زراعـة الكـبد .. بـين الوالـدين والأبـناء
زراعـة الكـبد .. بـين الوالـدين والأبـناء
غازي عبداللطيف جمجوم
من كان يتخيل أن يتحول البيت الشهـير للشاعر حطان بن المعلى:
(وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض)
بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلى واقـع تـتجسد فيه الرابطة الوجدانية الأبدية بين الوالدين والأبناء في صورة مشاركة فعلية في أحد أهم أعضاء الجسم وأكبرها، وهو الكبد، بحيث يعطي أحد الوالدين جزءا من كبده إلى ابنه أو ابنته أو يعطي الابن أو البنت جزءا من كبدهما إلى أحد والديهما ؟.. طبعا الأمر لا يقتصر على الكبد ولكن يشمل أعضاء أخرى مهمة، مثل الكلى، لم ترتبط تراثيا عند العرب ، مثل الكبد ، بالشعور والإحساس. ومع أن اعتبار العرب القدامى الكبد مركز العاطفة لا يبدو صحيحا اليوم ، إلا أن تأثـيرات الكبد على الكثير من العمليات الحيوية في الجسم لا شك تـبرر الأهمية الكبرى لهذا العضو الذي يؤدي مرضه إلى تردي الحالة العامة البدنية والنفسية للجسم وفقدانه الشعور بالصحة والعافية. أكتب هذه الأسطـر وفكري يجول مع صديق عزيـز يستعد لإجراء عملية زراعة كبد بنقل جزء من كبد أحد أبنائه إليه.
الكبد يتحكم في أكثر من 500 عملية كيميائية في الجسم ويلعب أدوارا رئيسة في عمليات الأيض وتخزين الطاقة وتخليص الجسم من السموم وصناعة عوامل تخـثر الدم وبعض البروتينات الهامة وصناعة الكولسترول الذي يدخل في تركيب كـثير من الهرمونات. الأمـراض التي تؤدي إلى فشل الكبد كثيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي المزمن وتشمـع أو تليـف الكبد وسرطان الكبد و التهاب الكبد المناعي والفشل الناتـج عن سموم مختلـفـة أو الكحول إضافة إلى عدة أمراض استقلابية وراثية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى زراعة، أي نقل، الكبد. عمليات زراعة الكبد تأخرت بسبب متطلباتها الفنية الجراحية والتقنية الأصعب مقارنة بعمليات نقل الكلى، ولكنها أصبحت الآن شائعة بحيث إنه تجرى منها سنويا أكثر من 6000 عملية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، نسبة لا بأس بها من هذه العمليات من متبرعين أحياء. في المملكة العربية السعودية تـم إجراء أكثر من 250 حالة زراعة كبد منذ عام 2001م . ووفق إحصائيات المركز السعودي للتبرع بالأعضاء يـتم التبرع بجزء من الكبد من الأقارب في 150 حالة سنويا في المملكة العربية السعودية مقارنة بـ 550 حالة تبرع بالكلى من الأحياء الأقارب. المدهش في الكبد أنه بعد قص جزء منه يعود إلى النمو معوضا ما فقد منه إلى أن يرجع إلى حجمه الأصلي عند المتبرع بعد حوالى ثلاثة أشهـر فقط مع استعادة كامل عمله الطبيعي. التوافق النسيجي بين الوالدين والأبناء أكثر منه بكثير مع الأشخاص الذين ليس بينهـم وبين المريض صلة قربى ولذا يكون التبرع عادة من هؤلاء الأقارب. يعود تاريخ بداية زراعة الكبد بنجاح إلى عام 1983م أي بعد ثلاثين سنة من أول عملية نقل كلية ناجحة بين توأمين متطابقين في 1954م وقد تعـثرت زراعة الكبد خلال الستينات والسبعينات الميلادية إلى أن حصل تقدم في استعمال العقارات المثبطة للجهاز المناعي مثل سايكلوسبورين وتاكروليماس التي تقلل من احتمال رفض العضو المزروع. وبدلا من اللجوء إلى زراعة الكبد فقط كحـل أخـير بعد استنفاد كافة الحلول الأخرى مثـل ما كان عليه الوضع في السابق أصبح الآن يلجأ إليها أكثر وأكثر كأحد الحلول الأساسية في عـلاج أمراض فشل الكبد ، وأصبحت تجرى الآن حتى مع وجود عوامل كانت تمنع استخدامها سابقا مثـل التهاب الكبد (ب) أو كبر السن أو سرطان الكبد أو الإدمان. ورغم تكلفة عمليات زراعة الكبد المرتفعة إلا أنها لا تختلف كثيرا عن تكاليف التنويـم المتكرر بالمستشفى الذي يتطلبه علاج تليف الكبد .. في المستقبل قد يتـمكن العلماء من زراعة الخلايـا الجذعية لتعويـض فشل الكبد، وقد تحقق تقدما ملموسا في هذا المجال ، أو من تطويـر كبد صناعي أو نقل أعضاء من حيوانات معدلة وراثيا بحيث يغني ذلك عن الحاجة إلى متبرعين ، ولكن تبقى هذه التطورات بعيدة عن التطبيق الفعلي في الوقت الحالي. مع دعائي أن يمن اللـه العلي القديـر على الصديق العزيـز وكافة مرضى الكبد بالشفاء السريـع ودوام العافية وأن يثيب أبناءه أجزل الثواب على برهم بوالدهم، وكذلك كافة المتبرعين بالأعضاء على عملهـم الحيوي النبيل.
