الإنترنت أعظم كبسولة زمنية
الإنترنت أعظم كبسولة زمنية
فهد عامر الأحمدي
في يناير الماضي تم فتح ماعُرف باسم "أقدم كبسولة زمنية" في أمريكا .. كانت مجرد جرة فخارية كبيرة أغلقت عام 1795 من قبل مؤرخ يدعى صامويل آدمز.. رسالة من الماضي تضم صحفاً ووثائق وعملات وتذكارات أصبحت (بعد مرور 220 عاماً من إغلاقها) ثروة لا تقدر بثمن!!
وهذه الكبسولة قد تكون الأقدم في أمريكا، ولكنها بالتأكيد ليست الأقدم في العالم.. فبالإضافة لمحتويات الأهرامات الفرعونية (التي تعتبر أقدم كبسولة بشرية يزيد عمرها على أربعة آلاف عام) سبق أن كتبت مقالاً عن جامع صنعاء الذي يعد ثالث أقدم مسجد بعد قباء والحرم النبوي الشريف.. فقبل أربعين عاماً فقط سقط جزء من سقفه القديم فاكتشف فوقه مصحف إسلامي أخفاه شخص مجهول بمهارة شديدة.. ويعتقد بعض الباحثين أن المصحف يعود إلى الصحابي الجليل "وبر بن يحنس الأنصاري" الذي ولاه الرسول على صنعاء وأمره ببناء مسجد فيها في السنة السادسة للهجرة (بحيث يمكن اعتبار المصحف نفسه كبسولة زمنية لا يقل عمرها عن1430 عاماً).
على أي حال "الكبسولة الزمنية" لا تقتصر على الوثائق التاريخية أو المخطوطات الدينية.. فقد تتضمن جراثيم أو صوراً أو بويضات أو تسجيلاً صوتياً أو شرائح تخزين أو حتى أصولاً وراثية لمخلوقات ونبتات شارفت على الانقراض.. ففي عام 2011 مثلا تم البدء بهدم مختبر مستشفى بفلو الجامعي في نيويورك.. وأثناء نقل الأنابيب المجمدة عثر العلماء على أنبوب مخفي بعناية كتب عليه تاريخ 1897.. كان يتضمن خلايا سرطانية انتزعها عالم يدعى إدوارد دونهام من أمعاء أحد المرضى وكتب عليها: وضعت هذه العينة كي يرى علماء المستقبل إلى أي حد يمكن لهذا النوع أن يعيش.
وفي النرويج بدأ بالفعل إنشاء مكتبة المستقبلية لن يقرأها أحد (ولن تطبع على الورق) قبل مئة عام.. وتم توجيه الدعوة لمئة كاتب ومفكر لكتابة ما يريد سراً على أن لا يعرف أحد غيره الموضوع.. وسيتم حفظ النسخة الإلكترونية في مخبأ حصين في مكتبة نيو ديشمانسك العامة، وستطبع عام 2114 على ورق مستخرج من ألف شجرة يتم غرسها حالياً حول المدينة!!
أيضا هناك دول مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وبريطانيا تملك بنوكاً بيولوجية تُخبئ فيها البذور النادرة، وبويضات الأجناس المهددة بالانقراض، والأصول الوراثية لنباتات ومخلوقات يُؤمل استنساخها أو استعادتها بعد انقراضها من قبل علماء المستقبل (ولمزيد من التفاصيل ابحث في النت عن مقال بعنوان: الفُلك المتجمد)!!
بقي أن أشير إلى نقطة مهمة جداً (لا أعلم إن كان الجميع قد تنبه إليها) وهي أن شبكة الإنترنت تحولت (بلا سابق تخطيط) إلى أكبر كبسولة زمنية في التاريخ.. فكل مايوضع فيها اليوم من أخبار وكتب ووثائق وتسجيلات وصور يظل فيها إلى الأبد.. المادة التي تدخلها تُنسخ بسرعة بحيث تراها لاحقاً في آلاف المواقع الأخرى (حتى بعد حذفها من موقعها الأصلي) بما في ذلك صورك وبياناتك وتعليقاتك الشخصية.. فحين تضع صورة في الانستجرام، أو تبعث برسالة عبر الإيميل، أو تنشر مقالة في مدونتك أو حتى تترك شتيمة في تويتر فأنت بهذه الطريقة تصنع لنفسك دون أن تدري كبسولة افتراضية لا تعلم من سيبحث عنها أو يفتحها مستقبلاً!
وبطبيعة الحال؛ إن لم يفتحها غيرك في الدنيا؛ ستفتحها بنفسك في الآخرة.
