ما يحدث مرة في حياتك
ما يحدث مرة في حياتك
فهد عامر الأحمدي
قبل فترة كنتُ في مطار المدينة بانتظار إقلاع رحلتي للرياض.. لسبب ما تذكرت صديقين عزيزين لم أرهما منذ ثلاثين عاما.. الأول صديق في الحارة يدعى "مشعل" والثاني صديق في المدرسة يدعى "فريد".. وحين أعلنت الرحلة عن فتح أبوابها وقفت مع المسافرين في الطابور لتقديم كرت الصعود للطائرة.. التفت نحوي الشخص الواقف أمامي وكان بدينا وسألني بابتسامة عريضة "ألم تعرفني؟" فصرخت فرحا "عرفتك من صوتك، أنت مشعل سعيد، ولكن مع أربعة أضعاف وزنك السابق".. ولم أكد أنهي كلامي حتى لمسني الشخص الواقف خلفي وسألني "كيف حالك يا فهد؟" وكان كما توقعتم صديقي في الثانوي فريد هرري..
لم يكن أحدهما يعرف الآخر وبقيت بينهما مصدوماً من عجائب الصدف ومحتارا مع من أتحدث وأستعيد الذكريات..
.. على أي حال، كلي ثقة بأن جميعكم يملك مصادفة غريبة تتضمن أحداثا مماثلة.. مصادفة تتحدى قوانين الرياضيات ومعايير المنطق ويصعب تفسيرها لكثرة عناصر المفاجأة فيها.. فما الذي دعاني مثلا لتذكر هذين الاسمين في تلك الفترة بالذات؟ وكيف اجتمعنا نحن الثلاثة في نفس الزمان والمكان؟ وكيف وقفنا بلا تنسيق خلف بعضنا بالترتيب ..الخ
هذا النوع من المصادفات المركبة يطلق عليه علماء النفس اسم متزامنات (ولا تعتقد أن هذا الاسم الأنيق سيساهم في تبسيط الموضوع).. والمتزامنة تركيبة زمنية ومكانية اكثر تعقيدا من لقاء جارك في المسجد أو شقيقك عند والدتك.. ورغم أنها نادرة ويصعب تكرارها (كونها مجموعة من الصدف المركبة) إلا أنها ليست مستحيلة وتحدث للجميع لمرة واحدة على الأقل!
وهناك عالم نفس استرالي يدعى كين أندرسون ألف كتابا كاملا عن المتزامنات وأسباب تحققها.. والطريف أنه وقع بنفسه في متزامنة مدهشة أثناء بحثه عن قصص حقيقية تُدعم هذه الظاهرة.
فذات يوم وصلته رسالة من شخص يدعى جلين كيبر يروي فيها مصادفة غريبة وقعت له.. ولأن الرسالة لم تضم رقم العنوان أو الهاتف قرر أندرسون الاتصال بالاستعلامات والاستفسار عن رقم جلين كيبر. وحين طلب الرقم من عامل الاستعلامات سأله الأخير متعجبا "ومن يريده ؟" .. تعجب أندرسون من وقاحة السؤال ولكنه تجاهله وكرر حاجته لمعرفة رقم جلين كيبر.. إلا ان عامل الهاتف أصر على موقفه وسأله مجددا: من يريده .. فأنا جلين كيبر!
.. وحين قرر الحلفاء تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في مايو 1944 قرروا اختيار أسماء سرية لمواقع الإنزال البحري. واتفقوا على اختيار أسماء كورية وإغريقية غريبة مثل "أوتوا" و "أوماها" و"نبتون".. الغريب فعلا أن محرر الكلمات المتقاطعة في صحيفة الديلي تلغراف اللندنية كامل هاورد أورد هذه الأسماء الثلاثة في الجريدة قبل أربعة أيام فقط من بدء الغزو السري. كانت مجرد مصادفة دعت المخابرات البريطانية إلى اختطافه واستجوابه معتقدة أنه جاسوس يسرب معلومات الإنزال للألمان من خلال الصحيفة (وحتى حين تأكدت من براءته لم تطلق سراحه إلا بعد اكتمال الإنزال العسكري في غرب فرنسا)!
.. بدون شك؛ مصادفات مركبة كهذه لا تحدث سوى مرة واحده في العمر.. لا يمكنها أن تحدث مرتين وثلاثا لأن هناك دائما مصادفة واحدة تتقدم الجميع في الغرابة وصعوبة التكرار.. ولكن.. رغم ندرتها وصعوبة تكرارها أكاد أجزم بإمكانية العثور على 30 مليون قصة مشابهة في السعودية وحدها.
