أيها الرضا، أين أنت؟!
أيها الرضا، أين أنت؟!
عزيزة المانع
شاهدت في مقطع فيديو امرأة شابة من اللاجئين السوريين، يحيط بها أطفالها الأربعة شعثا غبرا، يجلسون قرب خيمتهم الصغيرة حول نار أشعلتها يستدفئون بها في جو قارس البرودة. كانت المرأة تتحدث إلى أحد المراسلين بوجه باسم وصوت يعلو نبرته الامتنان والغبطة، قالت تهدم بيتنا وقتل زوجي ففررت بأطفالي إلى هنا. قال لها أراك تطعمين الصغار خبزا جافا وتسكنين معهم في هذه الخيمة الخالية من الدفء، قالت: «الحمد لله الخيمة أحسن من العراء، والخبز نعمة، نأكله ونحمد الله، المهم إننا بعيدون عن الخطر، وأولادي عندي طيبين»
أعدت الفيديو أكثر من مرة! أسرني مشهد هذه المرأة وهي تتحدث بكل هذا الرضا والامتنان، رغم بؤس الوضع الذي تعيش فيه! لم أسمع منها كلمة تذمر واحدة، فقدت الزوج والبيت وباتت مشردة في العراء وحيدة تحمل في عنقها مسؤولية رعاية أربعة من الصغار، لكنها بمجرد ما وجدت مأوى آمنا يحميها وصغارها من الرعب الذي كان يحوم فوق رؤوسهم، حمدت ربها وشكرته وارتسمت علامات الامتنان على وجهها!
أي امرأة هذه؟! كان الحوار معها درسا بليغا لكثير من الناس، الذين مهما ملكوا من المزايا يظلون غير راضين لا تسمع منهم سوى التذمر والشكوى!
حديث المرأة يؤكد أن السعادة أو لنقل الطمأنينة والانشراح، لا علاقة لها بالمعطيات المادية وإنما هي ذات علاقة بشيء آخر، يسميه الناس الرضا. حين رضيت بالوضع الذي آل إليه حالها، ورأت فيه خيرا لها ولأطفالها، شعرت بالراحة والطمأنينة تملأ قلبها.
هنا يظهر السؤال المحير؟ ما الذي يجعل هذه المرأة ترضى فتسعد، ويجعل غيرها يحرم من الرضا فيشقى؟! لم يحل الرضا في بعض الصدور فتهدأ وتطيب، ويغيب عن بعضها الآخر فتظل في غم وضيق ونكد؟
ابن حزم ينسب ذلك إلى الطمع، فيجعله سر شقاء الإنسان، فمن طبيعة الإنسان أنه في حالة طمع دائم، يطمع في الصحة وفي المال وفي المنصب وفي التفوق وفي الرئاسة وفي وفي.. مطامع الإنسان لا تنتهي، كلما حصل على شيء طمع في غيره، ولأن مطامع الإنسان لا تنتهي، فإن غمه وضيقه أيضا لا ينتهيان!
ما يؤكد هذا، أن الراضين ليسوا أناسا تخلو حياتهم من المضايقات، أو أنهم يحصلون على كل ما يودون، الراضون مثلهم مثل غيرهم، لديهم من الأسباب التي تدفع إلى الضيق والغم ما يكفي لأن يجعلهم يشعرون بالتعاسة تغطيهم من الرأس لأخمص القدم، لكنهم مع ذلك ليسوا كذلك، لأنهم راضون بما هم فيه، وكفى بالرضا انشراحا وراحة.
عيب الرضا أنه ليس شيئا يقتنى، هو نعمة من الله يرسلها إلى بعض من يحب من عباده، فيعيشون في طمأنينة وهدوء، ويحرم بعضهم منها فإذا هم يملكون كل شيء سوى الشعور بالسعادة.
فاللهم ارزقنا الرضا واجعل قلوبنا أرضا خصبة تنبت جذوره فوقها.
