لعبة ادعاء المرض.. الكذب لا يدوم طويلاً!
لعبة ادعاء المرض.. الكذب لا يدوم طويلاً!
فئة تبحث عن مكاسب ثانوية شخصية كالتغيّب عن العمل أو تعويض مادي أو الحصول على تعاطف المحيطين بهم
د. إبراهيم حسن الخضير
ادعّاء المرض، واحد من أقدم الحيل التي يلجأ إليها كثير من الأشخاص لأسبابٍ مُتعددة. فكثيرون يدّعون المرض لكي يتغيّبوا عن العمل وآخرون يدعّون المرض لأسباب مالية بحتة، أي بحثاً عن المال بأي صورةٍ من الصور، وآخرون يدّعون المرض بحثاً عن الانتباه والحنان من المحيطين بهم.
ادعّاء المرض، قد يكون دون وعي الإنسان؛ أي أن الشخص يقوم بادعّاء المرض دون أن يعي ذلك تماماً، وهو ما كان يعُرف بالهستيريا، وغالباً يكون هذا المرض هو أحد أنواع الأمراض العصبية، مثل فقدان الوعي الذي يُشبه الصرع، ولكن يختلف عن الصرع بأن الشخص الذي يدّعي المرض، تحدث له النوبة دائماً في وجود آخرين، وكذلك لا تحدث إصابات في الشخص عند وقوعة، ولا يعض لسانه وكذلك لا يتبوّل على نفسه كما يحدث مع مريض الصرع الحقيقي. دائماً يكون هناك مكاسب ثانوية للشخص الذي يدّعي المرض، مثل أن يحصل على عفو من عمل غير لائق به، أو أن يحصل على مكسب شخصي من عمله، كتخفيف العمل ولكن دون أن يكون شاعراً بذلك بشكل كامل.
ثمة أحياناً يكون الشخص على دراية جزئية بما يفعل من ادعّاء المرض، أي ليس بشكلٍ تام يعلم بما يفعله من ادعّاء للمرض، وغالباً تكون هناك صراعات تدور داخل الشخص الذي يقوم بفعل ادعّاء المرض بشكلٍ جزئي. يُعرف هذا الأمر بأنه Factitious Disorder. وقد تحدث عنه الدكتور فيلدمان Feldman في كتابه الذي تحدثنا عنه في مقالات سابقة اللعب بالمرض Playing Sick
في هذا الكتاب يتحدّث عن موضوع التلاعب بالمرض عندما يكون الشخص جزئياً على دراية بأنه يقوم بلعبة ادعّاء المرض.. يتحدّث عن هذا الاضطراب وعن حالات قابلها تُعاني من هذا الاضطراب.
ويكثُر هذا الاضطراب بين العمال الذين يعملون في المصانع الكبيرة وكذلك بين صغار العسكر من جنود وضباط صف، الذين لا يستطيعون تحمّل أعباء العمل ويرغبون في كسب مصالح تتعلّق بعملهم من تخفيف العمل عليهم، مثل إلغاء الحصة الصباحية للتدريب الرياضي أو تغيير أوقات العمل أو أحياناً التقاعد من العمل على أساس طبي، وبذلك يحصل على تقاعد من العمل ويتقاضى مُرتباً جيداً، ويقوم بعد ذلك بالبحث عن عمل آخر يكون خفيفاً لكي يعمل وهو في راحة بدنية ونفسية من ضغوط العمل والإجهاد الذي كان يعُاني منه العامل أو الجندي.
كانت هذه الاضطرابات في السابق تحدث في الحقيقية؛ أي أن الشخص يحضر إلى المستشفى لكي يقوم الطبيب بتشخيصه، وكثيراً ما يحتار الطبيب في تشخيص المريض لكثرة الأعراض وتضاربها، ولكن قد يتوصّل في وقتٍ لاحق إلى أن هذا الشخص هو مُدعيّ مرض وليس مريضاً حقيقياً!.
