تسقط الشاحنات!
تسقط الشاحنات!
خلف الحربي
عاد فهد الخزام من عمله في الرابعة والنصف عصرا على طريق مكة-جدة السريع ليعلق في عنق الزجاجة اليومي (بين كوبري الخط القديم وكوبري الجامعة) والحق أنه لم يعلق بمعنى توقف بل تورط في سباق الشاحنات الخطير الذي يجعل من سيارته ريشة في مهب الريح في طريق معقد تتخلله الكثير من الوقفات والانطلاقات البطيئة، مسافة عنق الزجاجة تمتد 2 كم وقد تحولت مع مرور الأيام إلى فرصة للتأمل وإعادة قراءة الواقع اليومي، حيث يكتظ الطريق بالشاحنات التي (تسقط) عليه بدلا من أن (يسقط) عليها!
تخيل موقفك في هذا العالم المتحضر وأنت تعود من عملك منهكا جائعا ناقما على مديرك لتجد نفسك وسط طوفان من شاحنات الغاز والبنزين والماء والطابوق والمواشي يقودها سائقون متهورون يعرفون أن دورية المرور لا تظهر إلا في شاشة التلفزيون؟! بالتأكيد سوف تتعالى على تعبك وجوعك وأحقادك الصغيرة وتنحني للأمر الواقع (كما تفعل دائما) وتمنح الشاحنات فرصة أن تعبر عن نفسها بكل حرية خصوصا أنها تمثل الأغلبية!
ولأن الناس يقولون منذ القدم «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» فإن خبرة الأخ فهد في التعايش مع الشاحنات بمختلف أنواعها وأحجامها تفوق خبرة كل الوزراء والمستشارين والمهندسين والعمال الذي صنعوا عنق الزجاجة هذا في مختلف المدن الكبرى فقد اعتمدناه مراسلا موثوقا في موقع الحدث، ومراسلنا يؤكد أن اللحظة الأصعب في عنق الزجاجة تبدأ بعد أن يستوعب سائقو السيارات الصغيرة طوفان الشاحنات القادمة من طريق مكة القديم فيداهمهم على حين غرة طوفان الشاحنات القادمة من تقاطع قويزة رافعة شعار: البقاء للأقوى!
في هذه اللحظة التاريخية بالذات طرح فهد على نفسه أو على كاتب هذه السطور أو على المسؤولين أسئلة وجودية لا يمكن تجاوزها بسهولة ولكن ما قيمة الأسئلة دون إجوبة؟ يقول فهد في رسالته إنه لاحظ في ذروة عنق الزجاجة أن الشاحنات كانت تسير بكل ثقة في المسارات الثلاثة بالإضافة إلى مسار ما بعد الخط الأصفر، وأن كل شاحنة كان يقودها سائق لا يتردد في التنقل السريع بين المسارات بكل رشاقة وكأنه يقود سيارة صغيرة! وقد أجرى إحصائية سريعة في أعمق أعماق عنق الزجاجة فوجد نفسه بين 6 شاحنات غاز و3 شاحنات بنزين وعدد لا بأس به من الشاحنات مختلفة الأحجام والأغراض وهذا يعني ببساطة أنه أصبح يعيش حياة قابلة للاشتعال.
فهد مثلي ومثلكم يبحث عن دورية المرور كي توقف هذه المهزلة التي لا تخص جدة وحدها بل تشمل جميع المدن حيث لا يقيم سائقو الشاحنات وزنا لنظام المرور ويضربون عرض الحائط بالمواعيد التي تحدد لهم، ونحن لسنا بعيدين عن كارثة انفجار الغاز في الرياض التي راح ضحيتها مواطنون أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا إلى أعمالهم في مدينة عملاقة بنيتها التحتية (مضروبة) ونظام السير فيها لا يضبطه رجال المرور بل تحكمه العادات والتقاليد!
فهد يطلب مني أن أذكركم كرة أخرى بخطورة هذا الوضع اليومي العجيب وأنا أرى بأنه إذا لم يسدل الستار على هذه الفوضى المرورية الخلاقة فالحل هو أن يشتري كل واحد منا (سيكس ويل) ويذهب إلى الدوام بكل ثقة!
