الحج ووحدة المسلمين
الحج ووحدة المسلمين
أ. د. طلال علي زارع
يستقبل المسلمون في هذه الأيام موسم الحج، يتاجرون فيه التجارة الرابحة بالأعمال الصالحة، وهو موسم يتكرر كل عام. والحج هو ركن الإسلام الخامس، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران: 97]. وجعل الله الحج إلى بيته العتيق مطهرا لنفوس عباده من الذنوب والآثام. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من اتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه».
الحج هو الاجتماع الديني العالمي للمسلمين اظهارا لقوتهم وكثرتهم ووحدتهم وتآلفهم وتعارفهم وتدارس مشاكلهم، وتعلّمهم أحكام دينهم وعقيدتهم، ويستشعر الحجاج هذه المعاني العظيمة وهم يرددون: (لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك). ومن المنافع ايضا ازالة الفوارق بين المسلمين وبيان انهم أمة واحدة لافضل لعربيهم على أعجميهم ولا لأبيضهم على أسودهم ولا لغنيهم على فقيرهم، وكذلك تربية النفوس على تحمل المشاق في سفر الحج وتنقلاته، وتربيتها على البذل والانفاق والتواضع والشفقة والرحمة بالضعفاء والمساكين في مواطن الزحام والبساطة في الملبس والمأكل.. وتهذيب الاخلاق بالتزام الافعال والاقوال الحميدة المفيدة وهجر الافعال والأقوال الذميمة، قال تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله).
وتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحج هو المكان الانسب لاعلان كل الامور والقرارات الهامة في الاسلام. ففي خطبة حجة الوداع، اراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ان يعرف الناس بمقتضيات الدين الاساسية قبيل وفاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم واموالكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد فمن كانت عنده امانة فليؤدها الى الذي إئتمنه عليها» وقوله «ايها الناس، إنما المؤمنون اخوة، ولايحل لامرئ مسلم مال اخيه الا عن طيب نفس منه، الا هل بلغت؟ اللهم اشهد!. فلاترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض! فإني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لم تضلوا بعده، كتاب الله. الا هل بلغت؟ اللهم اشهد!! ايها الناس، ان ربكم واحد، وان اباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. اكرمكم عند الله اتقاكم، إن الله عليم خبير. وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى. الا هل بلغت؟ اللهم اشهدً».
ومن الجوانب الظاهرة لهذا النظام العظيم الذي يربي على الوحدة التي تقوم على اساس العقيدة الواحدة والاسلام الوسط، انه يطلب من الكل ان يرتدوا لباسا واحدا بسيطا -لباس الاحرام المشترك- فيزول هنا الفرق بينهم، فالكل عباد الله ولا وضع لهم سوى وضع العبودية لله. وهم يعودون بإحساس بأنه مهما كانت الفروق الجغرافية والقومية والاجتماعية بينهم، الا انه يجب عليهم ان يسلكوا طريق النبي الواحد، ومهما بلغ عددهم ومهما تمايزوا عن بعضهم البعض، الا ان الههم واحد ورسولهم واحد. فالحج بمختلف مشاعره ومناسكه يعطينا دروس الاجتماعية المركزية.. وتعلمنا مناسك الحج المختلفة بأسلوب او بآخر ان نتحد. فطواف الحاج توحيد، وكذلك سعيه ووقوفه يوم عرفة ومبيته عند المشعر الحرام ورميه الجمار.
فما الذي يمنع توحد المسلمين واجتماعهم؟ فها هم ملايين الحجاج اليوم يجتمعون في بقعة واحدة وقبلتهم واحدة ومقصدهم واحد ويتجهون الى إلاه واحد؟! ولو استفادت الامة الاسلامية من الحج كما ينبغي لنهضوا وتغيرت احوالهم ونبذوا الفرقة والتنازع.. يجب ان تبعث الاخوة الاسلامية والعلاقة الربانية بين المسلمين من جديد وأن يكون هذا شعارهم حتى يعوا هذا النداء المجلجل في كتاب ربهم قال تعالى: (انما المؤمنون اخوة) [الحجرات:10]، وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنت بعضهم اولياء بعض) [التوبة:71].
ويروى ان المهلب بن ابي صفرة لما اشرف على الوفاة، استدعى ابناءه السبعة.. ثم امرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم ان يكسروها، فلم يقدر احد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا ان مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضا، لاينال منكم اعداؤكم غرضا، اما اذا اختلفتم وتفرقتم، فانه يضعف امركم، ويتمكن منكم اعداؤكم، ويصيبكم ما اصاب الرماح:
كونوا جميعا يا بني اذا اعترى خطب
ولا تتفرقوا احادا
تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا
واذا افترقن تكسرت افرادا
عكاظ
أ. د. طلال علي زارع
يستقبل المسلمون في هذه الأيام موسم الحج، يتاجرون فيه التجارة الرابحة بالأعمال الصالحة، وهو موسم يتكرر كل عام. والحج هو ركن الإسلام الخامس، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران: 97]. وجعل الله الحج إلى بيته العتيق مطهرا لنفوس عباده من الذنوب والآثام. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من اتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه».