في كتاب الدكتور فيلدمان، تحدّث عن آخر تطورّات ادعّاء المرض والتي أصبحت عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
ويروي الدكتور فيلدمان، حكايات كثيرة عن أشخاص أدّعوا المرض عن طريق الشبكة العنكبوتية، ويروي قصة لطالب في الخامسة عشرة من عمره، ولسيدة أم لطفلة وقصص آخرى كثيرة لأشخاص ادّعوا المرض لمكاسب شخصية عبر بث قصص خيالية لمجموعة من الأشخاص يُعانون من اضطراب معيّن، يُساعدون بعضهم البعض.
حكاية الشاب كريس:
كريس في الخامسة عشرة من عمره، ادعّى أنه يُعاني من صداع نصفي شديد، وان هذا الصداع يُقلق حياته، ويؤثر على مستقبله ويجعل حياته جحيماً. دخل كريس مع مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون من الصداع النصفي
وتبادل معهم المعلومات حول المرض، وبعد ذلك ادعّى بأنه يعاني من مرض الهيموفيليا ( مرض يُصيب الدم يجعله غير قادر على التخثر، فيستمر النزيف للمريض). بالإضافة إلى ذلك أضاف كريس بأنه يُعاني من الصرع نتيجة ضربات تلقاها من والد زوجته، وبالإضافة إلى ذلك كتب للمجموعة التي يشترك معها بأن شقيقه توفي نتيجة مرض الإيدز. وذكر بأن شقيقه كان طالباً متفوقاً في السنة الرابعة في كلية الطب، ووصف والدته بأنها تُعاني من الصمم وأن زوج والدته مدمن على الكحول. وذكر بأن إهمال عائلته له وعدم اهتمامهم بدراسته يجعله يسير أربعة أميال على الأقدام لكي يصل لأقرب محطة حافلة تُقله إلى المدرسة. إضافةً أخرى ذكرها كريس بأنه يعمل في ملهى ليلي كعازف طبلة، وأن هذا يساعده في الحصول على الأدوية التي تُعالج ألمه!. برغم أن كريس كان يُلقي بمعلوماته بالتدريج إلا أن بعض الأشخاص من المجموعة التي انتمى لها كريس بدأت تشك في المعلومات التي ذكرها كريس في مداخلاته مع المجموعة. قام بعض أفراد المجموعة بتقصي الحقائق عن المعلومات التي ذكرها كريس ولكن وجدوا أن جميع المعلومات كانت مُزيّفة!. كانت جميع الأحداث التي استدر كريس عطف المجموعة بها هي من خياله ومن صنع أفكاره لكي يكسب عطف المجموعة ودعمها ولكن،كما هو دائماً فإن الكذب لا يدوم طويلاً.
سيدة أخرى، ذكرت بأنها أم لطفلة تُعاني من مشاكل صحية عديدة وأن طفلتها تُعاني من اضطراب في الجهاز التنفسي. كان اسم هذه السيدة الذي ذكرته في كتاباتها مع المجموعة هو دارلين. وتعاطفت معها إحدى أفراد المجموعة وأصبحت تُساعدها في مرض ابنتها، لأن هذه السيدة (إيريكا) كانت لها طفلة تُعاني من نفس المرض.
وبعد فترة زمنية قصيرة أعلنت دارلين للمجموعة بأن ابنتها تُوفيت. وبعد أن راجعت إيريكا ما كتبته دارلين عن مرض ابنتها، وجدت أن جميع ما كتبته هو عبارة عن معلومات منقولة من كتب ومقالات ولا تتفق مع معلومات شخص عايش مريضا بهذا المرض. قامت إيريكا بإعلام زملائها عن شكوكها في قصة الطفلة التي تدّعي دارلين بأنها توفيت وأن هذه القصة قد تكون مُلفّقة، ولكن الزملاء تحت التأثير العاطفي لم يأخذوا كلام إيريكا على محمل الجد واتصلوا بالمستشفى الذي كانت تُعالج فيه الطفلة وكذلك عن موعد الجنازة لأنهم يُريدون أن يقوموا بإرسال الورود ولكن تبيّن بأن كل شيء لم يكن حقيقياً وإنما فبركة من شخصٍ لا يعرفون من هو!. واستغّل العاطفة عند مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون من نفس المرض ولم يتّوقع أحد بأن هذه السيدة التي ادّعت بأن لها طفلة تُعاني من المرض الخطير في الجهاز التنفسي كانت مجرّد كاذبة ودعيّة لا أكثر!
