يا ضنك يا ضنك اتدلّع
يا ضنك يا ضنك اتدلّع
حمود أبو طالب
أكتب مرة جديدة عن حمى الضنك «الجدّاوية» بالذات لأكثر من سبب:
أولا: لأنها كما يبدو سوف تصبح مرتبطة بتأريخ مدينة جدة، وإحدى أساطيره التي ستتناقلها الأجيال. ثانيا: لأن البعوض الناقل للمرض مرشح لدخول موسوعة جينيس كأغلى بعوض في التأريخ منذ تخصيص حوالى ٨ مليارات لمكافحته في عام ٢٠٠٦ وما تلاها من مليارات إضافية إلى الآن. ثالثا: لأنه تم تسجيل موجة جديدة من الإصابات بلغت ٥٠٠ إصابة خلال ١٠ أسابيع فقط. رابعا: لأني أحد سكان حي من الأحياء التي صنفها الزملاء في صحة جدة أخيرا بالأكثر وبائية وطلبوا من سكانها التعاون لإنجاح حملتهم التوعوية.خامسا: لمعرفتي الأكيدة كطبيب ومهتم بالتثقيف والتوعية الصحية أن الحملة التوعوية التي سينفذها الزملاء في صحة جدة تحت شعار «عينك عليها.. للحد من تكاثرها» و «جدة عروس بدون ناموس» متمثلة في آلاف المطويات وزيارات المنازل لن تسفر عن نتيجة ملموسة، لأن الشعارات والنصائح لن تحل المشكلة، ولأن أساس المشكلة ليس من مسؤولية وزارة الصحة في المقام الأول، ولأن الأسباب الجوهرية المهمة ما زالت موجودة منذ تسجيل أول إصابة الى الآن.
أستطيع أن أسرد مزيدا من الأسباب، ولكن لضيق المساحة سأكتفي بما سبق ثم أقول إننا إزاء وضع غير منطقي ولا مقبول ولا مفهوم؛ لأننا لسنا في مواجهة مرض غامض وعصيّ، بل مرض معروف واضح الأسباب، وممكن جدا إزالتها أو السيطرة عليها بشكل كبير كأضعف الإيمان، لاسيما وقد خصصت الدولة لهذا الغرض مليارات عديدة، وعندما نتحدث عن هذه المليارات التي رصدت فإنها قد تقارب الميزانيات العامة لبعض الدول وليس لمكافحة وباء في مدينة واحدة.
وعندما يقول وزراء الصحة والزراعة والشؤون البلدية والقروية (صحيفة الاقتصادية ٢١ مارس) أنه رغم الجهود الكبيرة والمستمرة التي تبذلها الوزارات الثلاث إلا أن عدد الإصابات لا يزال كبيرا، وهو مؤشر على أن أعمال المكافحة الحالية تواجهها بعض التحديات، عندما يقولون ذلك نقول لهم: عفوا يا أصحاب المعالي، مكافحتكم تواجه تحديا كاملا وشاملا وليس بعض التحديات، وهذا إما يعني أنها مكافحة غير موجودة أو أنها موجودة ولكنها خاطئة تماما. احتمالان لا ثالث لهما، لأنها لو كانت موجودة وصحيحة حتى مع القصور، أو حتى مع أخطاء بسيطة لما تحدانا الوباء بهذا الشكل المخجل. ولذلك لم يعد مناسبا التعامل معه ومع المجتمع بهذا الشكل من التبريرات التبسيطية.
أما إذا لم يتغير الحال، ولم تبدأ المليارات في تحقيق نتائج تبرر أقل القليل منها، فسوف تستمر العروس بناموس، وسوف تعيش من ضنك إلى ضنك إلى ما لا نهاية، ويستحسن عندئذ أن يكون شعار سكان جدة: يا ضنك يا ضنك اتدلّع.
عكاظ
حمود أبو طالب
أكتب مرة جديدة عن حمى الضنك «الجدّاوية» بالذات لأكثر من سبب:
أولا: لأنها كما يبدو سوف تصبح مرتبطة بتأريخ مدينة جدة، وإحدى أساطيره التي ستتناقلها الأجيال. ثانيا: لأن البعوض الناقل للمرض مرشح لدخول موسوعة جينيس كأغلى بعوض في التأريخ منذ تخصيص حوالى ٨ مليارات لمكافحته في عام ٢٠٠٦ وما تلاها من مليارات إضافية إلى الآن. ثالثا: لأنه تم تسجيل موجة جديدة من الإصابات بلغت ٥٠٠ إصابة خلال ١٠ أسابيع فقط. رابعا: لأني أحد سكان حي من الأحياء التي صنفها الزملاء في صحة جدة أخيرا بالأكثر وبائية وطلبوا من سكانها التعاون لإنجاح حملتهم التوعوية.خامسا: لمعرفتي الأكيدة كطبيب ومهتم بالتثقيف والتوعية الصحية أن الحملة التوعوية التي سينفذها الزملاء في صحة جدة تحت شعار «عينك عليها.. للحد من تكاثرها» و «جدة عروس بدون ناموس» متمثلة في آلاف المطويات وزيارات المنازل لن تسفر عن نتيجة ملموسة، لأن الشعارات والنصائح لن تحل المشكلة، ولأن أساس المشكلة ليس من مسؤولية وزارة الصحة في المقام الأول، ولأن الأسباب الجوهرية المهمة ما زالت موجودة منذ تسجيل أول إصابة الى الآن.
أستطيع أن أسرد مزيدا من الأسباب، ولكن لضيق المساحة سأكتفي بما سبق ثم أقول إننا إزاء وضع غير منطقي ولا مقبول ولا مفهوم؛ لأننا لسنا في مواجهة مرض غامض وعصيّ، بل مرض معروف واضح الأسباب، وممكن جدا إزالتها أو السيطرة عليها بشكل كبير كأضعف الإيمان، لاسيما وقد خصصت الدولة لهذا الغرض مليارات عديدة، وعندما نتحدث عن هذه المليارات التي رصدت فإنها قد تقارب الميزانيات العامة لبعض الدول وليس لمكافحة وباء في مدينة واحدة.
وعندما يقول وزراء الصحة والزراعة والشؤون البلدية والقروية (صحيفة الاقتصادية ٢١ مارس) أنه رغم الجهود الكبيرة والمستمرة التي تبذلها الوزارات الثلاث إلا أن عدد الإصابات لا يزال كبيرا، وهو مؤشر على أن أعمال المكافحة الحالية تواجهها بعض التحديات، عندما يقولون ذلك نقول لهم: عفوا يا أصحاب المعالي، مكافحتكم تواجه تحديا كاملا وشاملا وليس بعض التحديات، وهذا إما يعني أنها مكافحة غير موجودة أو أنها موجودة ولكنها خاطئة تماما. احتمالان لا ثالث لهما، لأنها لو كانت موجودة وصحيحة حتى مع القصور، أو حتى مع أخطاء بسيطة لما تحدانا الوباء بهذا الشكل المخجل. ولذلك لم يعد مناسبا التعامل معه ومع المجتمع بهذا الشكل من التبريرات التبسيطية.
أما إذا لم يتغير الحال، ولم تبدأ المليارات في تحقيق نتائج تبرر أقل القليل منها، فسوف تستمر العروس بناموس، وسوف تعيش من ضنك إلى ضنك إلى ما لا نهاية، ويستحسن عندئذ أن يكون شعار سكان جدة: يا ضنك يا ضنك اتدلّع.
عكاظ