الحج هو الاجتماع الديني العالمي للمسلمين اظهارا لقوتهم وكثرتهم ووحدتهم وتآلفهم وتعارفهم وتدارس مشاكلهم، وتعلّمهم أحكام دينهم وعقيدتهم، ويستشعر الحجاج هذه المعاني العظيمة وهم يرددون: (لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك). ومن المنافع ايضا ازالة الفوارق بين المسلمين وبيان انهم أمة واحدة لافضل لعربيهم على أعجميهم ولا لأبيضهم على أسودهم ولا لغنيهم على فقيرهم، وكذلك تربية النفوس على تحمل المشاق في سفر الحج وتنقلاته، وتربيتها على البذل والانفاق والتواضع والشفقة والرحمة بالضعفاء والمساكين في مواطن الزحام والبساطة في الملبس والمأكل.. وتهذيب الاخلاق بالتزام الافعال والاقوال الحميدة المفيدة وهجر الافعال والأقوال الذميمة، قال تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله).
وتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحج هو المكان الانسب لاعلان كل الامور والقرارات الهامة في الاسلام. ففي خطبة حجة الوداع، اراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ان يعرف الناس بمقتضيات الدين الاساسية قبيل وفاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم واموالكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد فمن كانت عنده امانة فليؤدها الى الذي إئتمنه عليها» وقوله «ايها الناس، إنما المؤمنون اخوة، ولايحل لامرئ مسلم مال اخيه الا عن طيب نفس منه، الا هل بلغت؟ اللهم اشهد!. فلاترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض! فإني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لم تضلوا بعده، كتاب الله. الا هل بلغت؟ اللهم اشهد!! ايها الناس، ان ربكم واحد، وان اباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. اكرمكم عند الله اتقاكم، إن الله عليم خبير. وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى. الا هل بلغت؟ اللهم اشهدً».
ومن الجوانب الظاهرة لهذا النظام العظيم الذي يربي على الوحدة التي تقوم على اساس العقيدة الواحدة والاسلام الوسط، انه يطلب من الكل ان يرتدوا لباسا واحدا بسيطا -لباس الاحرام المشترك- فيزول هنا الفرق بينهم، فالكل عباد الله ولا وضع لهم سوى وضع العبودية لله. وهم يعودون بإحساس بأنه مهما كانت الفروق الجغرافية والقومية والاجتماعية بينهم، الا انه يجب عليهم ان يسلكوا طريق النبي الواحد، ومهما بلغ عددهم ومهما تمايزوا عن بعضهم البعض، الا ان الههم واحد ورسولهم واحد. فالحج بمختلف مشاعره ومناسكه يعطينا دروس الاجتماعية المركزية.. وتعلمنا مناسك الحج المختلفة بأسلوب او بآخر ان نتحد. فطواف الحاج توحيد، وكذلك سعيه ووقوفه يوم عرفة ومبيته عند المشعر الحرام ورميه الجمار.
فما الذي يمنع توحد المسلمين واجتماعهم؟ فها هم ملايين الحجاج اليوم يجتمعون في بقعة واحدة وقبلتهم واحدة ومقصدهم واحد ويتجهون الى إلاه واحد؟! ولو استفادت الامة الاسلامية من الحج كما ينبغي لنهضوا وتغيرت احوالهم ونبذوا الفرقة والتنازع.. يجب ان تبعث الاخوة الاسلامية والعلاقة الربانية بين المسلمين من جديد وأن يكون هذا شعارهم حتى يعوا هذا النداء المجلجل في كتاب ربهم قال تعالى: (انما المؤمنون اخوة) [الحجرات:10]، وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنت بعضهم اولياء بعض) [التوبة:71].
ويروى ان المهلب بن ابي صفرة لما اشرف على الوفاة، استدعى ابناءه السبعة.. ثم امرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم ان يكسروها، فلم يقدر احد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا ان مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضا، لاينال منكم اعداؤكم غرضا، اما اذا اختلفتم وتفرقتم، فانه يضعف امركم، ويتمكن منكم اعداؤكم، ويصيبكم ما اصاب الرماح:
كونوا جميعا يا بني اذا اعترى خطب
ولا تتفرقوا احادا
تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا
واذا افترقن تكسرت افرادا
عكاظ