هذه الحكايات، هي نتاج للتكنولوجيا الحديثة؛ الشبكة العنكبوتية، فأشخاص كثيرون يدّعون المرض بعضهم بمعرفةٍ تامة بما يفعلون وثمة آخرون على دراية جزئية بما يقومون به من ادعّاء للمرض. في عصر العولمة وتشابك الجميع في التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، فأصبح ادعّاء المرض ينتشر بين أشخاص من قاراتٍ مختلفة، تفرق بين المتواصلين آلاف الأميال، وبعض الأشخاص ينخدع بما يقوله أشخاص آخرون. فكما أن هناك أشخاصا يستغلون الشبكة العنكبوتية في الإيقاع بضحايا احتيال ونصب وسلب بعض الأشخاص من حسني النية أموالاً بطرقٍ ذكية، فكذلك هناك أشخاص يستغلون الشبكة العنكبوتية في كسب تعاطف نفسي وأحياناً مادي من أشخاص أو مجموعات لها علاقة بمرضٍ ما أو يتعاطفون مع أمراض لأطفالٍ يُعانون من أمراضٍ قاتلة مثل السرطان أو غيره من الأمراض.
مع كثرة هذه الادعّاءات الكاذبة التي يقوم بها الآن أشخاص كثيرون، قام بعض الخبراء بتوعية المجتمع بما يكون عليه الشخص الدّعي، الكاذب وكيف تكون طريقة الاحتيال في وصف المرض، حتى وإن كان الشخص الكاذب ومدّعي المرض أو مرض شخص قريب له، وكيف يتم كشفها وفضح هذا الشخص الكاذب حتى لا يتم التعاطف معه نفسياً دون أن يكون هناك بالطبع أي تعاطف أو مساعداتٍ مالية.
ادعّاء المرض والذي يكون على مستوياتٍ عدة، فثمة أحيان يكون ناتجاً من اللاوعي بشكل تام وأحياناً يكون هناك وعي جزئي بهذا الادعّاء وثمة أحيان يكون الادعّاء بوعي تام من قِبل الأشخاص الذين يدّعون المرض، وهذا الأخير يُعتبر مشكلة، حيث ان ادعّاء المرض عن وعيٍ تام بهذا الأمر يكون فيه الشخص يبحث عن مكسب واضح شخصي ؛ غالباً يكون مصلحة شخصية لهذا الشخص ويكون الأمر واضحاً للطبيب بعد فترةٍ وجيزة من دخول الشخص للمستشفى أو مقابلته في العيادة. قد يُصبح الشخص الذي يدّعي المرض بشكل واعٍ عدوانياً قد يؤذي بعض الأشخاص بما في ذلك بعض المعالجين.
تحدثنا عن ادعّاء المرض في المستشفيات والعيادات وكذلك في الشبكة العنكبوتية، والتي أصبحت سهلة بالنسبة للأشخاص الذين يدّعون الأمراض عبر الدخول في مجموعة من الأشخاص يهتمون بمرضٍ معين.
كيف نتعامل مع الأشخاص الذين يدّعون المرض؟
الذين يدعّون المرض بأي شكلٍ من الأشكال هم فئة تبحث عن مكاسب ثانوية، شخصية، مثل التغيّب عن العمل أو مكاسب تعويض مادي أو الحصول على تعاطف من المحيطين به.
