تشويه القيم
تشويه القيم
عزيزة المانع
لعله من نافلة القول، إن الفساد وما يتمثل فيه من غش وتزوير واختلاس وخيانة ومغالطات وغيرها من الرذائل، ليس سمة خاصة بمجتمع دون غيره وإنما هو شأن عام، ينشأ كالطحالب حيثما توافرت له البيئة المناسبة للنمو، وحين يزدهر الفساد في مجتمع من المجتمعات ويتكاثر فيه المفسدون تكاثر البكتيريا، فيتكدسون في كل زاوية من زوايا المجتمع، فإن ذلك ليس سوى دلالة على أنهم وجدوا في ذلك المجتمع البيئة الملائمة للنمو ليس إلا.
والبيئة الملائمة لنمو الفساد ليس بالضرورة أن تكون واعية بالفساد الذي ترعاه وتفسح له وسطها، أحيانا يحدث الفساد من الناس وهم غير واعين بما يفعلون، هذا إن لم يختلط عليهم الأمر فلا يرون أنفسهم مفسدين وإنما يظنون أنهم يفعلون خيرا، ويمارسون قيما أخلاقية عالية، فالناس في بعض الأحيان يلبسون بعض الرذائل لباس القيم العليا ويقومون بتطبيقها في سلوكهم، يعتريهم الزهو والفخر أنهم يلتزمون بالفضائل.
فالذين يلزمون أنفسهم بقيم التعاون، أو مجاملة الأقارب والأصدقاء، أو رد الجميل وعدم نسيان معروف سابق، فيأخذون بالإحسان إلى الآخرين مما لا يملكون، مما هو موضوع بين أيديهم أمانة في أعناقهم فيمنحون الوظيفة لمن غيره أجدر منه بها، أو يعدون تقارير كاذبة عن مشاريع كلفوا بالإشراف عليها، أو شهادات نجاح ودرجات تفوق لمن لا يستحق، أو يوجهون المنح المادية أو العينية لغير المعنيين بها، أو يرفعون شعار الرحمة والستر والعفو، في مواضع المحاسبة والمجازاة، هم يفعلون ذلك كله تحت مظلة اقتناع كامل أنهم يفعلون ما يفعلون استجابة لدوافع إنسانية كريمة تهدف إلى إسداء الخير إلى قريب أو صديق محتاج، أو إلى مكافأة صاحب فضل عليهم، ومن الخلق الكريم مكافأته على فضله وعدم مقابلته بالجحود والنكران.
وفي ثنايا هذا، يغيب عن أذهان الناس أن ما يقومون به ليس سوى خيانة للأمانة التي أسند إليهم رعايتها، وسرقة لمال ليس لهم حق التصرف فيه، وتجريد للقيم السامية من معانيها الحقيقية، فتتحول بين أيديهم إلى قيم للرذائل تبرر الغش والخداع والكذب والمغالطة وغيرها.
المصدر: صحيفة عكاظ