عكاظ
غازي عبداللطيف جمجوم
من كان يتخيل أن يتحول البيت الشهـير للشاعر حطان بن المعلى:
(وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض)
بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلى واقـع تـتجسد فيه الرابطة الوجدانية الأبدية بين الوالدين والأبناء في صورة مشاركة فعلية في أحد أهم أعضاء الجسم وأكبرها، وهو الكبد، بحيث يعطي أحد الوالدين جزءا من كبده إلى ابنه أو ابنته أو يعطي الابن أو البنت جزءا من كبدهما إلى أحد والديهما ؟.. طبعا الأمر لا يقتصر على الكبد ولكن يشمل أعضاء أخرى مهمة، مثل الكلى، لم ترتبط تراثيا عند العرب ، مثل الكبد ، بالشعور والإحساس. ومع أن اعتبار العرب القدامى الكبد مركز العاطفة لا يبدو صحيحا اليوم ، إلا أن تأثـيرات الكبد على الكثير من العمليات الحيوية في الجسم لا شك تـبرر الأهمية الكبرى لهذا العضو الذي يؤدي مرضه إلى تردي الحالة العامة البدنية والنفسية للجسم وفقدانه الشعور بالصحة والعافية. أكتب هذه الأسطـر وفكري يجول مع صديق عزيـز يستعد لإجراء عملية زراعة كبد بنقل جزء من كبد أحد أبنائه إليه.
الكبد يتحكم في أكثر من 500 عملية كيميائية في الجسم ويلعب أدوارا رئيسة في عمليات الأيض وتخزين الطاقة وتخليص الجسم من السموم وصناعة عوامل تخـثر الدم وبعض البروتينات الهامة وصناعة الكولسترول الذي يدخل في تركيب كـثير من الهرمونات. الأمـراض التي تؤدي إلى فشل الكبد كثيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي المزمن وتشمـع أو تليـف الكبد وسرطان الكبد و التهاب الكبد المناعي والفشل الناتـج عن سموم مختلـفـة أو الكحول إضافة إلى عدة أمراض استقلابية وراثية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى زراعة، أي نقل، الكبد. عمليات زراعة الكبد تأخرت بسبب متطلباتها الفنية الجراحية والتقنية الأصعب مقارنة بعمليات نقل الكلى، ولكنها أصبحت الآن شائعة بحيث إنه تجرى منها سنويا أكثر من 6000 عملية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، نسبة لا بأس بها من هذه العمليات من متبرعين أحياء. في المملكة العربية السعودية تـم إجراء أكثر من 250 حالة زراعة كبد منذ عام 2001م . ووفق إحصائيات المركز السعودي للتبرع بالأعضاء يـتم التبرع بجزء من الكبد من الأقارب في 150 حالة سنويا في المملكة العربية السعودية مقارنة بـ 550 حالة تبرع بالكلى من الأحياء الأقارب. المدهش في الكبد أنه بعد قص جزء منه يعود إلى النمو معوضا ما فقد منه إلى أن يرجع إلى حجمه الأصلي عند المتبرع بعد حوالى ثلاثة أشهـر فقط مع استعادة كامل عمله الطبيعي. التوافق النسيجي بين الوالدين والأبناء أكثر منه بكثير مع الأشخاص الذين ليس بينهـم وبين المريض صلة قربى ولذا يكون التبرع عادة من هؤلاء الأقارب. يعود تاريخ بداية زراعة الكبد بنجاح إلى عام 1983م أي بعد ثلاثين سنة من أول عملية نقل كلية ناجحة بين توأمين متطابقين في 1954م وقد تعـثرت زراعة الكبد خلال الستينات والسبعينات الميلادية إلى أن حصل تقدم في استعمال العقارات المثبطة للجهاز المناعي مثل سايكلوسبورين وتاكروليماس التي تقلل من احتمال رفض العضو المزروع. وبدلا من اللجوء إلى زراعة الكبد فقط كحـل أخـير بعد استنفاد كافة الحلول الأخرى مثـل ما كان عليه الوضع في السابق أصبح الآن يلجأ إليها أكثر وأكثر كأحد الحلول الأساسية في عـلاج أمراض فشل الكبد ، وأصبحت تجرى الآن حتى مع وجود عوامل كانت تمنع استخدامها سابقا مثـل التهاب الكبد (ب) أو كبر السن أو سرطان الكبد أو الإدمان. ورغم تكلفة عمليات زراعة الكبد المرتفعة إلا أنها لا تختلف كثيرا عن تكاليف التنويـم المتكرر بالمستشفى الذي يتطلبه علاج تليف الكبد .. في المستقبل قد يتـمكن العلماء من زراعة الخلايـا الجذعية لتعويـض فشل الكبد، وقد تحقق تقدما ملموسا في هذا المجال ، أو من تطويـر كبد صناعي أو نقل أعضاء من حيوانات معدلة وراثيا بحيث يغني ذلك عن الحاجة إلى متبرعين ، ولكن تبقى هذه التطورات بعيدة عن التطبيق الفعلي في الوقت الحالي. مع دعائي أن يمن اللـه العلي القديـر على الصديق العزيـز وكافة مرضى الكبد بالشفاء السريـع ودوام العافية وأن يثيب أبناءه أجزل الثواب على برهم بوالدهم، وكذلك كافة المتبرعين بالأعضاء على عملهـم الحيوي النبيل.
عكاظ