الرياض
فهد عامر الأحمدي
في يناير الماضي تم فتح ماعُرف باسم "أقدم كبسولة زمنية" في أمريكا .. كانت مجرد جرة فخارية كبيرة أغلقت عام 1795 من قبل مؤرخ يدعى صامويل آدمز.. رسالة من الماضي تضم صحفاً ووثائق وعملات وتذكارات أصبحت (بعد مرور 220 عاماً من إغلاقها) ثروة لا تقدر بثمن!!
وهذه الكبسولة قد تكون الأقدم في أمريكا، ولكنها بالتأكيد ليست الأقدم في العالم.. فبالإضافة لمحتويات الأهرامات الفرعونية (التي تعتبر أقدم كبسولة بشرية يزيد عمرها على أربعة آلاف عام) سبق أن كتبت مقالاً عن جامع صنعاء الذي يعد ثالث أقدم مسجد بعد قباء والحرم النبوي الشريف.. فقبل أربعين عاماً فقط سقط جزء من سقفه القديم فاكتشف فوقه مصحف إسلامي أخفاه شخص مجهول بمهارة شديدة.. ويعتقد بعض الباحثين أن المصحف يعود إلى الصحابي الجليل "وبر بن يحنس الأنصاري" الذي ولاه الرسول على صنعاء وأمره ببناء مسجد فيها في السنة السادسة للهجرة (بحيث يمكن اعتبار المصحف نفسه كبسولة زمنية لا يقل عمرها عن1430 عاماً).
على أي حال "الكبسولة الزمنية" لا تقتصر على الوثائق التاريخية أو المخطوطات الدينية.. فقد تتضمن جراثيم أو صوراً أو بويضات أو تسجيلاً صوتياً أو شرائح تخزين أو حتى أصولاً وراثية لمخلوقات ونبتات شارفت على الانقراض.. ففي عام 2011 مثلا تم البدء بهدم مختبر مستشفى بفلو الجامعي في نيويورك.. وأثناء نقل الأنابيب المجمدة عثر العلماء على أنبوب مخفي بعناية كتب عليه تاريخ 1897.. كان يتضمن خلايا سرطانية انتزعها عالم يدعى إدوارد دونهام من أمعاء أحد المرضى وكتب عليها: وضعت هذه العينة كي يرى علماء المستقبل إلى أي حد يمكن لهذا النوع أن يعيش.
وفي النرويج بدأ بالفعل إنشاء مكتبة المستقبلية لن يقرأها أحد (ولن تطبع على الورق) قبل مئة عام.. وتم توجيه الدعوة لمئة كاتب ومفكر لكتابة ما يريد سراً على أن لا يعرف أحد غيره الموضوع.. وسيتم حفظ النسخة الإلكترونية في مخبأ حصين في مكتبة نيو ديشمانسك العامة، وستطبع عام 2114 على ورق مستخرج من ألف شجرة يتم غرسها حالياً حول المدينة!!
أيضا هناك دول مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وبريطانيا تملك بنوكاً بيولوجية تُخبئ فيها البذور النادرة، وبويضات الأجناس المهددة بالانقراض، والأصول الوراثية لنباتات ومخلوقات يُؤمل استنساخها أو استعادتها بعد انقراضها من قبل علماء المستقبل (ولمزيد من التفاصيل ابحث في النت عن مقال بعنوان: الفُلك المتجمد)!!
بقي أن أشير إلى نقطة مهمة جداً (لا أعلم إن كان الجميع قد تنبه إليها) وهي أن شبكة الإنترنت تحولت (بلا سابق تخطيط) إلى أكبر كبسولة زمنية في التاريخ.. فكل مايوضع فيها اليوم من أخبار وكتب ووثائق وتسجيلات وصور يظل فيها إلى الأبد.. المادة التي تدخلها تُنسخ بسرعة بحيث تراها لاحقاً في آلاف المواقع الأخرى (حتى بعد حذفها من موقعها الأصلي) بما في ذلك صورك وبياناتك وتعليقاتك الشخصية.. فحين تضع صورة في الانستجرام، أو تبعث برسالة عبر الإيميل، أو تنشر مقالة في مدونتك أو حتى تترك شتيمة في تويتر فأنت بهذه الطريقة تصنع لنفسك دون أن تدري كبسولة افتراضية لا تعلم من سيبحث عنها أو يفتحها مستقبلاً!
وبطبيعة الحال؛ إن لم يفتحها غيرك في الدنيا؛ ستفتحها بنفسك في الآخرة.
الرياض