مثلث السعادة
مثلث السعادة
فهد عامر الأحمدي
السعادة مثلث يتكون من ثلاثة أضلاع رئيسية.. الأول وراثي، والثاني خارجي، والثالث موقف شخصي..
فبخصوص العامل الوراثي اتضح أن هناك استعداداً حقيقياً يجعل البعض يصاب بالسعادة أو التعاسة لأسباب صغيرة - وأحيانا تافهة - لا تؤثر على بقية الناس.. وكان علماء الأعصاب في جامعة أدنبرة قد أكتشفوا أن هامش السعادة الذي نتمتع به يعتمد بشكل كبير على جيناتنا وتركيبتنا الوراثية (وتوصلوا لهذه النتيجة بعد قياس خمس صفات شخصية يتمتع بها 973 زوجاً من التوائم المتطابقين وغير المتطابقين).. وليس أدل على هذا من وجود أشخاص سعيدين ومرحين بشكل دائم رغم مصائبهم، في حين يوجد من يتخذ من التجهم صديقاً والاكتئاب خليلاً رغم كل النعيم والمال الذي يملكه..
أيضا لا ننسى دور الوراثة في الجانب الخاص بسعادتنا الصحية والمادية كون هناك من يرث من والديه صحة الجسد وأسباب الغنى والنعيم، في حين لا يرث البعض الآخر عنهم غير الفقر وأمراض القلب والسكر!!
أما الضلع الثاني من مثلث السعادة فهو أقل تعقيداً وأكثر وضوحاً وبداهة.. فجميعنا يدرك وجود ظروف خارجية (وأحياناً قاهرة) قد تجعلنا أقل أو أكثر سعادة.. فالزواج والتخرج وولادة طفل جديد تمنحنا قدراً كبيراً من السعادة، في حين تصيبنا ظروف سلبية كالطلاق والوفاة والفشل والخسارة بالاكتئاب والحزن والتعاسة.. وأفضل ما يمكننا فعله تجاه ظروف كهذه محاولة خلق ظروف شخصية رديفة تجعلنا أكثر سعادة خلال اليوم.. وكنت قد شرحت هذه التقنية في مقال قديم (تجده على النت بعنوان: جرعات السعادة الصغيرة) قلت فيه إنك حين تتصل بصديق عزيز فقدته، أو تبتسم في وجه عامل المحطة، أو تمنح والدتك مبلغاً يفوق حاجتها، أو تفاجئ زوجتك بهدية تتمناها، أو تسمع أغنيتك المفضلة، أو تشم عطرك المفضل قبل النوم؛ ستخلق أجواء صغيرة من البهجة (يمكنها مجتمعة) جعل أيامك كلها سعيدة !!
وهذه التقنية تُقودنا تلقائياًَ للحديث عن الضلع الثالث في السعادة (الذي يتضمن ببساطة موقفنا منها).. فموقفنا الشخصي تجاه ما يحدث لنا يلعب دوراً كبيراً في رفع أو خفض نسبة سعادتنا.. فمن يرضى بقدره مثلاً أكثر سعادة وطمأنينة ممن لا يتقبله بإيمان، ومن يعتقد أن المال "وسيلة" وليس غاية، أكثر سعادة ممن يراه "غاية" ومطلباً نهائياً، ومن يملك نظرة إيجابية ومتفائلة حيال صحته ومستقبله أكثر سعادة ممن يملك نظرة سوداوية يملؤها التشاؤم والتذمر..!
وفي حين يصعب علينا التحكم بالعنصر الأول (العامل الوراثي) أو العنصر الثاني (الظروف الخارجية) يمكننا التحكم بالعنصر الثالث (موقفنا الشخصي مما يحدث لنا) لرفع مستوى السعادة وخفض مستوى الحزن والتعاسة.. وبهذا الخصوص لا أجد أفضل من قول إيليا أبو ماضي:
والذي نفسه بغير جمال // لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
هو عبء على الحياة ثقيل // من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً
وليس أشقى ممن يرى العيش مراً // ويظن اللذات فيه فضولاً
الرياض
فهد عامر الأحمدي
السعادة مثلث يتكون من ثلاثة أضلاع رئيسية.. الأول وراثي، والثاني خارجي، والثالث موقف شخصي..
