تعديل المناخ لم يعد ترفا
تعديل المناخ لم يعد ترفا
علي بن حسن التواتي
لا يستشعر كثيرون خطورة الصمت على التدهور المناخي في اجواء الأرض. ولعل ما يثير الحزن أكثر في النفوس أن أكبر الملوثين للجو والبيئة في العالم هم الأغنى والأقوى فهم من يقف عائقا في وجه تحقيق تقدم حقيقي للسيطرة على مأساة التدهور المناخي التي لم يعد السكوت عليها ممكنا. ويعود السبب في تقاعس الدول الصناعية الكبرى عن الالتزام بالمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي تم التوصل اليها في مؤتمرات سابقة إلى أن كلا منها لا ترغب في التضحية بنسبة من نموها الاقتصادي مهما صغرت من أجل المناخ لتدخل في تعقيدات سياسية واجتماعية قد تؤثر على استقرارها. ولذلك يحاول كل طرف أن يجبر الآخرين على تنظيف أجوائهم ويتجاهل مدى تلويثه هو لأجوائه وأجواء الآخرين، فالأجواء واحدة ومنفتحة بلا حدود ولا حواجز ومن الظلم أن يلوثها القوي ويتحمل الضعيف مسؤولية تنظيفها.
ولنتعرف على أهمية مؤتمرات المناخ وآخرها مؤتمر باريس يكفي أن نعرف أن غمامة من الدخان والانبعاثات الصناعية السامة تكاثفت فوق العاصمة الصينية بكين ظهيرة يوم الاثنين قبل الماضي لتجبر الحكومة على الطلب من المواطنين أن يبقوا في منازلهم، ذلك أن مستوى العوالق الملوثة للهواء وصل إلى (2.5 بي إم) ما يعني تجاوزه لحاجز (600) مايكروجرام (إم سي جي) في المتر المكعب. وبدون الدخول في التفاصيل العلمية يكفي ان نعرف أن هذا المستوى يزيد (24) مرة على مستوى الأمان المعتمد من منظمة الصحة العالمية في مدة (24) ساعة. وفي نفس التوقيت وليس ببعيد عن الصين فقد شهد سكان العاصمة الهندية دلهي أسوأ حالة ضباب دخاني فصلية انخفض فيها مدى الرؤية الأفقية لأقل من 800 متر. وقد ضرب مستوى التلوث العالي 2.5 بي إم معظم الأحياء ووصل مستوى 530 مايكروجرام/المتر المكعب.
واليوم يجتمع أكثر من 100 رئيس دولة و 40 ألفا آخرين في قمة المناخ في باريس (COP 21) وهو المختصر الذي تطلقه الأمم المتحدة على اللقاء السنوي للأعضاء الـ195 بغرض التوصل لبروتوكول إطاري جديد لمواجهة التغيرات المناخية تتحمل فيه كل دولة مسؤولياتها في تقليل التلوث بنسبة تتناسب مع انبعاثاتها.
ولعل أهم بروتوكول إطاري تم التوصل اليه منذ أول لقاء (برلين 1995) هو بروتوكول (كيوتو 1997) الذي ما زالت الدول الصناعية الكبرى تتردد بشأن الالتزام به، بل ان بعضها تنشر ارقاما وبيانات بعيدة جدا عن الحقيقة.
ولقد واجه المؤتمرون في باريس حقائق لا تقبل الجدل في مقدمتها أن حرارة الأرض قد ارتفعت درجة واحدة أو على وجه الدقة (0.85ْ) من الدرجة منذ 1880، وأن عام 2014 كان الأعلى حرارة في التاريخ المسجل وأن الفياضانات والأعاصير أصبحت أكثر تقاربا وأشد تدميرا.
ولذلك سيحاول المؤتمرون في باريس استكمال متطلبات اتفاق تم التفاهم بشأنه في مؤتمر سابق في 2010 لتخفيض حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين والتي كان من المفترض أن تنخفض 5 درجات منذ 1880 لولا تزايد الانبعاثات الصناعية المسببة للاحتباس الحراري.