عكاظ
عزيزة المانع
شاهدت في مقطع فيديو امرأة شابة من اللاجئين السوريين، يحيط بها أطفالها الأربعة شعثا غبرا، يجلسون قرب خيمتهم الصغيرة حول نار أشعلتها يستدفئون بها في جو قارس البرودة. كانت المرأة تتحدث إلى أحد المراسلين بوجه باسم وصوت يعلو نبرته الامتنان والغبطة، قالت تهدم بيتنا وقتل زوجي ففررت بأطفالي إلى هنا. قال لها أراك تطعمين الصغار خبزا جافا وتسكنين معهم في هذه الخيمة الخالية من الدفء، قالت: «الحمد لله الخيمة أحسن من العراء، والخبز نعمة، نأكله ونحمد الله، المهم إننا بعيدون عن الخطر، وأولادي عندي طيبين»
أعدت الفيديو أكثر من مرة! أسرني مشهد هذه المرأة وهي تتحدث بكل هذا الرضا والامتنان، رغم بؤس الوضع الذي تعيش فيه! لم أسمع منها كلمة تذمر واحدة، فقدت الزوج والبيت وباتت مشردة في العراء وحيدة تحمل في عنقها مسؤولية رعاية أربعة من الصغار، لكنها بمجرد ما وجدت مأوى آمنا يحميها وصغارها من الرعب الذي كان يحوم فوق رؤوسهم، حمدت ربها وشكرته وارتسمت علامات الامتنان على وجهها!
أي امرأة هذه؟! كان الحوار معها درسا بليغا لكثير من الناس، الذين مهما ملكوا من المزايا يظلون غير راضين لا تسمع منهم سوى التذمر والشكوى!
حديث المرأة يؤكد أن السعادة أو لنقل الطمأنينة والانشراح، لا علاقة لها بالمعطيات المادية وإنما هي ذات علاقة بشيء آخر، يسميه الناس الرضا. حين رضيت بالوضع الذي آل إليه حالها، ورأت فيه خيرا لها ولأطفالها، شعرت بالراحة والطمأنينة تملأ قلبها.
هنا يظهر السؤال المحير؟ ما الذي يجعل هذه المرأة ترضى فتسعد، ويجعل غيرها يحرم من الرضا فيشقى؟! لم يحل الرضا في بعض الصدور فتهدأ وتطيب، ويغيب عن بعضها الآخر فتظل في غم وضيق ونكد؟
ابن حزم ينسب ذلك إلى الطمع، فيجعله سر شقاء الإنسان، فمن طبيعة الإنسان أنه في حالة طمع دائم، يطمع في الصحة وفي المال وفي المنصب وفي التفوق وفي الرئاسة وفي وفي.. مطامع الإنسان لا تنتهي، كلما حصل على شيء طمع في غيره، ولأن مطامع الإنسان لا تنتهي، فإن غمه وضيقه أيضا لا ينتهيان!
ما يؤكد هذا، أن الراضين ليسوا أناسا تخلو حياتهم من المضايقات، أو أنهم يحصلون على كل ما يودون، الراضون مثلهم مثل غيرهم، لديهم من الأسباب التي تدفع إلى الضيق والغم ما يكفي لأن يجعلهم يشعرون بالتعاسة تغطيهم من الرأس لأخمص القدم، لكنهم مع ذلك ليسوا كذلك، لأنهم راضون بما هم فيه، وكفى بالرضا انشراحا وراحة.
عيب الرضا أنه ليس شيئا يقتنى، هو نعمة من الله يرسلها إلى بعض من يحب من عباده، فيعيشون في طمأنينة وهدوء، ويحرم بعضهم منها فإذا هم يملكون كل شيء سوى الشعور بالسعادة.
فاللهم ارزقنا الرضا واجعل قلوبنا أرضا خصبة تنبت جذوره فوقها.
عكاظ