عند اكتشاف بأن الشخص يدّعي المرض، يجب معرفة الأسباب التي دعته إلى أن يقوم بهذا الأمر، وهذا يتطّلب أخذ معلوماتٍ دقيقة عن وضعه الاجتماعي والوظيفي والعلاقات بحميع أنواعها للشخص الذي يدعّي المرض، ويجب مُعالجة الشخص من جميع النواحي. يجب أن يشترك فريق العلاج كاملاً في علاج المريض. الاختصاصي الاجتماعي له دور مهم في مثل هذه الحالات، حيث إن دور العوامل الاجتماعية مهم جداً، فالحاجة إلى دعم اجتماعي قد تكون سبباً لادّعاء المرض، وربما الحاجة المادية قد تكون سبباً في ادعّاء المرض. المشاكل النفسية قد تكون سبباً لادعّاء المرض، لذلك تدخّل الاختصاصي النفسي مهم جداً لفهم ما أدى به إلى ادعّاء المرض، كذلك العوامل المتعلقّة بالعمل، حيث كثيراً ما يكون الشخص الذي يدّعي المرض غير سعيد في عمله لذلك يدّعي المرض ويحاول التغيّب عن العمل. المشاكل الزوجية أيضاً قد تكون سبباً في ادعّاء المرض، خاصة عند الزوجات للهرب من الالتزامات الزوجية. قد يكون هناك مشاكل طبية هي السبب في ادعّاء المرض، لذلك دائماً يجب البحث عن الُمسبّب خلف ادعّاء المرض، لأن العلاج هو علاج الأسباب التي أدّت بالشخص إلى ادعّاء المرض. هناك نسبة لا يُستهان بها من الأشخاص الذين يدّعون المرض في مختلف العيادات، ولكن كثيراً ما يحضرون إلى عيادات طب الأسرة والمجتمع، وكذلك في العيادات النفسية، لذلك يحب التعامل مع هؤلاء الأشخاص بجدية تامة، وتسخير كافة المتخصصين لحل مشاكل هؤلاء الأشخاص الذين يُعانون من مشكلة قد تُهدّد مستقبلهم وتجعلهم يستمرون في ادعّاء وفي زيارة العيادات الطبية المختلفة.
المصدر: صحيفة الرياض
فئة تبحث عن مكاسب ثانوية شخصية كالتغيّب عن العمل أو تعويض مادي أو الحصول على تعاطف المحيطين بهم
د. إبراهيم حسن الخضير
ادعّاء المرض، واحد من أقدم الحيل التي يلجأ إليها كثير من الأشخاص لأسبابٍ مُتعددة. فكثيرون يدّعون المرض لكي يتغيّبوا عن العمل وآخرون يدعّون المرض لأسباب مالية بحتة، أي بحثاً عن المال بأي صورةٍ من الصور، وآخرون يدّعون المرض بحثاً عن الانتباه والحنان من المحيطين بهم.
ادعّاء المرض، قد يكون دون وعي الإنسان؛ أي أن الشخص يقوم بادعّاء المرض دون أن يعي ذلك تماماً، وهو ما كان يعُرف بالهستيريا، وغالباً يكون هذا المرض هو أحد أنواع الأمراض العصبية، مثل فقدان الوعي الذي يُشبه الصرع، ولكن يختلف عن الصرع بأن الشخص الذي يدّعي المرض، تحدث له النوبة دائماً في وجود آخرين، وكذلك لا تحدث إصابات في الشخص عند وقوعة، ولا يعض لسانه وكذلك لا يتبوّل على نفسه كما يحدث مع مريض الصرع الحقيقي. دائماً يكون هناك مكاسب ثانوية للشخص الذي يدّعي المرض، مثل أن يحصل على عفو من عمل غير لائق به، أو أن يحصل على مكسب شخصي من عمله، كتخفيف العمل ولكن دون أن يكون شاعراً بذلك بشكل كامل.