الرياض
فهد عامر الأحمدي
قبل فترة كنتُ في مطار المدينة بانتظار إقلاع رحلتي للرياض.. لسبب ما تذكرت صديقين عزيزين لم أرهما منذ ثلاثين عاما.. الأول صديق في الحارة يدعى "مشعل" والثاني صديق في المدرسة يدعى "فريد".. وحين أعلنت الرحلة عن فتح أبوابها وقفت مع المسافرين في الطابور لتقديم كرت الصعود للطائرة.. التفت نحوي الشخص الواقف أمامي وكان بدينا وسألني بابتسامة عريضة "ألم تعرفني؟" فصرخت فرحا "عرفتك من صوتك، أنت مشعل سعيد، ولكن مع أربعة أضعاف وزنك السابق".. ولم أكد أنهي كلامي حتى لمسني الشخص الواقف خلفي وسألني "كيف حالك يا فهد؟" وكان كما توقعتم صديقي في الثانوي فريد هرري..
لم يكن أحدهما يعرف الآخر وبقيت بينهما مصدوماً من عجائب الصدف ومحتارا مع من أتحدث وأستعيد الذكريات..
.. على أي حال، كلي ثقة بأن جميعكم يملك مصادفة غريبة تتضمن أحداثا مماثلة.. مصادفة تتحدى قوانين الرياضيات ومعايير المنطق ويصعب تفسيرها لكثرة عناصر المفاجأة فيها.. فما الذي دعاني مثلا لتذكر هذين الاسمين في تلك الفترة بالذات؟ وكيف اجتمعنا نحن الثلاثة في نفس الزمان والمكان؟ وكيف وقفنا بلا تنسيق خلف بعضنا بالترتيب ..الخ
هذا النوع من المصادفات المركبة يطلق عليه علماء النفس اسم متزامنات (ولا تعتقد أن هذا الاسم الأنيق سيساهم في تبسيط الموضوع).. والمتزامنة تركيبة زمنية ومكانية اكثر تعقيدا من لقاء جارك في المسجد أو شقيقك عند والدتك.. ورغم أنها نادرة ويصعب تكرارها (كونها مجموعة من الصدف المركبة) إلا أنها ليست مستحيلة وتحدث للجميع لمرة واحدة على الأقل!
وهناك عالم نفس استرالي يدعى كين أندرسون ألف كتابا كاملا عن المتزامنات وأسباب تحققها.. والطريف أنه وقع بنفسه في متزامنة مدهشة أثناء بحثه عن قصص حقيقية تُدعم هذه الظاهرة.
فذات يوم وصلته رسالة من شخص يدعى جلين كيبر يروي فيها مصادفة غريبة وقعت له.. ولأن الرسالة لم تضم رقم العنوان أو الهاتف قرر أندرسون الاتصال بالاستعلامات والاستفسار عن رقم جلين كيبر. وحين طلب الرقم من عامل الاستعلامات سأله الأخير متعجبا "ومن يريده ؟" .. تعجب أندرسون من وقاحة السؤال ولكنه تجاهله وكرر حاجته لمعرفة رقم جلين كيبر.. إلا ان عامل الهاتف أصر على موقفه وسأله مجددا: من يريده .. فأنا جلين كيبر!
.. وحين قرر الحلفاء تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في مايو 1944 قرروا اختيار أسماء سرية لمواقع الإنزال البحري. واتفقوا على اختيار أسماء كورية وإغريقية غريبة مثل "أوتوا" و "أوماها" و"نبتون".. الغريب فعلا أن محرر الكلمات المتقاطعة في صحيفة الديلي تلغراف اللندنية كامل هاورد أورد هذه الأسماء الثلاثة في الجريدة قبل أربعة أيام فقط من بدء الغزو السري. كانت مجرد مصادفة دعت المخابرات البريطانية إلى اختطافه واستجوابه معتقدة أنه جاسوس يسرب معلومات الإنزال للألمان من خلال الصحيفة (وحتى حين تأكدت من براءته لم تطلق سراحه إلا بعد اكتمال الإنزال العسكري في غرب فرنسا)!
.. بدون شك؛ مصادفات مركبة كهذه لا تحدث سوى مرة واحده في العمر.. لا يمكنها أن تحدث مرتين وثلاثا لأن هناك دائما مصادفة واحدة تتقدم الجميع في الغرابة وصعوبة التكرار.. ولكن.. رغم ندرتها وصعوبة تكرارها أكاد أجزم بإمكانية العثور على 30 مليون قصة مشابهة في السعودية وحدها.
الرياض