وعلى كل حال فالعالم الآن في وضع أمثل للاتفاق ويرحب باعلان الاتحاد الأوربي عن اعتزامه تخفيض انبعاثاته الملوثة بنسبة 40% بحلول 2030 مقارنة بالمستويات التي بلغتها في 1990، وبإعلان الولايات المتحدة عن التزامها بتخفيض انبعاثاتها بين 26% و 28% بحلول عام 2025 مقارنة بعام 2005.
وحتى الصين والهند المعارضتان للتخفيض في ما مضى اصبحتا في وضع أقرب ما يكون للتصالح مع باقي دول العالم بشأن النسب اللازمة للتخفيض في انبعاثاتهما التي اصبح ضررها مشاهدا ومحسوسا اكثر من اي وقت مضى.
ويبقى الترحيب الأكبر من العالم بموقف المملكة العربية السعودية التي اعلنت خطة لم يتحدث عنها الاعلام كثيرا عند طرحها من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأول مرة في قمة العشرين الماضية بسبب طغيان الملفات الأمنية على أعمال القمة بسبب تفجيرات باريس والأوضاع الصعبة التي يمر بها العالم في مكافحة الإرهاب.
وتتمثل الخطة السعودية بالتعهد بتخفيض انبعاثات العوادم المسببة للاحتباس الحراري بمقدار (130) مليون طن بحلول عام 2030. وتنص الخطة السعودية على ان التخفيض سيكون من خلال اجراءات ترشيدية في استخدام الطاقة الأحفورية وتنويع مصادر الطاقة مع الحفاظ على نسب نمو اقتصادي مناسبة.
ويأتي الترحيب العالمي بمبادرة السعودية غير المتوقعة في الجهود العالمية لتخفيض حرارة الأرض وسلامة العيش فيها بصفتها الدولة الأعلى استهلاكا وتصديرا للنفط في العالم التي تعلن خطة طموحة قابلة للتطبيق من بين الدول النفطية التي ينتظر منها العالم قدرا أكبر من المساهمة.
ولذلك نأمل ألا تكتفي دول العالم بالإعلان عن خططها بل تتعدى ذلك للالتزام بها لأن تصحيح حالة المناخ لم يعد ترفا بقدر ما اصبح مسألة حياة او موت لمختلف الأحياء على وجه الأرض.
عكاظ
علي بن حسن التواتي
لا يستشعر كثيرون خطورة الصمت على التدهور المناخي في اجواء الأرض. ولعل ما يثير الحزن أكثر في النفوس أن أكبر الملوثين للجو والبيئة في العالم هم الأغنى والأقوى فهم من يقف عائقا في وجه تحقيق تقدم حقيقي للسيطرة على مأساة التدهور المناخي التي لم يعد السكوت عليها ممكنا. ويعود السبب في تقاعس الدول الصناعية الكبرى عن الالتزام بالمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي تم التوصل اليها في مؤتمرات سابقة إلى أن كلا منها لا ترغب في التضحية بنسبة من نموها الاقتصادي مهما صغرت من أجل المناخ لتدخل في تعقيدات سياسية واجتماعية قد تؤثر على استقرارها. ولذلك يحاول كل طرف أن يجبر الآخرين على تنظيف أجوائهم ويتجاهل مدى تلويثه هو لأجوائه وأجواء الآخرين، فالأجواء واحدة ومنفتحة بلا حدود ولا حواجز ومن الظلم أن يلوثها القوي ويتحمل الضعيف مسؤولية تنظيفها.
ولنتعرف على أهمية مؤتمرات المناخ وآخرها مؤتمر باريس يكفي أن نعرف أن غمامة من الدخان والانبعاثات الصناعية السامة تكاثفت فوق العاصمة الصينية بكين ظهيرة يوم الاثنين قبل الماضي لتجبر الحكومة على الطلب من المواطنين أن يبقوا في منازلهم، ذلك أن مستوى العوالق الملوثة للهواء وصل إلى (2.5 بي إم) ما يعني تجاوزه لحاجز (600) مايكروجرام (إم سي جي) في المتر المكعب. وبدون الدخول في التفاصيل العلمية يكفي ان نعرف أن هذا المستوى يزيد (24) مرة على مستوى الأمان المعتمد من منظمة الصحة العالمية في مدة (24) ساعة. وفي نفس التوقيت وليس ببعيد عن الصين فقد شهد سكان العاصمة الهندية دلهي أسوأ حالة ضباب دخاني فصلية انخفض فيها مدى الرؤية الأفقية لأقل من 800 متر. وقد ضرب مستوى التلوث العالي 2.5 بي إم معظم الأحياء ووصل مستوى 530 مايكروجرام/المتر المكعب.