ثمة أحياناً يكون الشخص على دراية جزئية بما يفعل من ادعّاء المرض، أي ليس بشكلٍ تام يعلم بما يفعله من ادعّاء للمرض، وغالباً تكون هناك صراعات تدور داخل الشخص الذي يقوم بفعل ادعّاء المرض بشكلٍ جزئي. يُعرف هذا الأمر بأنه Factitious Disorder. وقد تحدث عنه الدكتور فيلدمان Feldman في كتابه الذي تحدثنا عنه في مقالات سابقة اللعب بالمرض Playing Sick
في هذا الكتاب يتحدّث عن موضوع التلاعب بالمرض عندما يكون الشخص جزئياً على دراية بأنه يقوم بلعبة ادعّاء المرض.. يتحدّث عن هذا الاضطراب وعن حالات قابلها تُعاني من هذا الاضطراب.
ويكثُر هذا الاضطراب بين العمال الذين يعملون في المصانع الكبيرة وكذلك بين صغار العسكر من جنود وضباط صف، الذين لا يستطيعون تحمّل أعباء العمل ويرغبون في كسب مصالح تتعلّق بعملهم من تخفيف العمل عليهم، مثل إلغاء الحصة الصباحية للتدريب الرياضي أو تغيير أوقات العمل أو أحياناً التقاعد من العمل على أساس طبي، وبذلك يحصل على تقاعد من العمل ويتقاضى مُرتباً جيداً، ويقوم بعد ذلك بالبحث عن عمل آخر يكون خفيفاً لكي يعمل وهو في راحة بدنية ونفسية من ضغوط العمل والإجهاد الذي كان يعُاني منه العامل أو الجندي.
كانت هذه الاضطرابات في السابق تحدث في الحقيقية؛ أي أن الشخص يحضر إلى المستشفى لكي يقوم الطبيب بتشخيصه، وكثيراً ما يحتار الطبيب في تشخيص المريض لكثرة الأعراض وتضاربها، ولكن قد يتوصّل في وقتٍ لاحق إلى أن هذا الشخص هو مُدعيّ مرض وليس مريضاً حقيقياً!.
في كتاب الدكتور فيلدمان، تحدّث عن آخر تطورّات ادعّاء المرض والتي أصبحت عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
ويروي الدكتور فيلدمان، حكايات كثيرة عن أشخاص أدّعوا المرض عن طريق الشبكة العنكبوتية، ويروي قصة لطالب في الخامسة عشرة من عمره، ولسيدة أم لطفلة وقصص آخرى كثيرة لأشخاص ادّعوا المرض لمكاسب شخصية عبر بث قصص خيالية لمجموعة من الأشخاص يُعانون من اضطراب معيّن، يُساعدون بعضهم البعض.
حكاية الشاب كريس:
كريس في الخامسة عشرة من عمره، ادعّى أنه يُعاني من صداع نصفي شديد، وان هذا الصداع يُقلق حياته، ويؤثر على مستقبله ويجعل حياته جحيماً. دخل كريس مع مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون من الصداع النصفي
وتبادل معهم المعلومات حول المرض، وبعد ذلك ادعّى بأنه يعاني من مرض الهيموفيليا ( مرض يُصيب الدم يجعله غير قادر على التخثر، فيستمر النزيف للمريض). بالإضافة إلى ذلك أضاف كريس بأنه يُعاني من الصرع نتيجة ضربات تلقاها من والد زوجته، وبالإضافة إلى ذلك كتب للمجموعة التي يشترك معها بأن شقيقه توفي نتيجة مرض الإيدز. وذكر بأن شقيقه كان طالباً متفوقاً في السنة الرابعة في كلية الطب، ووصف والدته بأنها تُعاني من الصمم وأن زوج والدته مدمن على الكحول. وذكر بأن إهمال عائلته له وعدم اهتمامهم بدراسته يجعله يسير أربعة أميال على الأقدام لكي يصل لأقرب محطة حافلة تُقله إلى المدرسة. إضافةً أخرى ذكرها كريس بأنه يعمل في ملهى ليلي كعازف طبلة، وأن هذا يساعده في الحصول على الأدوية التي تُعالج ألمه!. برغم أن كريس كان يُلقي بمعلوماته بالتدريج إلا أن بعض الأشخاص من المجموعة التي انتمى لها كريس بدأت تشك في المعلومات التي ذكرها كريس في مداخلاته مع المجموعة. قام بعض أفراد المجموعة بتقصي الحقائق عن المعلومات التي ذكرها كريس ولكن وجدوا أن جميع المعلومات كانت مُزيّفة!. كانت جميع الأحداث التي استدر كريس عطف المجموعة بها هي من خياله ومن صنع أفكاره لكي يكسب عطف المجموعة ودعمها ولكن،كما هو دائماً فإن الكذب لا يدوم طويلاً.
