الهندسة الوراثية للخلايا المناعية.. مستقبل علاج السرطان
الهندسة الوراثية للخلايا المناعية.. مستقبل علاج السرطان
د. مروان بن ياسين شاهين
لسنوات عديدة كانت الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي الأركان الثلاثة لعلاج السرطان وبقي الحال كذلك حتى اكتشفت العلاجات الموجهة، والتي أحدثت ثورة في علاج العديد من الأورام وذلك باستهدافها الطفرة الجينية المسببة للمرض وتخميدها، ومن أهمها علاج الإيماتينيب، وقد بدأ استخدام هذا الدواء عام ٢٠٠١ م لعلاج ابيضاض الدم المزمن فعلى المريض أخذ هذا الدواء عن طريق الفم يومياً لسنوات عديدة لأن ايقافه قد يؤدي لعودة المرض. ليصبح العلاج القياسي وبديلاً لزراعة النخاع العظمي للمصابين بهذا المرض بنسبة شفاء وصلت 90% من دون الحاجة للعلاج الكيميائي أو لزراعة النخاع العظمي.
والعلاجات المستهدفة تطورت ونجحت في العديد من الأورام الصلبة أيضاً كسرطان الثدي والرئة والجلد وغيرها، وظن البعض أنها الأقوى وأن المستقبل لها حتى ظهر العلاج المناعي.
وقد اتجهت أنظار العلماء في يومنا هذا للعلاج المناعي والذي يسخر قوة الجهاز المناعي لدى المريض لمكافحة مرضه وبات يوصف هذا العلاج بين أوساط الباحثين “بالركن الخامس” لعلاج السرطان، وعلى مر السنين أثبت العلاج بتكييف الخلايا فعاليته، وذلك من خلال التطورالسريع في تطبيقه في الدراسات السريرية، وتحقيق نتائج مبهرة مما جعل منه المستقبل لعلاج السرطان.
ومبدأ تسخير قوة الجهاز المناعي لمكافحة السرطان يطبق منذ أربعة عقود بزراعة النخاع العظمي من متبرع شقيق أو من متبرع غير قريب، حيث يتعرف الجهاز المناعي بعد الزراعة على الخلايا الجديدة على أنها غريبة عليه، فيهاجمها مع الخلايا السرطانية مناعياً، مما ساعد آلاف المرضى على الشفاء من العديد من سرطانات الدم على مدى تلك العقود، ولكن للزراعة متطلبات كتوفر متبرع متطابق وتحديات أخرى لم تنطبق على شريحة ليست بقليلة من المرضى فكان مصيرهم الاستسلام للمرض بعد نفاذ الخيارات العلاجية المتاحة وقتها.
أما فيما يخص الهندسة الوراثية المناعية فقد نجح فريق طبي في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة بنسلفانيا من تطبيق هندسة الخلايا المناعية وراثياً باستخدام ناقل فيروسي جديد وبرمجتها ضد الخلايا السرطانية في جسم المريض نفسه، وجرب هذا الأسلوب العلاجي الجديد بأبحاث سريرية على نطاق ضيق منها على سبيل المثال مرضى سرطان (ابيضاض) الدم الحاد الليمفاوي والذين لم يستجيبوا للعلاج الكيميائي أو عاد مرضهم بعد زراعة النخاع العظمي، وتقدم السرطان في أجسادهم، وانقطع لديهم أمل الشفاء بعد انقطاع الخيارات العلاجية، وقد ظهرت النتائج التي أبهرت العالم فيما بعد بحدوث استجابة سريعة واختفاء الخلايا السرطانية نهائياً مما مكن العديد من هؤلاء المرضى من العيش بدون سرطان لفترات طويلة، ونشرت خلال الأربع سنوات الماضية دراسات أخرى اعطت نتائج واعدة، في علاج السرطانات الليمفاوية وسرطان المبيض وأورام الخلايا الأولية العصبية ونوع من سرطان الجلد، أجريت أيضاً باستخدام الهندسة المناعية الوراثية، والتي أكدت أهمية هذا المبدأ العلاجي وقدرته باذن الله على القضاء على العديد من أنواع الخلايا السرطانية بصورة سريعة وفعالة.
