جائزة للأبحاث العلمية
جائزة للأبحاث العلمية..
عبد العزيز السماري
مما لا شك فيه أن الإنجاز الحقيقي في عصر التفوق الإنساني يكمن على وجه التحديد في قدرة الانتصار على معوقات التخلف الحضاري، فالإبداع هو سمة المجتمعات المتفوقة، والانتصار في المنافسة مع الأوطان الأخرى هو علامة على التطور ونتيجة لاهتمام الدولة به، وتأتي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للتفوق الرياضي في سياق البحث عن رفع شأن الوطن فوق الأمم، ولرفع مستويات الثقة عند المواطنين للعبور نحو النجومية في سماء لا تزال تبحث عن مزيد من النجوم..
كذلك كان الاهتمام بالتعليم الأكاديمي لافتاً للنظر في السنوات الأخيرة، فقد تم فتح جامعات في معظم مناطق المملكة، وتم إرسال آلاف الطلبة لاستكمال دراستهم العليا في أفضل الجامعات العالمية، لكن ما تعاني منه الأوطان العربية، وعلى وجه التحديد وطننا العزيز هو تدني كمية ونوعية البحوث العلمية، وتعتبر أنشطة البحث العلمي التي تجري في إطار المراكز والجامعات المحلية والعربية من أضعف الأنشطة البحثية في العالم، بسبب قلة عدد الباحثين والمختصين، وندرة تكوين فرق بحثية متكاملة، وانشغال عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس في الأعمال الإضافية..
كذلك تستحوذ الميزانيات والتنظيمات الإدارية على النصيب الأوفر من المخصصات الجامعية، وتلك أحد مثالب التنظيم الإداري في الجامعات العربية والمحلية، وقد أظهرت الدراسات أن إجمالي ما تنتجه الدول العربية من أبحاث علمية لا يتجاوز الخمسة عشر ألف بحث في العام، كذلك تعتبر الدول العربية من أقل الدول في العالم إنفاقاً على أبحاثها العلمية..
وبصريح العبارة نعتبر متخلفين بكل ما يعنيه مصطلح التخلف في مسألة البحث والإنتاج العلمي، فأصغر الدول الأوروبية تتجاوز معدلات إنفاقها على البحث العلمي وإنتاجه أضعاف ما نصرفه عليه، وسيكون ضرباً من المستحيل أن نقترب منهم ولو قليلاً إذا لم نأخذ الأمر كمهمة وطنية رئيسية، ومن أجل ذلك يجب أن يأخذ البحث العلمي حيزاً من الاهتمام كما هو الحال في الشؤون الأخرى، وعلينا أن نستدعي الفكر لكي يطرح استراتيجياته من أجل إخراج هذا التقهقر العلمي من بلادنا للأبد، وقد حدث شيئا من الحراك الإيجابي في بعض الجامعات، وتضاعفت ميزانيات البحث العلمي، وهو أمر لا يجب أن نتوقف عنده، فالأمر يحتاج إلى جهد إنساني مستمر من أجل دفع عجلة البحث العلمي إلى الأمام..
تحفل شراكة الأبحاث العالمية لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بشيء من الأمل، وذلك من خلال برنامج لتمويل الأبحاث العالمية، ومساعدة العلماء والباحثين العالميين من المؤسسات المرموقة على التعاون في حل المشكلات العلمية والتقنية الصعبة التي تواجه المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم، ومن المفترض أن تتداخل الأغراض الوطنية مع هذا البرنامج، وأن يشترط البرنامج تواجد باحثين سعوديين وفنيين مؤهلين ضمن طاقم البحث العلمي، وهو ما قد يسرع بنقل المعرفة وتقنيات البحث العلمي إلى الوطن، ويفتح الفرصة للأجيال السعودية القادمة في تبني البحث العلمي كحياة عملية، ولن يحدث هذا إلا إذا توافرت الضمانات الاجتماعية للباحث العلمي..
فتحت جائزة التفوق الرياضي الفكرة الرئيسية لكتابة هذا المقال، وكم أتمنى أن تفتح هذه الجائزة الباب على مصراعية من أجل استدعاء أفكار جديدة يكون في حافزها المادي شرارة النقلة السحرية التي ننتظر من أجل نقل البحث العلمي من أدنى مستوياته إلى أعلاه بإذن الله، وسيكون من الرائع أن تتبنى الدولة ممثلة في حرص واهتمام خادم الحرمين - حفظه الله - محفزات جديدة للتفوق العلمي في مجالات الأبحاث في العلوم الأساسية وغيرها من الأبحاث التي تحمل في نتائجها مكتشفات علمية جديدة، وعلى سبيل المثال أن يتم إقرار جائزة لأفضل عشرة أبحاث علمية سنوياً، ومنحة مالية عالية لأفضل ثلاث جامعات سعودية منتجة للبحث العلمي كماً ونوعاً.
المصدر: صحيفة الجزيرة