معادن تجاوزت الأسنان
معادن تجاوزت الأسنان
فهد عامر الأحمدي
قد يكون الإنسان قادراً على أكل كل شيء ولكن (أنت) لا تأكل سوى أطعمة قليلة تعد على أطراف الأصابع.. تذكر معي ما تأكله يومياً على الغداء والعشاء ستكتشف أنها أشياء مكررة ومحدودة من بين آلاف الأطعمة التي يأكلها البشر، ويجرؤون على تناولها حول العالم.. فآلاف الناس حول العالم يأكلون أشياء مثل الأخطبوط، والتمساح، وعش الوطواط، ودماغ القرد، ونمل الأشجار، والعناكب السامة، والحشرات الحقيرة، بل وحتى الذهب واللؤلؤ والمعادن النبيلة.
ومن الروايات المؤكدة عن كليوباترا أنها كانت في خلوة جميلة مع القائد الروماني أنطونيوس فتحداها أن تأكل طعاماً بقيمة ثروة صغيرة. فما كان منها إلا أن نزعت لؤلؤة ضخمة تزين إحدى أذنيها (تُقدر قيمتها اليوم بسبعة ملايين دولار) فذوبتها في خمر التفاح وشربتها بلا تردد.. وفي حين تملكت الدهشة انطونيوس لم تفهم كليوباترا أسباب دهشته لسببين بسيطين.. الأول أنها كانت أغنى إنسان في وقتها، والثاني لأنها "حركة" سبق وكررتها في أكثر من مناسبة!
هذه القصة ليست مؤكدة فقط، بل وتبدو معقولة حتى من الناحيتين الكيميائية والاحيائية.. فحبات اللؤلؤ يمكنها فعلاً الذوبان في الكحول (وإن كان ذلك يتطلب وقتاً طويلاً) في حين تتكون من كربونات الكالسيوم التي لا تضر جسم الإنسان، بل ويحتاجها لبناء الأسنان والعظام!
وقصة كليوباترا تذكرني بحكاية سمعتها قديماً عن بروفيسور من جامعة مانشستر أكل قميصه بعد خسارته لرهان غريب.. فعالم الكيمياء هارولد كيلي كان واثقاً من فوز ليفربول ببطولة الدوري الإنجليزي ضد غريمه مانشستر يونايتد (ومن فرط حماسه وعد بأنه سيأكل قميصه إن حدث عكس ذلك).. ولكن توقعاته خابت وفاز مانشستر بالكأس وأصبح لزاماً عليه أكل قميصه.. ولتنفيذ وعده وضع القميص في حامض قوي حتى ذاب تماماً.. ثم خلط الناتج مع قاعدة قلوية لمعادلته (فحين يتفاعل الحمض مع القاعدة يتعادلان كيميائياً وينتج عنهما غالباً ملح وماء).. وهكذا خلط الملح والماء مع جبنة نقية بيضاء.. ثم فرد الجبنة على شريحة خبز وأكلها مع الخيار!
على أي حال؛ طالما بدأنا المقال -وكدنا ننهيه- بقصتين تؤكدان محاسن الكيمياء دعونا نختمه بحقيقة أن أمعاء الإنسان لا تتفاعل مع المعادن (غير السامة) التي تدخل وتخرج دون ضرر على الجسم.. وهذا يعني إمكانية تناول معادن ثمينة كالذهب والفضة والكوبر والأبلتين من خلال تحويلها إلى غبار نفيس لا يحتاج لمضغ ويتجاوز الأسنان ويخرج من الأمعاء كما هو (وبالتالي يمكن لمن يرغب استعادته في بيته).
وكانت موائد الملوك في القرون الوسطى تتضمن -ليس فقط أطباقاً فضية وملاعق ذهبية- بل ومأكولات ترش بغبار الذهب واللؤلؤ والمعادن النفيسة.. وكان الأيسكريم والكافيار الكراميل من المقبلات المفضلة التي تلف بأوراق ذهبية تكلف ثروات حقيقية.
وفي أيامنا هذه تدخل شرائح الذهب الرقيقة ضمن أغلى الأطعمة في العالم. ورغم أنها بلا نكهة إلا أنها تعطي للطبق مظهراً جذاباً ويتراوح سعر الكيلو منها ما بين 43,000 إلى 120,000 دولار.. وكنت شخصيا قد قرأت في أكثر من مناسبة عن مأكولات تحضر للسوبر ريتش (في فنادق موناكو ودبي على وجة الخصوص) تهدف لكسر أرقام قياسية سابقة حول أغلى الأطباق في العالم!
وبطبيعة الحال لا أحتاج لتذكيركم بحماقة هذه التصرفات (فقد توصلتم إليها قبلي) ولكنها ذكّرتني بمقولة حكيمة للإمام علي رضي الله عنه؛ مفادها:
"يبقى المال في حوزة صاحبه أربعين عاماً، إما أحسنه فدام عنده، أو بذره فذهب لغيره".
المؤكد أن حكم كليوباترا لم يدم أربعين شهراً بعد الحركة التي فعلتها مع انطونيو!.
