• ×
admin

جـمال الوطـن .. الهـدف الأسمى

جـمال الوطـن .. الهـدف الأسمى

غازي عبداللطيف جمجوم

حـب الجمال صفة إنسانية غريـبة تحكم كثيرا من سلوكنا وأمور حياتنا. قد لا يجد لها البعض تفسيرا علميا مبنيا على المنفعة الذاتية، ولكني أرجعها إلى الهبات الكثيرة التي وهبها الخالق القادر لصفوة خلقه، آدم، وهي مشتقة من صفاته عز وجل فهو سبحانه جميل يحب الجمال. انظـر إلى الكثير من سلوكياتنا ترى الدافـع وراءها السعي وراء الجمال. ينفق الإنسان كثيرا من وقته وماله في بناء مسكن جميل ويزينه بكل أنواع الزخارف والطلاء ثم يملؤه بالكماليات التي قد لا تكون لها فوائد عملية تذكر. يحيطه بحديقة غناء تمتلئ بالأزهار والورود التي لا تلعب أي دور في سد رمقه من جوع ولكنها ترفـع معنوياته وتمنحه المتعة والانشراح. يسعى إلى الاقتران بالزوجة الجميلة ، شكلا وأخلاقا لتضفي على حياته البهجة والسعادة. يقضي الساعات الطويلة كل يوم في تزيـين مظهـره بالنظافة وكافة وسائل التجميل وبالعطور الباهظة الثمن ثم بارتداء أجمل الملابس التي يستطيـع اقتناءها. يقود أفخر أنواع السيارات إن أمكنه ذلك ويربي الطيور والخيول والحيوانات الجميلة والنادرة. يكتب الشعر ويحفظه ويلحنه ويغنيه ويسمع الموسيقى والألحان ليطرب على وقعها. يرسم اللوحات الملونة البهية ويدفـع في جمـع التحف والأعمال الفنية أغلى الأثمان. يطالـع الصحف والمجلات المزينة بصور الجميلات. يسافر لقضاء إجازته في أجمل المصايـف والمنتجعات. ينطبق هذا الكلام على كافة البشر ذكورا وإناثا، ولكن النساء بطبـعـهـن يصرفـن جزءا أكبر من حياتهن في السعي وراء الجمال في أنفسهن وبيوتهن وأطفالهن ومجتمعاتهن. ذلك هو الإنسان في حياته الخاصة. فماذا عنه في مجتمعه الأوسع المحيط به وماذا عنه في مجتمعه الأكبر، الوطن؟ هنا، في اعتقادي، قد تتغلب عند بعض الناس صفة الأنانية فلا يهتمون بما حولهم بما يكفي معتقدين أن دورهم ينحصر في أنفسهم أو أفراد أسرهم ، أما بالنسبة للمجتمـع والوطن فهذا قد يكون، في رأيهـم، مسؤولية الآخرين، وخاصة الجهات الحكومية والرسمية. لهؤلاء أقول: إن جمال الوطن واجب ومسؤولية كل منا مهما صغر حجمه أو تضاءلت إمكانياته. وإن جمال الوطن ينعكس أولا وأخيرا على جمال حياة كل مواطن. كيف يكون جمال الوطن؟ تأتي البيئة في المقام الأول. الهواء النقي جميل بينما الهواء الملوث بالدخان قبيح. السواحل والجبال والسهول والوديان والصحارى والغابات والبراري جميلة إذا كانت نظيفة وخالية من النفايات والمخلفات. كذلك المدن والشوارع تكون جميلة إذا كانت منظمة وهادئة ونظيفة ومزينة بالحدائق والساحات والمعالم الجمالية وتكون مزعجة إذا كانت مسرحا للفوضى والقذارة والصخب والدمار. لا يقتصر الجمال على الأمور المادية بل إن الأمور المعنوية تلعب أدوارا معادلة إن لم تكن أكبر. فالمدن والشوارع تكون جميلة إذا كانت آمنة وتكون قبيحة إذا طغى عليها الشعور بالخوف وعدم الطمأنينة. والوطن يكون جميلا إذا عمه السلام ويكون قبيحا إذا أصابته الحروب والنزاعات والبطش والانتقام. يكون جميلا عندما يسوده التوافق والوئام ويخلو من البغض ومن التعصب والانقسام . يكون جميلا عندما يسوده الانفتاح على الآخريـن واحتوائهم وعندما ينعم بالحرية واحترام الآراء المخالفة. عندما تسود الألفة والترابط بين أفـراده والمودة والتواصل بين الحكام والرعية. عندما يسوده العدل والحق والإنصاف. يكون جميلا عندما تسوده المعرفة والعلم ويكون قبيحا حين يلفه الجهـل وانغلاق الفكر. يكون جميلا إذا سادته روح التكافل والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية. ويكون قبيحا إذا سادته الأنانية والفساد. وطننا حباه الله المنعم الكريم بالكثير من مقومات الجمال إن لم يكن أغلبها ، وبالخـيرات العظام التي تمكننا من استيفاء الباقي أو أكثره .. والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة صادقة من كل منا هو: هل بذلت في تجمـيل وطنك جزءا ، ولو يسيرا، مما تبذله في تجميل مسكنك ومظهـرك وحياتك الشخصية ورفاهيتك؟ .. في عـيدك البهـيج أعاهدك يا وطني أن أعمل كل ما في وسعي لجعلك أجمل .. وأتمنى أن أراك كل يوم أجمل .. وأجمل.

عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1339