبد العزيز، ففي بدايات التأسيس تعامل مع التمايز المناطقي بما يتفق مع كل ظروف وثقافة كل منطقة، فمبدأه - رحمه الله - كان يرتكز على تحقيق رضا ومصالح المواطنين بالطريقة التي تنسجم مع رغباتهم وتكوينهم الاجتماعي بجميع أشكاله ومستوياته وليس استجلاب أنظمة مهما بلغت من التطوير وفرضها عليهم. هذه الواقعية السياسية للملك عبد العزيز ما ميز إدارته للبلاد بنجاح ورسم مستقبلها. لقد حقق من خلال نظرته الواقعية التوازن التنموي واستطاع بناء القدرات المحلية وتحفيز التنمية الإقليمية بخطى ثابته كان لأهالي تلك المناطق مساهمة فاعلة في توظيف إمكانات منطقتهم وإنتاج سلع وخدمات تميزهم وترفع قدراتهم التنافسية.
فكر الملك عبد العزيز ثروة وطنية ومرجعية أساسية في بناء الوطن وتطويره سياسيا واقتصاديا بما يضمن ديمومته واستقلاله وقوته. وما أحوجنا في هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة والتحديات الكبيرة التي تواجهنا إلى حكمة الملك عبد العزيز في المبادرة بتطوير نظامنا الإداري بما يكفل تعزيز اللحمة الوطنية وتجسيد هذه العلاقة الفطرية الرائعة بين الحاكم والمحكوم وإبراز سياسة الباب المفتوح العنوان الكبير في نهج إدارة البلاد من خلال عمل مؤسسي وإطار القانون العام. نحن جميعا فخورون بما أنجزه الملك عبد العزيز، لأننا جميعا نتفيأ ظلال ما زرعه من حكمة وأمن وأمان وأخوة، ومن حقه علينا - رحمه الله - أن نستمر على نهجه بالمزاوجة بين التقاليد الراسخة والتطلع إلى تحديث نظامنا الإداري بما يتفق مع روح العصر. وربما كان من الأجدر في اليوم الوطني أن تعقد ندوة في كل منطقة تستذكر فيه حكمة الملك عبد العزيز وإنجازاته وفكره وتطرح أفكار ومبادرات جديدة تعزز ثوابتنا الوطنية بثوب عصري نسقي شجرة الوطن بالولاء والإخلاص والتلاحم والبحث عن الأفضل كما علمنا الوالد الملك عبد العزيز، ونمضي على العهد صفا واحدا وراء قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وولي عهده الأمين الأمير سلمان.. دام الوطن عزيزا ودمتم بخير.
المصدر: صحيفة الاقتصادية
د. عدنان بن عبد الله الشيحة
مهمة بناء الوطن لا حدود لها ولا يمكننا أن نتوقف عند محطة واحدة من الإنجاز أو نستكين ولو للحظة وأن يخالجنا شعور خادع بأن المهمة انتهت أو قاربت على الانتهاء. هذا لا يلغي مشروعية وأهمية الاحتفال بإنجاز أكبر مشروع وحدوي في الوطن العربي، بل في الشرق الأوسط، وأن نفخر ونعتز بتأسيس دولة الشريعة والشرعية والأمن والأمان. الاحتفال بالوطن هو تذكير بإنجازات الأجداد العظيمة، وكيف بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل لمّ شمل الأمة وأخلصوا العمل تحت قيادة الملك الوالد عبد العزيز - رحمه الله - ليصنعوا ملحمة التوحيد والمجد والتآخي وينهوا حالة العداء والمرض والجهل والفقر. بدأ حلم جميل وعظيم زرع في وجدان وعقل الشاب اليافع عبد العزيز بن عبد الرحمن، فذهب يحققه بكل شجاعة وجسارة وحكمة وحنكة لم يثنه قلة العدة والعتاد أو الهيبة من عظم المهمة، وثب على صهوة الأمل والعمل دون تردد، متسلحا بالإيمان والثقة بالله والعزيمة على تخليص الناس من حال التشرذم والفرقة. لقد كان واحدا منهم وظل على العهد معهم يسوسهم بالحق، فكانت اللحمة الفطرية بين الحاكم والمحكوم أساسها بيعة شرعية وأخوة إسلامية وترابط قوي يتعدى العلاقة القانونية والرسمية لا تنفك عراها لأنه أسس على التقوى ومبادئ الإسلام العظيمة والتقاليد العربية الأصيلة. لم تغيره الأيام ولا السلطة والمال ولا الجاه، وظل يستقبل شعبه بأبواب مفتوحة على مصراعيها، كيف لا وهو منهم وهم منه. يدخل أحدهم مجلسه قادما من أطراف البادية رث الثياب غليظ المنطق يخاطبه باسمه الأول "يا عبد العزيز" بأريحية دون تنميق ولا تكلف ولا بروتوكول فيجيبه لمسألته ويتحدث لغته ويبلغه مقصده، وربما كان في المجلس من طلبة العلم فيناقشهم ويبدي رأيه عن علم شرعي وإثباتات بالأدلة والشواهد الواقعية، أو كان هناك من جاء من مناطق المملكة ذات الثقافات المتعددة فيكون بينهم يمنح كل واحد منهم اهتمامه ويسأله عن أدق التفاصيل في منطقته، وهكذا يقف من الجميع على مسافة واحدة تحقيقا للأخوة والعدل والمساواة