صحيفة عكاظ
خلف الحربي
عاد فهد الخزام من عمله في الرابعة والنصف عصرا على طريق مكة-جدة السريع ليعلق في عنق الزجاجة اليومي (بين كوبري الخط القديم وكوبري الجامعة) والحق أنه لم يعلق بمعنى توقف بل تورط في سباق الشاحنات الخطير الذي يجعل من سيارته ريشة في مهب الريح في طريق معقد تتخلله الكثير من الوقفات والانطلاقات البطيئة، مسافة عنق الزجاجة تمتد 2 كم وقد تحولت مع مرور الأيام إلى فرصة للتأمل وإعادة قراءة الواقع اليومي، حيث يكتظ الطريق بالشاحنات التي (تسقط) عليه بدلا من أن (يسقط) عليها!
تخيل موقفك في هذا العالم المتحضر وأنت تعود من عملك منهكا جائعا ناقما على مديرك لتجد نفسك وسط طوفان من شاحنات الغاز والبنزين والماء والطابوق والمواشي يقودها سائقون متهورون يعرفون أن دورية المرور لا تظهر إلا في شاشة التلفزيون؟! بالتأكيد سوف تتعالى على تعبك وجوعك وأحقادك الصغيرة وتنحني للأمر الواقع (كما تفعل دائما) وتمنح الشاحنات فرصة أن تعبر عن نفسها بكل حرية خصوصا أنها تمثل الأغلبية!
ولأن الناس يقولون منذ القدم «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» فإن خبرة الأخ فهد في التعايش مع الشاحنات بمختلف أنواعها وأحجامها تفوق خبرة كل الوزراء والمستشارين والمهندسين والعمال الذي صنعوا عنق الزجاجة هذا في مختلف المدن الكبرى فقد اعتمدناه مراسلا موثوقا في موقع الحدث، ومراسلنا يؤكد أن اللحظة الأصعب في عنق الزجاجة تبدأ بعد أن يستوعب سائقو السيارات الصغيرة طوفان الشاحنات القادمة من طريق مكة القديم فيداهمهم على حين غرة طوفان الشاحنات القادمة من تقاطع قويزة رافعة شعار: البقاء للأقوى!
في هذه اللحظة التاريخية بالذات طرح فهد على نفسه أو على كاتب هذه السطور أو على المسؤولين أسئلة وجودية لا يمكن تجاوزها بسهولة ولكن ما قيمة الأسئلة دون إجوبة؟ يقول فهد في رسالته إنه لاحظ في ذروة عنق الزجاجة أن الشاحنات كانت تسير بكل ثقة في المسارات الثلاثة بالإضافة إلى مسار ما بعد الخط الأصفر، وأن كل شاحنة كان يقودها سائق لا يتردد في التنقل السريع بين المسارات بكل رشاقة وكأنه يقود سيارة صغيرة! وقد أجرى إحصائية سريعة في أعمق أعماق عنق الزجاجة فوجد نفسه بين 6 شاحنات غاز و3 شاحنات بنزين وعدد لا بأس به من الشاحنات مختلفة الأحجام والأغراض وهذا يعني ببساطة أنه أصبح يعيش حياة قابلة للاشتعال.
فهد مثلي ومثلكم يبحث عن دورية المرور كي توقف هذه المهزلة التي لا تخص جدة وحدها بل تشمل جميع المدن حيث لا يقيم سائقو الشاحنات وزنا لنظام المرور ويضربون عرض الحائط بالمواعيد التي تحدد لهم، ونحن لسنا بعيدين عن كارثة انفجار الغاز في الرياض التي راح ضحيتها مواطنون أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا إلى أعمالهم في مدينة عملاقة بنيتها التحتية (مضروبة) ونظام السير فيها لا يضبطه رجال المرور بل تحكمه العادات والتقاليد!
فهد يطلب مني أن أذكركم كرة أخرى بخطورة هذا الوضع اليومي العجيب وأنا أرى بأنه إذا لم يسدل الستار على هذه الفوضى المرورية الخلاقة فالحل هو أن يشتري كل واحد منا (سيكس ويل) ويذهب إلى الدوام بكل ثقة!
صحيفة عكاظ