اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي
اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي
د. أحلام محمد علاقي
انتشرت بالنت صورة طفل فقير، نائم بالشارع وأمامه فرشاة وأدوات لتنظيف الأحذية، ويبدو أنه ينظف أحذية الناس لجني القليل من المال فغالبه النعاس ونام. والطفل صغير جدا لم يبلغ السادسة من عمره! وملابسه ووجهه معفران بالتراب، وكان التعليق على الصورة أكثر إيلاما من منظر الطفل: «إلى الذين يتباهون بكثرة الحج والعمرة والطواف بالكعبة... طوفوا حول الفقراء، حتما ستجدون الله عند كل فقير».
ناقشتني إحداهن فقالت: «لا يعجبني هذا التعليق، وأرفض أن تغلبنا العاطفة فنجزم أن مساعدة الناس تقربنا من الله أكثر من العبادة، وأنا شخصيا لا أحب مساعدة الناس بتاتا، فالتقرب لله بالعبادة في رأيي أهم، فالناس نكارون لا فائدة منهم والخير عند الله فقط».
فقلت لها: أحب العباد إلى الله أنفعهم للناس، ألم يحضنا الله على إطعام المسكين، وتفريج كربة المعسر، وجعل لذلك ثوابا عظيما؟ وهل نسيتِ الحديث القدسي الذي رواه ابو هُرَيْرَةَ عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. فَيَقُولُ: كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ، وَلَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟».
وفكرة أن الإنسان يجد الله «مجازيا» عند كل ملهوف ليست إسلامية فقط، وإنما بكل الأديان السماوية، وسمعت بالتلفزيون تفسيرا للتوراة بالفكرة نفسها، ولدي صديقة كاثوليكية حدثتني عن ذلك بالمسيحية، وأشارت لإنجيل متى، 31-45 ،القائل بأن المذنبون سيقفون يوم القيامة إلى اليسار، وسيخاطبهم الله قائلا لهم بأنهم وجدوه جائعا فلم يطعموه ووجدوه عطشانا فلم يسقوه فدهشوا، فقال لهم إنهم لو أطعموا وسقوا وعادوا المريض لوجدوه عنده.
أتمنى أن نخرج من الانغلاق الفكري الكارثي الذي نحيا فيه، لنبحث عن جوهر العبادات وحكمة مشروعيتها، فمعظمها شرعت للإحساس بالآخر، ولتهذيب الخلق والتعاون، ووحدة الصف بالمجتمع، فالصلاة الجماعية توحد المسلمين وتنظمهم، وتقربهم، فإن غاب أحدهم من المسجد يسأل عنه الآخرون، فلا يموت مهملا مثلما يحدث ببعض الثقافات، ولا يدل الناس عليه إلا كلب ينبح أو بريد يطفح بالرسائل أو رائحة نتنه، والزكاة شرعت لنشر العدل الاجتماعي، وزرع المودة ونزع الحقد، والصيام تذكير بالجوع والفقر والإحسان، والحج يساوي بين الناس ويحجمهم كعباد لرب واحد يتجردون من زينة الدنيا بصحراء جرداء.
الله أقرب إلينا مما نتوقع، فهو في كل مكان، فلننظر حولنا، ولنبحث عمن يحتاج لمساعدتنا هذا اليوم.
عكاظ
د. أحلام محمد علاقي
انتشرت بالنت صورة طفل فقير، نائم بالشارع وأمامه فرشاة وأدوات لتنظيف الأحذية، ويبدو أنه ينظف أحذية الناس لجني القليل من المال فغالبه النعاس ونام. والطفل صغير جدا لم يبلغ السادسة من عمره! وملابسه ووجهه معفران بالتراب، وكان التعليق على الصورة أكثر إيلاما من منظر الطفل: «إلى الذين يتباهون بكثرة الحج والعمرة والطواف بالكعبة... طوفوا حول الفقراء، حتما ستجدون الله عند كل فقير».
ناقشتني إحداهن فقالت: «لا يعجبني هذا التعليق، وأرفض أن تغلبنا العاطفة فنجزم أن مساعدة الناس تقربنا من الله أكثر من العبادة، وأنا شخصيا لا أحب مساعدة الناس بتاتا، فالتقرب لله بالعبادة في رأيي أهم، فالناس نكارون لا فائدة منهم والخير عند الله فقط».
فقلت لها: أحب العباد إلى الله أنفعهم للناس، ألم يحضنا الله على إطعام المسكين، وتفريج كربة المعسر، وجعل لذلك ثوابا عظيما؟ وهل نسيتِ الحديث القدسي الذي رواه ابو هُرَيْرَةَ عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. فَيَقُولُ: كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ، وَلَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟».
وفكرة أن الإنسان يجد الله «مجازيا» عند كل ملهوف ليست إسلامية فقط، وإنما بكل الأديان السماوية، وسمعت بالتلفزيون تفسيرا للتوراة بالفكرة نفسها، ولدي صديقة كاثوليكية حدثتني عن ذلك بالمسيحية، وأشارت لإنجيل متى، 31-45 ،القائل بأن المذنبون سيقفون يوم القيامة إلى اليسار، وسيخاطبهم الله قائلا لهم بأنهم وجدوه جائعا فلم يطعموه ووجدوه عطشانا فلم يسقوه فدهشوا، فقال لهم إنهم لو أطعموا وسقوا وعادوا المريض لوجدوه عنده.
أتمنى أن نخرج من الانغلاق الفكري الكارثي الذي نحيا فيه، لنبحث عن جوهر العبادات وحكمة مشروعيتها، فمعظمها شرعت للإحساس بالآخر، ولتهذيب الخلق والتعاون، ووحدة الصف بالمجتمع، فالصلاة الجماعية توحد المسلمين وتنظمهم، وتقربهم، فإن غاب أحدهم من المسجد يسأل عنه الآخرون، فلا يموت مهملا مثلما يحدث ببعض الثقافات، ولا يدل الناس عليه إلا كلب ينبح أو بريد يطفح بالرسائل أو رائحة نتنه، والزكاة شرعت لنشر العدل الاجتماعي، وزرع المودة ونزع الحقد، والصيام تذكير بالجوع والفقر والإحسان، والحج يساوي بين الناس ويحجمهم كعباد لرب واحد يتجردون من زينة الدنيا بصحراء جرداء.
الله أقرب إلينا مما نتوقع، فهو في كل مكان، فلننظر حولنا، ولنبحث عمن يحتاج لمساعدتنا هذا اليوم.
عكاظ