قال الثعلب للأرنب
قال الثعلب للأرنب
فهد عامر الأحمدي
معظم شعوب العالم تملك قصصاً تتحدث فيها الحيوانات بلسان بشري مبين حيث قال الثعلب للأرنب، واشتكت الحمامة للأسد.. وفي تراثنا الإسلامي هناك ابن المقفع صاحب "كليلة ودمنة" التي ترجمها من الفارسية (التي ترجمت بدورها من اللغة الهندية القديمة بأمر من ملك الفرس كسرى انوشروان في القرن السادس الميلادي) وتظل أشهر موسوعة قصصية جرت على ألسنة الحيوانات.
أما العجيب فعلاً فهو قناعة الأوروبيين في العصور الوسطى بقدرة الحيوانات على الكلام.. فقد كان الظن متوارثاً وسائداً بقدرتها على الحديث فيما بينها ثم صمتها عند قدوم الإنسان.. وكان الفيلسوف الفرنسي العظيم ديكارت على قناعة بهذا الأمر ولكنه يعتقد أنها لا تملك فقط آلية نطق متطورة!
ويخطئ من يظن أن الأمور تحسنت هذه الأيام؛ فقبل فترة قرأت أن قناة "كوكب الحيوانات" وظفت خبيرة متخصصة في الحديث مع الحيوانات لإبلاغ أصحابها بما تعاني.. وهي في الأصل طبيبة حيوانات نفسية ساهمت قبل ذلك في (التفاهم) مع الحيوانات في أفلام ومسلسلات مشهورة كثيرة!
ومن المعروف أن القردة والدلافين تأتي من حيث مستوى الذكاء في المركزين التاليين بعد الإنسان. وهذا ماجعل العلماء يهتمون بهذين الجنسين لاختبار قدرتها على الحديث.. وخلال المئة عام الماضية أجريت تجارب لا تحصى للاتصال مع الدلافين والقردة (بما في ذلك الغوريلات)..
ويعد عالم الحيوانات رتشاردجرنر أقدم من حاول في هذا المجال ونشر عدة كتب في هذا الموضوع. وقد ادعى قبل مئة عام نجاحه في الاتصال مع القردة وتدريبها على الكلام!
أما هذه الأيام فلم يعد الحديث مع الحيوانات هدفاً بحد ذاته، بل محاولة الاتصال معها بنفس الوسائل التي تتفاهم بها. وكثير من الدراسات اعتمدت على تبني قردة حديثة المولد ثم محاولة تعليمها لغة الإشارات. وفي جامعة نيفادا قام علماء الحيوان بتعليم قرد صغير لغة الإشارات وحققا معه إنجازات متقدمة. وقد ظهر هذا القرد في العديد من البرامج التلفزيونية وكان ينفذ أوامر المشاهدين الصوتية، ويعبر عما يريد بلغة الإشارات..!
أما الدلافين فنالت نصيباً وافراً من هذه التجارب . فهي بالإضافة لذكائها تستعمل طبقات صوتية مختلفة للتواصل فيما بينها وهو ما شجع العلماء على محاولة تقليدها.. وبالفعل نجحوا في التفاهم معها باستعمال تسجيلات صوتية لدلافين أخرى.
كما تم ابتكار صفارات صوتية (تباع للهواة) يمكن من خلالها توجيه الأوامر من مسافات بعيدة.. والعجيب فعلاً أن أهم دراسة للتواصل مع الدلافين لم تخرج من الجامعات بل من مركز القاعدة البحرية في فلوريدا التي كانت ومازالت تدرب الدلافين على أغراض الاستكشاف والإنقاذ وتفجير الألغام وإرشاد
السفن!
وفي اعتقادي الخاص أن التواصل مع الحيوانات لن يتجاوز مستقبلاً مستوى اتصالها مع أنفسها (سواء من خلال الإشارات أو الروائح أو الطبقات الصوتية).. فالكلام المسموع هبة خاصة بالإنسان ولن تتجاوزه لغيره مهما حاولنا.. حتى الببغاء (الذي يملك القدرة على إصدار بعض الأصوات المنطوقة) يفعل ذلك من خلال آلية مختلفة ولا يعي أصلاً أنه يتحدث!
أما خيالنا ورغبتنا في استنطاق الحيوانات فسيظل كما هو في الماضي والحاضر والمستقبل بدليل أفلام الكرتون البديل العصري لحكايات كليلة ودمنة.