وتحكيم شرع الله وتطبيق الخلق الإسلامي. وهذا هو السر وراء شعبيته الجارفه منذ اليوم الأول لانطلاقته في تحقيق حلم الدولة الإسلامية، لم يكن ضيق الأفق بسيط التفكير، إنما قيادي محنك وملهم ذو رؤية ثاقبة ورجل دولة وسياسي من الطراز الأول سبق الناس بتفكيره فرسم خريطة الطريق نحو الوحدة الوطنية، فكان الرمز الذي التفوا حوله وقادهم نحو سبر أغوار المستقبل والوصول بهم حيث لم يصل أحد من قبل لوحدة البلاد والعباد. لقد تحقق حلم عبد العزيز لأنه كان صادق الوعد ولم يكن جبارا متغطرسا، لكن ساس الناس عن علم ودراية، وحكمة سياسية، وفكر مستنير، وإخلاص العمل، لذا لم يكن مستغربا أن يكون أحد أبرز القيادات التي صنعت تاريخا مجيدا في المنطقة في رأي كثير من المؤرخين، وأن يسجل حضورا قويا للدولة الفتية آنذاك وأن يجنبها الصراعات الدولية على الرغم من أنها لم تكن تمتلك إمكانات مادية وبشرية كبيرة، لكنه كان يملك أهم شيء، الإيمان بالله والثقة بالنفس والعلاقة القوية مع شعبه، ورؤية واضحة لما ينبغي عمله. إن معادلة الملك عبد العزيز للنجاح كانت في المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، فلم يتخل عن المبادئ الراسخة للإسلام، لكن بفهومه الحضاري ومقاصده العالية وسماحته وفي إطار فقة الواقع واستيعاب المستجدات وتوظيفها من أجل تنمية الوطن اعتمادا على سواعد أبنائه.
اليوم الوطني فرصة لاستذكار دروس وتجربة وفكر مدرسة الملك عبد العزيز، وهي في جوهرها التكيف مع المتغيرات واستباق الأحداث وإدارة التغيير. الدرس الأهم أن تسبق الدولة الناس بمبادرات جسورة تشكل فيه الواقع وتنقل المجتمع إلى مستويات أعلى من التحضر الاجتماعي والتطور السياسي والنمو الاقتصادي. لا شك أن لكل حقبة زمنية متطلباتها واستحقاقاتها بحكم المتغيرات السكانية والثقافية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستمر على نمط واحد من التنظيم الإداري والاجتماعي، ولا بد من البحث عما يتلاءم مع متطلبات المجتمع وأنماطه الاستهلاكية الجديدة وتطلعاته المستقبلية. لم يكن ذلك غائبا عن الملك عبد العزيز، ففي بدايات التأسيس تعامل مع التمايز المناطقي بما يتفق مع كل ظروف وثقافة كل منطقة، فمبدأه - رحمه الله - كان يرتكز على تحقيق رضا ومصالح المواطنين بالطريقة التي تنسجم مع رغباتهم وتكوينهم الاجتماعي بجميع أشكاله ومستوياته وليس استجلاب أنظمة مهما بلغت من التطوير وفرضها عليهم. هذه الواقعية السياسية للملك عبد العزيز ما ميز إدارته للبلاد بنجاح ورسم مستقبلها. لقد حقق من خلال نظرته الواقعية التوازن التنموي واستطاع بناء القدرات المحلية وتحفيز التنمية الإقليمية بخطى ثابته كان لأهالي تلك المناطق مساهمة فاعلة في توظيف إمكانات منطقتهم وإنتاج سلع وخدمات تميزهم وترفع قدراتهم التنافسية.
فكر الملك عبد العزيز ثروة وطنية ومرجعية أساسية في بناء الوطن وتطويره سياسيا واقتصاديا بما يضمن ديمومته واستقلاله وقوته. وما أحوجنا في هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة والتحديات الكبيرة التي تواجهنا إلى حكمة الملك عبد العزيز في المبادرة بتطوير نظامنا الإداري بما يكفل تعزيز اللحمة الوطنية وتجسيد هذه العلاقة الفطرية الرائعة بين الحاكم والمحكوم وإبراز سياسة الباب المفتوح العنوان الكبير في نهج إدارة البلاد من خلال عمل مؤسسي وإطار القانون العام. نحن جميعا فخورون بما أنجزه الملك عبد العزيز، لأننا جميعا نتفيأ ظلال ما زرعه من حكمة وأمن وأمان وأخوة، ومن حقه علينا - رحمه الله - أن نستمر على نهجه بالمزاوجة بين التقاليد الراسخة والتطلع إلى تحديث نظامنا الإداري بما يتفق مع روح العصر. وربما كان من الأجدر في اليوم الوطني أن تعقد ندوة في كل منطقة تستذكر فيه حكمة الملك عبد العزيز وإنجازاته وفكره وتطرح أفكار ومبادرات جديدة تعزز ثوابتنا الوطنية بثوب عصري نسقي شجرة الوطن بالولاء والإخلاص والتلاحم والبحث عن الأفضل كما علمنا الوالد الملك عبد العزيز، ونمضي على العهد صفا واحدا وراء قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وولي عهده الأمين الأمير سلمان.. دام الوطن عزيزا ودمتم بخير.
المصدر: صحيفة الاقتصادية