سيدة أخرى، ذكرت بأنها أم لطفلة تُعاني من مشاكل صحية عديدة وأن طفلتها تُعاني من اضطراب في الجهاز التنفسي. كان اسم هذه السيدة الذي ذكرته في كتاباتها مع المجموعة هو دارلين. وتعاطفت معها إحدى أفراد المجموعة وأصبحت تُساعدها في مرض ابنتها، لأن هذه السيدة (إيريكا) كانت لها طفلة تُعاني من نفس المرض.
وبعد فترة زمنية قصيرة أعلنت دارلين للمجموعة بأن ابنتها تُوفيت. وبعد أن راجعت إيريكا ما كتبته دارلين عن مرض ابنتها، وجدت أن جميع ما كتبته هو عبارة عن معلومات منقولة من كتب ومقالات ولا تتفق مع معلومات شخص عايش مريضا بهذا المرض. قامت إيريكا بإعلام زملائها عن شكوكها في قصة الطفلة التي تدّعي دارلين بأنها توفيت وأن هذه القصة قد تكون مُلفّقة، ولكن الزملاء تحت التأثير العاطفي لم يأخذوا كلام إيريكا على محمل الجد واتصلوا بالمستشفى الذي كانت تُعالج فيه الطفلة وكذلك عن موعد الجنازة لأنهم يُريدون أن يقوموا بإرسال الورود ولكن تبيّن بأن كل شيء لم يكن حقيقياً وإنما فبركة من شخصٍ لا يعرفون من هو!. واستغّل العاطفة عند مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون من نفس المرض ولم يتّوقع أحد بأن هذه السيدة التي ادّعت بأن لها طفلة تُعاني من المرض الخطير في الجهاز التنفسي كانت مجرّد كاذبة ودعيّة لا أكثر!
هذه الحكايات، هي نتاج للتكنولوجيا الحديثة؛ الشبكة العنكبوتية، فأشخاص كثيرون يدّعون المرض بعضهم بمعرفةٍ تامة بما يفعلون وثمة آخرون على دراية جزئية بما يقومون به من ادعّاء للمرض. في عصر العولمة وتشابك الجميع في التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، فأصبح ادعّاء المرض ينتشر بين أشخاص من قاراتٍ مختلفة، تفرق بين المتواصلين آلاف الأميال، وبعض الأشخاص ينخدع بما يقوله أشخاص آخرون. فكما أن هناك أشخاصا يستغلون الشبكة العنكبوتية في الإيقاع بضحايا احتيال ونصب وسلب بعض الأشخاص من حسني النية أموالاً بطرقٍ ذكية، فكذلك هناك أشخاص يستغلون الشبكة العنكبوتية في كسب تعاطف نفسي وأحياناً مادي من أشخاص أو مجموعات لها علاقة بمرضٍ ما أو يتعاطفون مع أمراض لأطفالٍ يُعانون من أمراضٍ قاتلة مثل السرطان أو غيره من الأمراض.
مع كثرة هذه الادعّاءات الكاذبة التي يقوم بها الآن أشخاص كثيرون، قام بعض الخبراء بتوعية المجتمع بما يكون عليه الشخص الدّعي، الكاذب وكيف تكون طريقة الاحتيال في وصف المرض، حتى وإن كان الشخص الكاذب ومدّعي المرض أو مرض شخص قريب له، وكيف يتم كشفها وفضح هذا الشخص الكاذب حتى لا يتم التعاطف معه نفسياً دون أن يكون هناك بالطبع أي تعاطف أو مساعداتٍ مالية.