الرياض
فهد عامر الأحمدي
معظم شعوب العالم تملك قصصاً تتحدث فيها الحيوانات بلسان بشري مبين حيث قال الثعلب للأرنب، واشتكت الحمامة للأسد.. وفي تراثنا الإسلامي هناك ابن المقفع صاحب "كليلة ودمنة" التي ترجمها من الفارسية (التي ترجمت بدورها من اللغة الهندية القديمة بأمر من ملك الفرس كسرى انوشروان في القرن السادس الميلادي) وتظل أشهر موسوعة قصصية جرت على ألسنة الحيوانات.
أما العجيب فعلاً فهو قناعة الأوروبيين في العصور الوسطى بقدرة الحيوانات على الكلام.. فقد كان الظن متوارثاً وسائداً بقدرتها على الحديث فيما بينها ثم صمتها عند قدوم الإنسان.. وكان الفيلسوف الفرنسي العظيم ديكارت على قناعة بهذا الأمر ولكنه يعتقد أنها لا تملك فقط آلية نطق متطورة!
ويخطئ من يظن أن الأمور تحسنت هذه الأيام؛ فقبل فترة قرأت أن قناة "كوكب الحيوانات" وظفت خبيرة متخصصة في الحديث مع الحيوانات لإبلاغ أصحابها بما تعاني.. وهي في الأصل طبيبة حيوانات نفسية ساهمت قبل ذلك في (التفاهم) مع الحيوانات في أفلام ومسلسلات مشهورة كثيرة!
ومن المعروف أن القردة والدلافين تأتي من حيث مستوى الذكاء في المركزين التاليين بعد الإنسان. وهذا ماجعل العلماء يهتمون بهذين الجنسين لاختبار قدرتها على الحديث.. وخلال المئة عام الماضية أجريت تجارب لا تحصى للاتصال مع الدلافين والقردة (بما في ذلك الغوريلات)..
ويعد عالم الحيوانات رتشاردجرنر أقدم من حاول في هذا المجال ونشر عدة كتب في هذا الموضوع. وقد ادعى قبل مئة عام نجاحه في الاتصال مع القردة وتدريبها على الكلام!
أما هذه الأيام فلم يعد الحديث مع الحيوانات هدفاً بحد ذاته، بل محاولة الاتصال معها بنفس الوسائل التي تتفاهم بها. وكثير من الدراسات اعتمدت على تبني قردة حديثة المولد ثم محاولة تعليمها لغة الإشارات. وفي جامعة نيفادا قام علماء الحيوان بتعليم قرد صغير لغة الإشارات وحققا معه إنجازات متقدمة. وقد ظهر هذا القرد في العديد من البرامج التلفزيونية وكان ينفذ أوامر المشاهدين الصوتية، ويعبر عما يريد بلغة الإشارات..!
أما الدلافين فنالت نصيباً وافراً من هذه التجارب . فهي بالإضافة لذكائها تستعمل طبقات صوتية مختلفة للتواصل فيما بينها وهو ما شجع العلماء على محاولة تقليدها.. وبالفعل نجحوا في التفاهم معها باستعمال تسجيلات صوتية لدلافين أخرى.
كما تم ابتكار صفارات صوتية (تباع للهواة) يمكن من خلالها توجيه الأوامر من مسافات بعيدة.. والعجيب فعلاً أن أهم دراسة للتواصل مع الدلافين لم تخرج من الجامعات بل من مركز القاعدة البحرية في فلوريدا التي كانت ومازالت تدرب الدلافين على أغراض الاستكشاف والإنقاذ وتفجير الألغام وإرشاد
السفن!
وفي اعتقادي الخاص أن التواصل مع الحيوانات لن يتجاوز مستقبلاً مستوى اتصالها مع أنفسها (سواء من خلال الإشارات أو الروائح أو الطبقات الصوتية).. فالكلام المسموع هبة خاصة بالإنسان ولن تتجاوزه لغيره مهما حاولنا.. حتى الببغاء (الذي يملك القدرة على إصدار بعض الأصوات المنطوقة) يفعل ذلك من خلال آلية مختلفة ولا يعي أصلاً أنه يتحدث!
أما خيالنا ورغبتنا في استنطاق الحيوانات فسيظل كما هو في الماضي والحاضر والمستقبل بدليل أفلام الكرتون البديل العصري لحكايات كليلة ودمنة.
الرياض