فبخصوص العامل الوراثي اتضح أن هناك استعداداً حقيقياً يجعل البعض يصاب بالسعادة أو التعاسة لأسباب صغيرة - وأحيانا تافهة - لا تؤثر على بقية الناس.. وكان علماء الأعصاب في جامعة أدنبرة قد أكتشفوا أن هامش السعادة الذي نتمتع به يعتمد بشكل كبير على جيناتنا وتركيبتنا الوراثية (وتوصلوا لهذه النتيجة بعد قياس خمس صفات شخصية يتمتع بها 973 زوجاً من التوائم المتطابقين وغير المتطابقين).. وليس أدل على هذا من وجود أشخاص سعيدين ومرحين بشكل دائم رغم مصائبهم، في حين يوجد من يتخذ من التجهم صديقاً والاكتئاب خليلاً رغم كل النعيم والمال الذي يملكه..
أيضا لا ننسى دور الوراثة في الجانب الخاص بسعادتنا الصحية والمادية كون هناك من يرث من والديه صحة الجسد وأسباب الغنى والنعيم، في حين لا يرث البعض الآخر عنهم غير الفقر وأمراض القلب والسكر!!
أما الضلع الثاني من مثلث السعادة فهو أقل تعقيداً وأكثر وضوحاً وبداهة.. فجميعنا يدرك وجود ظروف خارجية (وأحياناً قاهرة) قد تجعلنا أقل أو أكثر سعادة.. فالزواج والتخرج وولادة طفل جديد تمنحنا قدراً كبيراً من السعادة، في حين تصيبنا ظروف سلبية كالطلاق والوفاة والفشل والخسارة بالاكتئاب والحزن والتعاسة.. وأفضل ما يمكننا فعله تجاه ظروف كهذه محاولة خلق ظروف شخصية رديفة تجعلنا أكثر سعادة خلال اليوم.. وكنت قد شرحت هذه التقنية في مقال قديم (تجده على النت بعنوان: جرعات السعادة الصغيرة) قلت فيه إنك حين تتصل بصديق عزيز فقدته، أو تبتسم في وجه عامل المحطة، أو تمنح والدتك مبلغاً يفوق حاجتها، أو تفاجئ زوجتك بهدية تتمناها، أو تسمع أغنيتك المفضلة، أو تشم عطرك المفضل قبل النوم؛ ستخلق أجواء صغيرة من البهجة (يمكنها مجتمعة) جعل أيامك كلها سعيدة !!
وهذه التقنية تُقودنا تلقائياًَ للحديث عن الضلع الثالث في السعادة (الذي يتضمن ببساطة موقفنا منها).. فموقفنا الشخصي تجاه ما يحدث لنا يلعب دوراً كبيراً في رفع أو خفض نسبة سعادتنا.. فمن يرضى بقدره مثلاً أكثر سعادة وطمأنينة ممن لا يتقبله بإيمان، ومن يعتقد أن المال "وسيلة" وليس غاية، أكثر سعادة ممن يراه "غاية" ومطلباً نهائياً، ومن يملك نظرة إيجابية ومتفائلة حيال صحته ومستقبله أكثر سعادة ممن يملك نظرة سوداوية يملؤها التشاؤم والتذمر..!
وفي حين يصعب علينا التحكم بالعنصر الأول (العامل الوراثي) أو العنصر الثاني (الظروف الخارجية) يمكننا التحكم بالعنصر الثالث (موقفنا الشخصي مما يحدث لنا) لرفع مستوى السعادة وخفض مستوى الحزن والتعاسة.. وبهذا الخصوص لا أجد أفضل من قول إيليا أبو ماضي:
والذي نفسه بغير جمال // لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
هو عبء على الحياة ثقيل // من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً
وليس أشقى ممن يرى العيش مراً // ويظن اللذات فيه فضولاً
الرياض