واليوم يجتمع أكثر من 100 رئيس دولة و 40 ألفا آخرين في قمة المناخ في باريس (COP 21) وهو المختصر الذي تطلقه الأمم المتحدة على اللقاء السنوي للأعضاء الـ195 بغرض التوصل لبروتوكول إطاري جديد لمواجهة التغيرات المناخية تتحمل فيه كل دولة مسؤولياتها في تقليل التلوث بنسبة تتناسب مع انبعاثاتها.
ولعل أهم بروتوكول إطاري تم التوصل اليه منذ أول لقاء (برلين 1995) هو بروتوكول (كيوتو 1997) الذي ما زالت الدول الصناعية الكبرى تتردد بشأن الالتزام به، بل ان بعضها تنشر ارقاما وبيانات بعيدة جدا عن الحقيقة.
ولقد واجه المؤتمرون في باريس حقائق لا تقبل الجدل في مقدمتها أن حرارة الأرض قد ارتفعت درجة واحدة أو على وجه الدقة (0.85ْ) من الدرجة منذ 1880، وأن عام 2014 كان الأعلى حرارة في التاريخ المسجل وأن الفياضانات والأعاصير أصبحت أكثر تقاربا وأشد تدميرا.
ولذلك سيحاول المؤتمرون في باريس استكمال متطلبات اتفاق تم التفاهم بشأنه في مؤتمر سابق في 2010 لتخفيض حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين والتي كان من المفترض أن تنخفض 5 درجات منذ 1880 لولا تزايد الانبعاثات الصناعية المسببة للاحتباس الحراري.
وعلى كل حال فالعالم الآن في وضع أمثل للاتفاق ويرحب باعلان الاتحاد الأوربي عن اعتزامه تخفيض انبعاثاته الملوثة بنسبة 40% بحلول 2030 مقارنة بالمستويات التي بلغتها في 1990، وبإعلان الولايات المتحدة عن التزامها بتخفيض انبعاثاتها بين 26% و 28% بحلول عام 2025 مقارنة بعام 2005.
وحتى الصين والهند المعارضتان للتخفيض في ما مضى اصبحتا في وضع أقرب ما يكون للتصالح مع باقي دول العالم بشأن النسب اللازمة للتخفيض في انبعاثاتهما التي اصبح ضررها مشاهدا ومحسوسا اكثر من اي وقت مضى.
ويبقى الترحيب الأكبر من العالم بموقف المملكة العربية السعودية التي اعلنت خطة لم يتحدث عنها الاعلام كثيرا عند طرحها من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأول مرة في قمة العشرين الماضية بسبب طغيان الملفات الأمنية على أعمال القمة بسبب تفجيرات باريس والأوضاع الصعبة التي يمر بها العالم في مكافحة الإرهاب.
وتتمثل الخطة السعودية بالتعهد بتخفيض انبعاثات العوادم المسببة للاحتباس الحراري بمقدار (130) مليون طن بحلول عام 2030. وتنص الخطة السعودية على ان التخفيض سيكون من خلال اجراءات ترشيدية في استخدام الطاقة الأحفورية وتنويع مصادر الطاقة مع الحفاظ على نسب نمو اقتصادي مناسبة.
ويأتي الترحيب العالمي بمبادرة السعودية غير المتوقعة في الجهود العالمية لتخفيض حرارة الأرض وسلامة العيش فيها بصفتها الدولة الأعلى استهلاكا وتصديرا للنفط في العالم التي تعلن خطة طموحة قابلة للتطبيق من بين الدول النفطية التي ينتظر منها العالم قدرا أكبر من المساهمة.
ولذلك نأمل ألا تكتفي دول العالم بالإعلان عن خططها بل تتعدى ذلك للالتزام بها لأن تصحيح حالة المناخ لم يعد ترفا بقدر ما اصبح مسألة حياة او موت لمختلف الأحياء على وجه الأرض.
عكاظ