• ×
admin

"صوموا تصحوا"

"صوموا تصحوا"

أ.د. طلال علي زارع

هل علينا شهر رمضان الكريم، شهر الخير والبركات الذي أنزل فيه القرآن، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلام هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)َ.

والصيام تدريب روحي ضد شهوات البطن والجسم. وليس المقصود بالصيام مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات، بل ينبغي على الصائم أن يصون صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال، وقد رخص الله الإفطار للمسلم الذي يسبب له الصوم ضرراً أو تأثيراً سلبياً على مرضه..

ويستحب للصائم أن يراعي فيما يتعلق بالطعام ما يلي:
- يستحب تأخير السحور، وطعام السحور فيه بركة لأنه يقوي الصائم وينشطه ويساعده على تحمل الجوع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا، فإن في السحور بركة).
- يستحب تعجيل الفطر متى تحقق غروب الشمس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد].
- يستحب أن يكون الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور) [رواه أحمد والترمذي عن سلمان بن عامر]. إن التمر سهل الهضم، فسكر الجلوكوز الموجود به يمتص مباشرة بدون هضم عبر جدران الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى عودة تركيز الجلوكوز في الدم إلى طبيعته في فترة وجيزة.
- ينبغي أن يكون طعام الإفطار خفيفاً حتى لا يشعر الصائم بالتخمة والتعب ويحدث له سوء الهضم. وتضر التخمة بالجسم، وهذا ما أثبته الطب الحديث، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) [الترمذي]..
- ويكثر الناس في شهر رمضان من تناول الأشربة والأطعمة الغنية بالدهون والسكريات مما يسبب الاضطرابات الهضمية، فينبغي تجنب تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة، وكذلك يفضل عدم الإفراط في البهارات والتوابل والمخللات..
- وينصح الصائم بتناول الخضروات والفواكه الطازجة الغنية بالفيتامينات والمعادن والألياف التي تساعد على سهولة الهضم وتجنب الإمساك.

ولعل أهم ما يميز شهر رمضان عن بقية العام هو الصيام الذى يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار، بالإضافة إلي الجو الروحاني الخاص الذي يميز هذا الشهر من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار، وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية.. والصيام عموماً فيه شفاء من كثير من الأمراض العضوية والنفسية. إن الصيام يقاوم الاكتئاب والحزن ويعالج القلق لان الانسان يعيش في شهر رمضان الكريم حالة من التصالح النفسي والصفاء الروحي، ويكسب الإنسان فضيلة الصبر ومجاهدة النفس وتقوية الإرادة، وفيه ترويض للنفس على العطف على اليتامى والمساكين.. ويطهر الصوم الجسم من السموم، ويفيد في علاج كثير من الأمراض منها: سوء الهضم والتهابات المعدة وتهيج القولون واضطرابات الأمعاء والسمنة وسكري الكبار وأمراض الكبد والقلب وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والتهاب الكلى المزمن وآلام المفاصل والالتهابات الجلدية وحساسية الجلد والاضطرابات النفسية والعاطفية.. لكن هناك مرضي يشكل الصيام خطراً علي صحتهم مثل مرضى الفشل الكلوي الحاد وتليف الكبد والذبحة الصدرية والسل والالتهاب الرئوي والجلطات الرئوية وغيرها من أمراض فعليهم الاستفادة من رخصة الإفطار، فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.. وينصح عموماً هؤلاء المرضى باستشارة الطبيب المختص قبل الصيام.

ويعتبر الصيام من أفضل وسائل إنقاص الوزن بل إطالة العمر بعد مشيئة الله، وهذا ما أظهرته عدة دراسات.. كما توصل الباحثون إلى أن النظام الغذائي القائم على التجويع ثم الأكل - وهو ما يعتمد عليه الصوم في الإسلام - يساعد كذلك في الوقاية من كثير من الأمراض الخطيرة مثل الأمراض السرطانية والاضطرابات العصبية المزمنة مثل الزهايمر. ولقد أظهرت دراسة أمريكية حديثة أجريت في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن النظام الغذائي المتبع في الصيام، المعتمد على تقليل السعرات الحرارية التي يتناولها الأشخاص بنسبة تصل إلى النصف، يُبطئ الشيخوخة، ويقلل خطر الإصابة بأمراض السرطان والسكري عند الإنسان. كما أجرى الباحثون تجربة الصوم على مجموعة من الفئران، وأظهرت النتائج وجود علامات على تجدد الخلايا المناعية والعظام والعضلات والكبد والدماغ ، وعاشت الفئران لفترة أطول، وقلت معاناتها من أمراض الالتهابات والسرطان، وأصبحت أيضاً تلك الحيوانات أفضل من حيث الذاكرة.. إن الصوم المنتظم يجعل الإنسان يمنح أعضاء جسمه فترة راحة وبالتالي يمكنه أن يُبطئ عملية الشيخوخة فيعيش عمراً أطول ويتمتع بحياة أكثر صحة..

ففوائد الصيام الصحية والنفسية متعددة ويؤكدها العلم الحديث في كل يوم. فالصيام بالإضافة إلى كونه عبادة فهو أيضاً وسيلة علاج للجسم والنفس والروح، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (صوموا تصحوا) [رواه الطبراني].

رمضان كريم وكل عام وأنتم بألف خير.. اعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات..


الصحة والحياة
بواسطة : admin
 0  0  16437