أما عن كيفية الهندسة الوراثية، فإن هندسة الخلايا المناعية وراثياً تشبه اعطاء المريض لعلاج “حي “ فهذه الخلايا تستمر ببناء مستقبلات خاصة على سطحها تعرف بمستقبلات المُسْتَضِد المُصَنَّعة Chimeric Antigen Receptors (CARs)، فبعد أخذ الخلايا المناعية من النوع T-cell من دم المريض تخضع هذه الخلايا لإعادة برمجة وراثية لِتُنْتِج مستقبلات المُسْتَضِد والتي تُبَرْمَج ضد نوع معين من المستضدات الموجودة على سطح الخلايا السرطانية بواسطة ناقل خاص (كفيروس مثلاً) وتنمو في المختبر حتى يصل عددها البلايين وتسمى CART-cells، بعد ذلك تحقن للمريض وتستمر بالتكاثر داخل جسم المريض وأثناء وجودها ووفقاً لبرمجتها السابقة تتعرف وتقتل الخلايا السرطانية الحاملة للمستضدات على سطحها.
ويَعْتَبِرُ العديد من الأطباء الباحثين في هذا المجال أن العلاج المناعي الجديد هو أقوى ما توصل إليه العلم في هذا المجال حتى الآن وأنه في غضون أشهر أو سنين قليلة سيصبح العلاج القياسي لسرطانات الدم من الخلايا “ب”، مثل ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد والمزمن، فالأشخاص الذين لم يستجيبوا للعلاج الكيميائي أو عاد إليهم المرض بعد زراعة النخاع العظمي حقق هذا العلاج المناعي ل 90% منهم شفاءً باختفاء الخلايا السرطانية.
وعن الأعراض الجانبية للعلاج ب CART، فقد تحدث بعض الأعراض الجانبية من أهمها متلازمة إطلاق السموم من الخلايا Cytokine - Release Syndrome، فبعد حقن خلايا CART-cells تنتج بقايا سموم كيميائية تطلق للدورة الدموية بشكل سريع وتزيد هذه السموم بزيادة استفحال الخلايا السرطانية قبل العلاج ٍولوحظ وجود مؤشرات التهابات مصاحبة لهذه السموم مما يستلزم دخول بعض المرضى لوحدة العناية المركزة للمراقبة واستخدام مضادات للالتهابات.
وتتسابق المراكز العالمية بتبني هذا العلاج لما رأوه من نتائج مبهرة من العديد من الدراسات السريرية، ومعظم هذه المراكز حالياً بالولايات المتحدة الأميركية ويتم العمل الآن على إيجاد مستقبلات لمستضدات متنوعة ليشمل هذا العلاج أمراض سرطانية أكثر ونتج عن هذا الجيل الثاني والجيل الثالث من CART، والفرق بينهما في تعقيد البرمجة، واستخدام ناقلات متعددة، وتجربة العديد من المستضدات على جدار الخلايا، كل هذا لتعميم النتائج وضمان فعاليتها.
وفي الوقت الحالي يوجد أكثر من عشرة مراكز عالمية تستقبل المرضى الذين تنطبق عليهم شروط أهلية القبول لضمهم للدراسات السريرية المتعددة.
كذلك أبدت العديد من شركات الأدوية العالمية شغفاً للاستثمار بهذا الأسلوب العلاجي بتمويل مختبرات كبيرة لإنتاج CART محدد لكل مريض ففي المستقبل سيتم إرسال عينة الدم لأحد هذه المختبرات والتي ستعمل على انتاج الخلايا المناعية المبرمجة ضد السرطان المعين ثم يحقن بها المريض ويراقب بعد حقنه بالخلايا لفترة وجيزة ويشفى بإذن الله. قال تعالى “ وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا “.
