• ×
admin

كرامة ومهانة!

كرامة ومهانة!

محمد أحمد الحساني

في لاميته التي سماها النقاد الأوائل باسم «لامية العرب» عبر الشاعر الشنفرى عن أعلى درجات الاعتزاز بالنفس والشعور بقيمة الكرامة عندما قال:
أديم مطال الجوع حتى أميته
وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له
عليّ من الطول امرؤ متطول
وحسب علمي وما قرأته من شعر لمئات الشعراء فإنه لم يمر عليّ مثل هذين البيتين في تصويرهما لعلو الهمة وعزة الكرامة لدى الإنسان الذي لا يحني رأسه لأحد، مهما بلغت به الطاقة وشدة الجوع، ولكنه يظل يقاوم عضة جوعه بمطاله ليل نهار حتى يقتله فلا يعود يشعر به، ويتناساه حتى يغشى عليه منه، وأنه مستعد لأن «يسف» التراب سفا، حتى لا يمد يده لإنسان آخر فيصبح من مد يده إليه متطولا عليه بالفضل فيا لها من عزة وقوة وكرامة حملها قلب ذلك الأعرابي ونسجها شعرا خالدا مازال يردد وينشر منذ ما يزيد على ألف عام!
وصدق الشاعر المتنبي الذي قال ذات يوم:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
أما العجب العجاب فهو أن تتدنى النفوس وتصغر سعيا وراء كسب مادي أو معنوي رخيص يظنون أنهم سوف يحصلون عليه من التزلف لمن يعتقدون أن قربهم منهم سوف يضيف لهم سمعة أو مكانة أو يحقق لهم فائدة، فتراهم في تلك المواقع مثل «قرود الهدا» يقفزون من طاولة لأخرى ومن موقع لآخر متقمصين دور الأراجوزات ساعين بخفة وحماقة إلى كسب قلوب من يرون أنهم قادرون على جلب النفع لهم، وما علموا أن النافع والضار هو الله، وأن الغني هو الذي يستغني عما في أيدي الناس، أما الذي تظل عيناه تدوران حول ما في أيديهم فإنه يظل يشعر بالفقر حتى لو امتلك الملايين فأين كرامة وقامة شاعر مثل الشنفرى وما نسجه من تصوير للهمة العالية من هؤلاء الذين يبذلون كراماتهم مقابل ثمن رخيص وأحيانا بلا ثمن..
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
إنهم فعلا «موتى» ولذلك فإنهم لا يشعرون ولا يتألمون!!

عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1505