• ×
admin

القدم السكرية..

القدم السكرية.. التنبه للعلامات المسبقة يبطئ وتيرة تقدمها ويمنع مضاعفاتها
لا تظهر بشكل مفاجئ بل من خلال مسار متواصل

د. أحمد الزبيدي

دخل عليّ ابني محمد ملهوفاً وقد أحاطت به غيمة سوداء كثيفة تبرق حزناً وألماً على أبي صاحبه عبدالرحمن الذي تغيب عن المدرسة أسبوعاً لأن أباه الذي كان يوصله الى المدرسة دخل المستشفى بسبب قدمه السكرية. مما أجبر عبدالرحمن على الجلوس في المنزل إلى أن تتوفر لديه المواصلات التي مكنته من الرجوع لصف الدراسة. اقترب عبدالرحمن من أذن محمد بحشرجة في صوته ودمعة في مقلتيه وهمس في أذن صاحبه إن الأطباء قرروا بتر رجل والده وأغرورقت عيناه. سألني محمد بنوع من الحيرة عن السكر والقدم السكرية وهل سوف يبترون قدم أبي صاحبه عبدالرحمن؟. وكيف سوف يمشي؟ وهل سيكون قادرا على قيادة السيارة مرة أخرى؟ هل كلنا سنصاب بهذا المرض وسوف تقطع أرجلنا؟. وهل جدي (جد إبني) المصاب بهذا الداء سيحصل له ما حصل لوالد زميله عبدالرحمن؟.. وغيرها الكثير من الأسئلة.

من منا لا يعرف قريب أو صديق أو زميل مصاب بداء السكري، وممن منا لم يسمع أن أبو فلان أو أم فلانة لدي (ه) قدم سكرية وأن الأطباء أوشكوا على بترها، إن لم يكونوا قد بتروها أصلا. مرض السكري داء عضال يصيب 30% من المجتمعات المتمدنة. قد يؤدى مرض السكر لحدوث مضاعفات اشد خطورة مثل قرحة القدم السكري والتى يمكن ان تؤدي لمضاعفات خطيرة. تهدد مشكلة "القدم السكري" المصابين بداء السكري، وتخيفهم بسبب البتر الذي قد يطال أقدامهم. ويضطر الأطباء لبتر أقدام 10 آلاف شخص مصاب بالسكر سنوياً، بعد أن يفشلوا في تأمين العلاج اللازم لهم. يعوز العلماء ذلك لعدة عوامل كُّثر. أهمها حياة الخمول والنهم الغذائي لدى الشعوب مع بعض العوامل الجينية الوراثية التي تجعل عَمراً من الناس يصاب به ويعاني أكثر مما يعانيه زيد. فالقدم السكرية ببساطة عبارة عن ظهور أعراض مرضية في القدم كالتورم والقروح والجروح نتيجة الاعتلال العصبي أو قصور الدورة الدموية أو الالتهابات الجرثومية تتعرض فيها قدم مريض السكر للأضرار في تركيبتها أو وظيفتها أو الاثنين معاً نتيجة إصابة صاحبها بمرض السكر. وعلى غرار المضاعفات الاخرى لمرض السكر، فان القدم السكرية لا تظهر بشكل مفاجئ، بل من خلال مسار متواصل، تتسم بعلامات مسبقة كثيرة، فتيقظ المريض والطاقم العلاجي لها هو ما يمنع أو يخفف المضاعفات ويبطئ وتيرة تقدمها.

من الأخطاء الشائعة استخدام مصطلح القدم السكري للإشارة فقط للمراحل المتأخرة من المرض مثل الغرغرينا والبتر. وذلك بالرغم من وجود العديد من المراحل التي تسبق هذه المرحلة المتأخرة بسنوات عديدة والتي غالبا لا تسترعي اهتمام المريض بسبب عدم معرفتة بها ولأنها غالبا لايصاحبها شعور بالألم، كما لا توجد أعراض واضحة. ومما هو جدير بالذكر ان المراحل الأولى لتأثيرات مرض السكر على القدم تكون هي الأسهل في الاكتشاف والعلاج اذا ما قورنت بمضاعفات مرض السكر الأخرى على العين والكلى. فقد أثبتت الأبحاث ان الاكتشاف المبكر لتأثيرات مرض السكر على القدم يمنع المضاعافات بنسبة قد تصل الى 85%. فداء السكري عموما يسبب مشاكل عديدة في الأعصاب والعضلات وغيرها، لذلك فإن أي علاج يجب أن يبدأ من التركيز على تخفيف نسبة السكر في الدم بالدرجة الأولى، قبل إجراء أي علاج، أي أننا يجب أن نزيل السبب أولاً كي ينجح أي علاج.