الرياض
د. مروان بن ياسين شاهين
لسنوات عديدة كانت الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي الأركان الثلاثة لعلاج السرطان وبقي الحال كذلك حتى اكتشفت العلاجات الموجهة، والتي أحدثت ثورة في علاج العديد من الأورام وذلك باستهدافها الطفرة الجينية المسببة للمرض وتخميدها، ومن أهمها علاج الإيماتينيب، وقد بدأ استخدام هذا الدواء عام ٢٠٠١ م لعلاج ابيضاض الدم المزمن فعلى المريض أخذ هذا الدواء عن طريق الفم يومياً لسنوات عديدة لأن ايقافه قد يؤدي لعودة المرض. ليصبح العلاج القياسي وبديلاً لزراعة النخاع العظمي للمصابين بهذا المرض بنسبة شفاء وصلت 90% من دون الحاجة للعلاج الكيميائي أو لزراعة النخاع العظمي.
والعلاجات المستهدفة تطورت ونجحت في العديد من الأورام الصلبة أيضاً كسرطان الثدي والرئة والجلد وغيرها، وظن البعض أنها الأقوى وأن المستقبل لها حتى ظهر العلاج المناعي.
وقد اتجهت أنظار العلماء في يومنا هذا للعلاج المناعي والذي يسخر قوة الجهاز المناعي لدى المريض لمكافحة مرضه وبات يوصف هذا العلاج بين أوساط الباحثين “بالركن الخامس” لعلاج السرطان، وعلى مر السنين أثبت العلاج بتكييف الخلايا فعاليته، وذلك من خلال التطورالسريع في تطبيقه في الدراسات السريرية، وتحقيق نتائج مبهرة مما جعل منه المستقبل لعلاج السرطان.
ومبدأ تسخير قوة الجهاز المناعي لمكافحة السرطان يطبق منذ أربعة عقود بزراعة النخاع العظمي من متبرع شقيق أو من متبرع غير قريب، حيث يتعرف الجهاز المناعي بعد الزراعة على الخلايا الجديدة على أنها غريبة عليه، فيهاجمها مع الخلايا السرطانية مناعياً، مما ساعد آلاف المرضى على الشفاء من العديد من سرطانات الدم على مدى تلك العقود، ولكن للزراعة متطلبات كتوفر متبرع متطابق وتحديات أخرى لم تنطبق على شريحة ليست بقليلة من المرضى فكان مصيرهم الاستسلام للمرض بعد نفاذ الخيارات العلاجية المتاحة وقتها.
أما فيما يخص الهندسة الوراثية المناعية فقد نجح فريق طبي في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة بنسلفانيا من تطبيق هندسة الخلايا المناعية وراثياً باستخدام ناقل فيروسي جديد وبرمجتها ضد الخلايا السرطانية في جسم المريض نفسه، وجرب هذا الأسلوب العلاجي الجديد بأبحاث سريرية على نطاق ضيق منها على سبيل المثال مرضى سرطان (ابيضاض) الدم الحاد الليمفاوي والذين لم يستجيبوا للعلاج الكيميائي أو عاد مرضهم بعد زراعة النخاع العظمي، وتقدم السرطان في أجسادهم، وانقطع لديهم أمل الشفاء بعد انقطاع الخيارات العلاجية، وقد ظهرت النتائج التي أبهرت العالم فيما بعد بحدوث استجابة سريعة واختفاء الخلايا السرطانية نهائياً مما مكن العديد من هؤلاء المرضى من العيش بدون سرطان لفترات طويلة، ونشرت خلال الأربع سنوات الماضية دراسات أخرى اعطت نتائج واعدة، في علاج السرطانات الليمفاوية وسرطان المبيض وأورام الخلايا الأولية العصبية ونوع من سرطان الجلد، أجريت أيضاً باستخدام الهندسة المناعية الوراثية، والتي أكدت أهمية هذا المبدأ العلاجي وقدرته باذن الله على القضاء على العديد من أنواع الخلايا السرطانية بصورة سريعة وفعالة.
