الإنسان العربي .. والعيد الحزين؟
الإنسان العربي .. والعيد الحزين؟
د. أحلام محمد علاقي
ربما لو عاش المتنبي إلى اليوم لدهش ــ ولا أعرف إن كانت ستكون دهشة فرح أو حزن ــ بأن العرب ما زالوا إلى اليوم يرددون شعره الشهير عن العيد في كل عيد وبدون استثناء حتى باتت القصيدة تذكرنا بما يدعوه أهل الأدب «الكليشيه» أو «الستيريوتايب»، أو الشيء الذي ذاع استخدامه وكأنه مطبوع ومنسوخ ومكرر ــ ولكنه في هذه الحالة لم يفقد أبدا قوته ووقعه ــ فمن منا لم يردد ولو بينه وبين نفسه كل عيد:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد
وإن كان المتنبي قد قاله يوم نفي وتشرد وهام في الصحراء هربا من كافور الإخشيدي، فإن العرب ما زالوا إلى اليوم في حالة حزن شبه مستمرة، فحزنهم أكثر من فرحهم إجمالا.
فنحن حزينون بالفطرة كما يبدو. أنشد أجدادنا القصائد في البكاء على الأطلال، وكان امرؤ القيس أول من وقف فاستوقف وبكى فاستبكى، ولكن ما زلنا إلى اليوم في حالة بكاء وعويل. فبين أوضاعنا التي لا تخفى على إنسان وإخواننا الباكين والمستبكين في سوريا ومصر وفلسطين وغيرها من القائمة الطويلة ــ نحيا في كهف حزن مستمر.
وطبعا، بما أن الأدب والفن هما مرآة الشعوب ــ فنتاجنا منها يعكس ما يراه ــ أرى صديقاتي يتابعن المسلسلات الخليجية التي يندر أن تكون كوميدية ــ بل إن فيها جرعة من النكد والعويل تكفي لحياة كاملة ــ فيبكين وينتحبن وكأن الحياة ليس فيها ما يكفي من الحزن. نغير القنوات لنشاهد الأخبار، وهنا يكون الحزن الحقيقي الذي يطارد الإنسان بصوره المعذبة للضمير الإنساني.
نخرج إلى الشارع لنرى عدم احترام المرور أو النظافة أو الطابور أو الآخرين أو المسنين أو المرضى أو ذوي الحاجات الخاصة ونحزن. نسمع عن قصص عقوق الوالدين وإهمال الأطفال من قبل ذويهم وتعنيف الأطفال والنساء ونحزن. نرى كيف ينهش الإنسان أخاه الإنسان كأفظع ما يكون حينما تتحين له أقرب فرصه ونحزن. نرى النفاق والتكبر والجهل والغرور واللصوصية بأنواعها ونحزن.
ولكن ليس كل الحزن سيئا. أحيانا نحتاج هزة نفسية لنفيق. وأحيانا تأتي لحظة معينة تفيق الإنسان من غفلة طويلة ــ فيدخل في سحابة حزن ربما تكون نتائجها صحية بالنسبة له أو لغيره. أحيانا تتسبب في حالة الإفاقة هذه كلمة ــ أو موقف ــ أو صورة ــ أو رسالة أو لفتة أو أي وسيلة تجعلنا نرى الدنيا كما هي ــ تنزع القناع فجأة ــ بقسوة وبلا سابق إنذار ــ فنرى الحقائق المجردة بأم أعيننا.
أحيانا يكون الحزن طريقا للفرح وللتحرر. أحيانا يكون الحزن وسيلة لتطهير الروح ولكسر العبودية النفسية والمعنوية.
احزنوا أصدقائي إن أردتم ــ احزنوا قليلا ــ فربما قليل من الحزن ينجي.
عكاظ
د. أحلام محمد علاقي
ربما لو عاش المتنبي إلى اليوم لدهش ــ ولا أعرف إن كانت ستكون دهشة فرح أو حزن ــ بأن العرب ما زالوا إلى اليوم يرددون شعره الشهير عن العيد في كل عيد وبدون استثناء حتى باتت القصيدة تذكرنا بما يدعوه أهل الأدب «الكليشيه» أو «الستيريوتايب»، أو الشيء الذي ذاع استخدامه وكأنه مطبوع ومنسوخ ومكرر ــ ولكنه في هذه الحالة لم يفقد أبدا قوته ووقعه ــ فمن منا لم يردد ولو بينه وبين نفسه كل عيد:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد
وإن كان المتنبي قد قاله يوم نفي وتشرد وهام في الصحراء هربا من كافور الإخشيدي، فإن العرب ما زالوا إلى اليوم في حالة حزن شبه مستمرة، فحزنهم أكثر من فرحهم إجمالا.
فنحن حزينون بالفطرة كما يبدو. أنشد أجدادنا القصائد في البكاء على الأطلال، وكان امرؤ القيس أول من وقف فاستوقف وبكى فاستبكى، ولكن ما زلنا إلى اليوم في حالة بكاء وعويل. فبين أوضاعنا التي لا تخفى على إنسان وإخواننا الباكين والمستبكين في سوريا ومصر وفلسطين وغيرها من القائمة الطويلة ــ نحيا في كهف حزن مستمر.
وطبعا، بما أن الأدب والفن هما مرآة الشعوب ــ فنتاجنا منها يعكس ما يراه ــ أرى صديقاتي يتابعن المسلسلات الخليجية التي يندر أن تكون كوميدية ــ بل إن فيها جرعة من النكد والعويل تكفي لحياة كاملة ــ فيبكين وينتحبن وكأن الحياة ليس فيها ما يكفي من الحزن. نغير القنوات لنشاهد الأخبار، وهنا يكون الحزن الحقيقي الذي يطارد الإنسان بصوره المعذبة للضمير الإنساني.
نخرج إلى الشارع لنرى عدم احترام المرور أو النظافة أو الطابور أو الآخرين أو المسنين أو المرضى أو ذوي الحاجات الخاصة ونحزن. نسمع عن قصص عقوق الوالدين وإهمال الأطفال من قبل ذويهم وتعنيف الأطفال والنساء ونحزن. نرى كيف ينهش الإنسان أخاه الإنسان كأفظع ما يكون حينما تتحين له أقرب فرصه ونحزن. نرى النفاق والتكبر والجهل والغرور واللصوصية بأنواعها ونحزن.
ولكن ليس كل الحزن سيئا. أحيانا نحتاج هزة نفسية لنفيق. وأحيانا تأتي لحظة معينة تفيق الإنسان من غفلة طويلة ــ فيدخل في سحابة حزن ربما تكون نتائجها صحية بالنسبة له أو لغيره. أحيانا تتسبب في حالة الإفاقة هذه كلمة ــ أو موقف ــ أو صورة ــ أو رسالة أو لفتة أو أي وسيلة تجعلنا نرى الدنيا كما هي ــ تنزع القناع فجأة ــ بقسوة وبلا سابق إنذار ــ فنرى الحقائق المجردة بأم أعيننا.
أحيانا يكون الحزن طريقا للفرح وللتحرر. أحيانا يكون الحزن وسيلة لتطهير الروح ولكسر العبودية النفسية والمعنوية.
احزنوا أصدقائي إن أردتم ــ احزنوا قليلا ــ فربما قليل من الحزن ينجي.
عكاظ