ادعّاء المرض والذي يكون على مستوياتٍ عدة، فثمة أحيان يكون ناتجاً من اللاوعي بشكل تام وأحياناً يكون هناك وعي جزئي بهذا الادعّاء وثمة أحيان يكون الادعّاء بوعي تام من قِبل الأشخاص الذين يدّعون المرض، وهذا الأخير يُعتبر مشكلة، حيث ان ادعّاء المرض عن وعيٍ تام بهذا الأمر يكون فيه الشخص يبحث عن مكسب واضح شخصي ؛ غالباً يكون مصلحة شخصية لهذا الشخص ويكون الأمر واضحاً للطبيب بعد فترةٍ وجيزة من دخول الشخص للمستشفى أو مقابلته في العيادة. قد يُصبح الشخص الذي يدّعي المرض بشكل واعٍ عدوانياً قد يؤذي بعض الأشخاص بما في ذلك بعض المعالجين.
تحدثنا عن ادعّاء المرض في المستشفيات والعيادات وكذلك في الشبكة العنكبوتية، والتي أصبحت سهلة بالنسبة للأشخاص الذين يدّعون الأمراض عبر الدخول في مجموعة من الأشخاص يهتمون بمرضٍ معين.
كيف نتعامل مع الأشخاص الذين يدّعون المرض؟
الذين يدعّون المرض بأي شكلٍ من الأشكال هم فئة تبحث عن مكاسب ثانوية، شخصية، مثل التغيّب عن العمل أو مكاسب تعويض مادي أو الحصول على تعاطف من المحيطين به.
عند اكتشاف بأن الشخص يدّعي المرض، يجب معرفة الأسباب التي دعته إلى أن يقوم بهذا الأمر، وهذا يتطّلب أخذ معلوماتٍ دقيقة عن وضعه الاجتماعي والوظيفي والعلاقات بحميع أنواعها للشخص الذي يدعّي المرض، ويجب مُعالجة الشخص من جميع النواحي. يجب أن يشترك فريق العلاج كاملاً في علاج المريض. الاختصاصي الاجتماعي له دور مهم في مثل هذه الحالات، حيث إن دور العوامل الاجتماعية مهم جداً، فالحاجة إلى دعم اجتماعي قد تكون سبباً لادّعاء المرض، وربما الحاجة المادية قد تكون سبباً في ادعّاء المرض. المشاكل النفسية قد تكون سبباً لادعّاء المرض، لذلك تدخّل الاختصاصي النفسي مهم جداً لفهم ما أدى به إلى ادعّاء المرض، كذلك العوامل المتعلقّة بالعمل، حيث كثيراً ما يكون الشخص الذي يدّعي المرض غير سعيد في عمله لذلك يدّعي المرض ويحاول التغيّب عن العمل. المشاكل الزوجية أيضاً قد تكون سبباً في ادعّاء المرض، خاصة عند الزوجات للهرب من الالتزامات الزوجية. قد يكون هناك مشاكل طبية هي السبب في ادعّاء المرض، لذلك دائماً يجب البحث عن الُمسبّب خلف ادعّاء المرض، لأن العلاج هو علاج الأسباب التي أدّت بالشخص إلى ادعّاء المرض. هناك نسبة لا يُستهان بها من الأشخاص الذين يدّعون المرض في مختلف العيادات، ولكن كثيراً ما يحضرون إلى عيادات طب الأسرة والمجتمع، وكذلك في العيادات النفسية، لذلك يحب التعامل مع هؤلاء الأشخاص بجدية تامة، وتسخير كافة المتخصصين لحل مشاكل هؤلاء الأشخاص الذين يُعانون من مشكلة قد تُهدّد مستقبلهم وتجعلهم يستمرون في ادعّاء وفي زيارة العيادات الطبية المختلفة.
المصدر: صحيفة الرياض