أما عن كيفية الهندسة الوراثية، فإن هندسة الخلايا المناعية وراثياً تشبه اعطاء المريض لعلاج “حي “ فهذه الخلايا تستمر ببناء مستقبلات خاصة على سطحها تعرف بمستقبلات المُسْتَضِد المُصَنَّعة Chimeric Antigen Receptors (CARs)، فبعد أخذ الخلايا المناعية من النوع T-cell من دم المريض تخضع هذه الخلايا لإعادة برمجة وراثية لِتُنْتِج مستقبلات المُسْتَضِد والتي تُبَرْمَج ضد نوع معين من المستضدات الموجودة على سطح الخلايا السرطانية بواسطة ناقل خاص (كفيروس مثلاً) وتنمو في المختبر حتى يصل عددها البلايين وتسمى CART-cells، بعد ذلك تحقن للمريض وتستمر بالتكاثر داخل جسم المريض وأثناء وجودها ووفقاً لبرمجتها السابقة تتعرف وتقتل الخلايا السرطانية الحاملة للمستضدات على سطحها.
ويَعْتَبِرُ العديد من الأطباء الباحثين في هذا المجال أن العلاج المناعي الجديد هو أقوى ما توصل إليه العلم في هذا المجال حتى الآن وأنه في غضون أشهر أو سنين قليلة سيصبح العلاج القياسي لسرطانات الدم من الخلايا “ب”، مثل ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد والمزمن، فالأشخاص الذين لم يستجيبوا للعلاج الكيميائي أو عاد إليهم المرض بعد زراعة النخاع العظمي حقق هذا العلاج المناعي ل 90% منهم شفاءً باختفاء الخلايا السرطانية.
وعن الأعراض الجانبية للعلاج ب CART، فقد تحدث بعض الأعراض الجانبية من أهمها متلازمة إطلاق السموم من الخلايا Cytokine - Release Syndrome، فبعد حقن خلايا CART-cells تنتج بقايا سموم كيميائية تطلق للدورة الدموية بشكل سريع وتزيد هذه السموم بزيادة استفحال الخلايا السرطانية قبل العلاج ٍولوحظ وجود مؤشرات التهابات مصاحبة لهذه السموم مما يستلزم دخول بعض المرضى لوحدة العناية المركزة للمراقبة واستخدام مضادات للالتهابات.
وتتسابق المراكز العالمية بتبني هذا العلاج لما رأوه من نتائج مبهرة من العديد من الدراسات السريرية، ومعظم هذه المراكز حالياً بالولايات المتحدة الأميركية ويتم العمل الآن على إيجاد مستقبلات لمستضدات متنوعة ليشمل هذا العلاج أمراض سرطانية أكثر ونتج عن هذا الجيل الثاني والجيل الثالث من CART، والفرق بينهما في تعقيد البرمجة، واستخدام ناقلات متعددة، وتجربة العديد من المستضدات على جدار الخلايا، كل هذا لتعميم النتائج وضمان فعاليتها.
وفي الوقت الحالي يوجد أكثر من عشرة مراكز عالمية تستقبل المرضى الذين تنطبق عليهم شروط أهلية القبول لضمهم للدراسات السريرية المتعددة.
كذلك أبدت العديد من شركات الأدوية العالمية شغفاً للاستثمار بهذا الأسلوب العلاجي بتمويل مختبرات كبيرة لإنتاج CART محدد لكل مريض ففي المستقبل سيتم إرسال عينة الدم لأحد هذه المختبرات والتي ستعمل على انتاج الخلايا المناعية المبرمجة ضد السرطان المعين ثم يحقن بها المريض ويراقب بعد حقنه بالخلايا لفترة وجيزة ويشفى بإذن الله. قال تعالى “ وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا “.
الرياض