• ×
admin

بصري هو الذي فقدني

بصري هو الذي فقدني


صالح بن سبعان

تحيطنا المشكلات من كل جانب وتلون حياتنا بلون قاتم ويقتلنا الإحباط في اليوم ألف مرة، فمن كوارث يتسبب فيها فساد البشر أكثر من غضب الطبيعة بأمر خالقها، إلى ظواهر اجتماعية تصدمنا كل لحظة، وفي هذا الخضم من المنغصات والسلبيات تطفو على السطح بين وقت وآخر أخبار تشرح القلب وتسر الخاطر، مثل ومضة برق في ليل حالك السواد، تبدده للحظة، لنعود بعدها ونغرق في ظلام إحباطاتنا مرة أخرى.
وهذا الأسبوع لمح بارق مثل هذا، أبكاني، ولكنه حقن شراييني بجرعة عالية من التفاؤل والفرح، وكنت حينها أشاهد برنامجا حواريا في قناة دبي استضاف الشاب السعودي مهند أبو دية المخترع العبقري.
حكى مهند قصة الحادث الذي تعرض له وتسبب في فقده لبصره وإحدى ساقيه، وجه الشاب الذي ينضح جمالا وطهرا وعنفوانا كان يجسد قوة الإرادة والعزيمة بشكل واضح، بل أثار إعجاب الناس جميعا داخل وخارج الاستديو وهو يؤكد بأن ما يظنه الناس مأساة في حياته كان أكبر دافع له للنجاح العلمي والعملي، وأوضح قائلا بأن الإنسان المبصر يكون مستوى التركيز لديه أضعف من الكفيف فذبابة تطير أمامه كفيلة بأن تشتت تركيزه كما قال مهند ضاحكا، وعليه فإنه يدين إلى فقده لبصره بالاختراعات التي توصل إليها، وضمنها غواصة تستطيع أن تغوص إلى عمق ستة آلاف وخمسمائة متر في أعماق البحر، وهذا اختراع غير مسبوق على مستوى العالم، وقال ضاحكا إنه قد توصل إلى اختراع قلم خاص بالمكفوفين، وأن فقده لبصره أتاح له فرصة التعرف على فائدة هذا القلم للمكفوفين بنفسه.
لقد استطاع هذا العبقري أن يجبرنا على إعادة النظر في مفاهيمنا وفى نظرتنا لمن ندعوهم ذوي الاحتياجات الخاصة، ذلك أن التسمية التى كانت سائدة في وصفهم من قبل هي «المعاقين»، ثم تدرجنا في الوعي الاجتماعي لنطلق عليهم صفة «ذوى الاحتياجات الخاصة».
وكنا نحسب أننا ننصفهم بهذه الصفة ونعطيهم بعض حقهم.
إلا أن مهند الذي يتمتع بدرجة عالية من الإيمان بالله وبقدره وقضائه، وبلغ درجة رفيعة من الرضى بقضاء ربه، أكد عمليا أن ما نسميه «إعاقة» هو في الواقع غير ذلك تماما، فهو تحد لإرادة الإنسان في المقام الأول، ولذا أقترح على الأمير سلطان بن سلمان، وعلى المجتمع والأفراد والمؤسسات أن تسميهم «ذوى التحديات الخاصة»، لأن المؤمن معرض دائما للابتلاء، ولذا فإن الابتلاء هو في جانب منه امتحان لدرجة ومستوى الإيمان، وهو تحد لإرادة الإنسان.
والحق فإنني أجد في ما طرحه مهند رؤية جديدة، أكثر عمقا وأقرب إلى الحقيقة والواقع، كما أن فيها دعوة قوية ورسالة إيجابية لذوي التحديات الخاصة للنجاح في الحياة، والإقبال عليها بروح معنوية عالية وبشجاعة وكرامة للتفوق وتحويل الابتلاء إلى حافز ودافع إيجابي، وقد استطاع هذا العبقري أن يحقق كل أولئك، ولذا حمد ربه على الابتلاء لأنه هو الذى جعله يحقق النجاح، ولعل هذا ما دفعه إلى القول إن البصر هو الذي فقد مهندا، بينما لم يخسر مهند شيئا.

المصدر: صحيفة عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1289