الرياض
فهد عامر الأحمدي
قد يكون الإنسان قادراً على أكل كل شيء ولكن (أنت) لا تأكل سوى أطعمة قليلة تعد على أطراف الأصابع.. تذكر معي ما تأكله يومياً على الغداء والعشاء ستكتشف أنها أشياء مكررة ومحدودة من بين آلاف الأطعمة التي يأكلها البشر، ويجرؤون على تناولها حول العالم.. فآلاف الناس حول العالم يأكلون أشياء مثل الأخطبوط، والتمساح، وعش الوطواط، ودماغ القرد، ونمل الأشجار، والعناكب السامة، والحشرات الحقيرة، بل وحتى الذهب واللؤلؤ والمعادن النبيلة.
ومن الروايات المؤكدة عن كليوباترا أنها كانت في خلوة جميلة مع القائد الروماني أنطونيوس فتحداها أن تأكل طعاماً بقيمة ثروة صغيرة. فما كان منها إلا أن نزعت لؤلؤة ضخمة تزين إحدى أذنيها (تُقدر قيمتها اليوم بسبعة ملايين دولار) فذوبتها في خمر التفاح وشربتها بلا تردد.. وفي حين تملكت الدهشة انطونيوس لم تفهم كليوباترا أسباب دهشته لسببين بسيطين.. الأول أنها كانت أغنى إنسان في وقتها، والثاني لأنها "حركة" سبق وكررتها في أكثر من مناسبة!
هذه القصة ليست مؤكدة فقط، بل وتبدو معقولة حتى من الناحيتين الكيميائية والاحيائية.. فحبات اللؤلؤ يمكنها فعلاً الذوبان في الكحول (وإن كان ذلك يتطلب وقتاً طويلاً) في حين تتكون من كربونات الكالسيوم التي لا تضر جسم الإنسان، بل ويحتاجها لبناء الأسنان والعظام!
وقصة كليوباترا تذكرني بحكاية سمعتها قديماً عن بروفيسور من جامعة مانشستر أكل قميصه بعد خسارته لرهان غريب.. فعالم الكيمياء هارولد كيلي كان واثقاً من فوز ليفربول ببطولة الدوري الإنجليزي ضد غريمه مانشستر يونايتد (ومن فرط حماسه وعد بأنه سيأكل قميصه إن حدث عكس ذلك).. ولكن توقعاته خابت وفاز مانشستر بالكأس وأصبح لزاماً عليه أكل قميصه.. ولتنفيذ وعده وضع القميص في حامض قوي حتى ذاب تماماً.. ثم خلط الناتج مع قاعدة قلوية لمعادلته (فحين يتفاعل الحمض مع القاعدة يتعادلان كيميائياً وينتج عنهما غالباً ملح وماء).. وهكذا خلط الملح والماء مع جبنة نقية بيضاء.. ثم فرد الجبنة على شريحة خبز وأكلها مع الخيار!
على أي حال؛ طالما بدأنا المقال -وكدنا ننهيه- بقصتين تؤكدان محاسن الكيمياء دعونا نختمه بحقيقة أن أمعاء الإنسان لا تتفاعل مع المعادن (غير السامة) التي تدخل وتخرج دون ضرر على الجسم.. وهذا يعني إمكانية تناول معادن ثمينة كالذهب والفضة والكوبر والأبلتين من خلال تحويلها إلى غبار نفيس لا يحتاج لمضغ ويتجاوز الأسنان ويخرج من الأمعاء كما هو (وبالتالي يمكن لمن يرغب استعادته في بيته).
وكانت موائد الملوك في القرون الوسطى تتضمن -ليس فقط أطباقاً فضية وملاعق ذهبية- بل ومأكولات ترش بغبار الذهب واللؤلؤ والمعادن النفيسة.. وكان الأيسكريم والكافيار الكراميل من المقبلات المفضلة التي تلف بأوراق ذهبية تكلف ثروات حقيقية.
وفي أيامنا هذه تدخل شرائح الذهب الرقيقة ضمن أغلى الأطعمة في العالم. ورغم أنها بلا نكهة إلا أنها تعطي للطبق مظهراً جذاباً ويتراوح سعر الكيلو منها ما بين 43,000 إلى 120,000 دولار.. وكنت شخصيا قد قرأت في أكثر من مناسبة عن مأكولات تحضر للسوبر ريتش (في فنادق موناكو ودبي على وجة الخصوص) تهدف لكسر أرقام قياسية سابقة حول أغلى الأطباق في العالم!
وبطبيعة الحال لا أحتاج لتذكيركم بحماقة هذه التصرفات (فقد توصلتم إليها قبلي) ولكنها ذكّرتني بمقولة حكيمة للإمام علي رضي الله عنه؛ مفادها:
"يبقى المال في حوزة صاحبه أربعين عاماً، إما أحسنه فدام عنده، أو بذره فذهب لغيره".
المؤكد أن حكم كليوباترا لم يدم أربعين شهراً بعد الحركة التي فعلتها مع انطونيو!.
الرياض