ترتفع نسب الإصابة بالقدم السكري عند مرضى السكري إلى أربعة أضعاف غيرهم من الناس. والسبب الرئيسي هو أن داء السكري يتحالف مع الأمراض الأخرى التي قد يصاب بها الإنسان مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والشرايين وارتفاع الكوليسترول مع التدخين، على إحداث أضرار جسيمه للقدم، تصبح نسبة الإصابة بالقدم السكري 80%. إن من أهم أسباب الإصابة بالقدم السكري، هو وجود أضرار في الشرايين المغذية للقدمين، والتي تعدّ دقيقة ورفيعة جداً، بسماكة تبلغ 2 3 ملم فقط. ولكي أوضح أكثر فأعلم أخي القارئ أن سماكة الشرايين التي تخرج من القلب تبلغ تقريباً32 ملم، ثم تضيق قليلاً كلما نزلنا إلى الأسفل لتبلغ نحو 28 ملم في البطن، وعندما تبلغ الساق تكون قد أصبحت دقيقة جداً. فإذا ما حدث ضرر في هذه الشرايين الدقيقة، فإن ذلك يؤدي إلى عدم وصول الدم لبقية أطراف القدم، ما يؤدي إلى الإصابة بداء القدم السكري. وارتفاع ضغط الدم والتدخين مع داء السكري حليفان يؤديان إلى أضرار في الشرايين فيزيدان من نسبة الإصابة بهذا المرض.

قد يصل بعض المرضى إلى مرحلة متقدمة في مشكلة القدم السكري دون أن يدركوا ذلك، فهناك أعراض يجب الانتباه عليها، لمعرفة مدى الإصابة بهذا المرض، ومنها أن المصاب يفقد القدرة على المشي لوقت طويل. فتجد البعض يستطيع السير مسافات طويلة قبل أن يتعب، وعندما يصاب بالقدم السكري، يحسّ بالتعب وإجهاد عضلات القدمين بعد 300 متر مشي فقط، وهذا بسبب أن العضلات تحتاج إلى الغذاء والأوكسجين، والذي لا يصلها بالقدر المطلوب بسبب الأضرار الموجودة في الشرايين. وفي حالة كبار السن، فإنهم قد لا ينتبهوا لهذه المشكلة، لأنهم لا يمشون كثيراً، وبالتالي لا ينتبهوا إلى عدم قدرتهم على المشي. وعندما يبدأ المريض بضعف أو عدم الإحساس بالقدم، أو وجود إحساسات غير طبيعية بالقدم مثل البرودة والسخونة بلا سبب، صعوبة حفظ التوازن أثناء الوقوف أو المشي، الآلآم المتكررة بالقدم بدون إصابات أو جروح فإن هذا يعني بدء الإصابة بالقدم السكرية.

أخي مريض السكر أخي القارئ صديق أو قريب مريض السكر عند ظهور إحدى العلامات الأوليه لهذا الداء يجب مراجعة الطبيب من أجل إجراء الفحوصات اللازمة. يقوم الطبيب المختص بإخضاع المريض للموجات الصوتية التي تحدد نسبة سريان الدم في الشرايين، وضيق الشرايين وطول الأضرار، ونسبتها، فقد تكون 70 أو 80 أو 90%. وبالتالي يعطي معلومات تفصيلية ودقيقة للطبيب الجراح، الذي يقرر وفقاً للاختبارات نتائج الفحوصات، ما إذا كان المريض يحتاج لإجراء عملية في الشرايين أم لا. ولكن قبل كل شيء، يوصي الطبيب المريض بأن يحاول تقليل نسبة السكر في دمه بالقدر الكافي، وأن يتوقف عن التدخين إن كان مدخناً، ويأخذ أدوية ضغط إن كان يعاني من الضغط.

إن مراجعة المريض للطبيب بإستمرار وانتظام تحميه بإذن الله تعالى من ظهور تعقيدات المرض المتقدمه كتغير لون أجزاء من القدم مثل ميلها إلى الحمرة أو لون الغروب، البياض المشابه لذلك الذي ينشأ عن غمرالقدم في الماء لفترة طويلة أو بياض مابين الأصابع، و ظهور بقع لونية من أي لون (خاصة بالكعب وأطراف الأصابع)، أو الجروح التي لا تلتئم، التورمات بأجزاء من القدم أو بكل القدم خاصة إذا حدث ذلك في قدم واحدة، خروج صديد من القدم وهي علامة متأخرة جدا، تشوهات القدم مثل الإعوجاج أو انحراف القدم إلى جهة معينة أو تغير شكل الأصابع، أو ظهور الغرغرينا(زرقة أو سواد بالأصابع أو الجوانب أو بطن القدم) والثلاث الأخيرة هي علامة متأخرة جدا. والتي قد لا ينفع معها إلا أن يلجأ الطبيب إلى العمل الجراحي كالبتر كخيار أخير. أجارني وأجاركم الله من كل مكروه ومن داء السكر وقدمه السكرية التي لا حظ لها ولا نصيب من اسمها.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1381