هل يؤدي التطعيم إلى التوحد؟
هل يؤدي التطعيم إلى التوحد؟
د. أسامة أبو الرب
احتفى العالم أمس الأحد 2 أبريل/نيسان الجاري باليوم العالمي للتوعية بالتوحد، ومع أن هذا الاحتفاء من المفترض أن يزيد التوعية بالمرض فإنه شهد عودة المزاعم التي تربط بين إصابة الطفل بالتوحد وحصوله على التطعيم، فما هي الحقيقة؟
بداية علينا أن نعرف ما هو التوحد، وما هو التطعيم، فالتوحد هو مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ تعرف باسم اضطرابات طيف التوحد، ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة أسبرغر، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
أما التطعيم فهو مستحضر يعطى للشخص لتكوين مناعة في جسمه ضد مرض معين، ويتكون من جراثيم المرض التي تم قتلها أو إضعافها، وعند دخولها الجسم فإنها تحفز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة لمرض معين وذاكرة مناعية، بحيث يتذكر جهاز المناعة الميكروب المسبب للمرض فيقوم بمهاجمته والقضاء عليه فورا عندما يدخل الجسم في المرة اللاحقة.
ويحتوي التطعيم على جراثيم أو فيروسات أضعفت بحيث لم تعد خطيرة على الجسم، ولكنها قادرة في نفس الوقت على تحفيز جهاز المناعة وجعله يصنع أجساما مضادة لها، مما يعطي الجسم مناعة من الميكروب، فإذا ما تعرض للميكروب الحقيقي فإنه يكون مستعدا وجاهزا للقضاء عليه من اللحظة الأولى.
وهناك عوامل عديدة وراثية وبيئية قد تسهم في الإصابة بالتوحد عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر، ولكن التطعيم ليس منها.
وهنا نستعرض بعض الإفادات العلمية التي تنفي علاقة التطعيم بالتوحد:
وفقا للجنة العلمية لدراسة سلامة التطعيمات التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإنه وبناء على مراجعتها الأدلة بشأن هذا الزعم لا توجد علاقة بين التطعيم والإصابة بالتوحد.
وفقا لمراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن التطعيمات لا تؤدي إلى التوحد، كما أن مكونات التطعيمات -لمن يزعم أن المشكلة ليست في التطعيم بل في المواد المضافة إليه- أيضا لا تؤدي إطلاقا للتوحد.
وفقا لوزارة الصحة القطرية لا توجد أي علاقة بين لقاح الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (MMR) وإصابة الأطفال بمرض التوحد، ولا تعدو الأخبار التي تربط بينهما عن كونها شائعات لا تستند إلى أي أساس علمي.
ولكن من أين أتت هذه المغالطة بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد؟
تعود هذه المغالطة إلى عام 1998 عندما نشر الطبيب أندرو وكفيلد دراسة في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" وشملت 12 طفلا مصابا بالتوحد، وزعم فيها أن المطعوم الثلاثي (MMR) الذي يعطى ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد.
وبعد نشر الدراسة تم إجراء عدة مراجعات لها، وتبين الآتي:
المراجعون وصفوا البحث بـ"تزوير متقن".
تم إجراء عدة أبحاث لاحقة، لكن لم ينجح أي منها في إثبات مزاعم وكفيلد.
في عام 2010 سحبت مجلة لانسيت الدراسة.
في العام نفسه تم سحب ترخيص وكفيلد لممارسة الطب في المملكة المتحدة.
وفي قرار المجلس الطبي البريطاني بسحب ترخيص وكفيلد قال المجلس إن وكفيلد كان بإمكانه التراجع عن نتائج بحثه والاعتراف بوجود إشكاليات، ولكنه لم يفعل وتصرف بصورة غير صادقة وغير مسؤولة.
كما لفت إلى حادثة حصلت قام فيها وكفيلد بدفع خمسة جنيهات إسترلينية لأطفال حضروا حفل عيد ميلاد مقابل تبرعهم بالدم لدراسة يجريها.
وعلى الرغم من ثبات بطلان مزاعم وكفيلد فإن هذه الدراسة ما زال يستخدمها معارضو التطعيم لدعم مزاعمهم التي كثيرا ما يتم تقديمها مع مزاعم بوجود "مؤامرة" من قبل جهات معينة أو شركات الأدوية التي تصنع التطعيمات ولا تريد للناس معرفة الحقيقة للحفاظ على أرباحها على سبيل المثال.
ويشكل الزعم بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد خدعة كبرى للناس وجريمة بحق المجتمع، فهو يمنعهم من إعطاء التطعيمات لأبنائهم، مما سيؤدي إلى تفشي الأوبئة والأمراض، ويعد تفشي مرض الحصبة في ولاية كاليفورنيا الأميركية في عام 2015 مثالا على ذلك.
وأدى التفشي وقتها إلى إصابة 131 شخصا في الولاية، وربط الأطباء ذلك بحركة مناهضة التطعيم وما تثيره من مخاوف إزاء الآثار الجانبية للقاحات، مستندة إلى أبحاث غير دقيقة تربط بين هذه الآثار والإصابة بمرض التوحد، مما دفع بعض الآباء إلى رفض تطعيم أبنائهم ضد المرض.
ووقتها دعا مسؤولو الصحة إلى حملة تطعيم واسعة لمنع تفشي الحصبة مجددا، والتي كانت السلطات الأميركية قد أعلنت خلو البلاد منها عام 2000.
كما أن هذا الزعم الكاذب بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد يضع أهل المصابين بالتوحد أمام عذاب نفسي لا يوصف عبر توجيه لوم مبطن لهم لأنهم سمحوا لأبنائهم بتلقي التطعيمات، وكل هذا بناء على ادعاءات زائفة.
وبمناسبة اليوم العالمي للتوحد حان الوقت لنقف ونقول بصوت واحد: أوقفوا هذا الهراء.. فالتطعيم بريء من مرض التوحد براءة الذئب من دم يوسف!
الجزيرة
د. أسامة أبو الرب
احتفى العالم أمس الأحد 2 أبريل/نيسان الجاري باليوم العالمي للتوعية بالتوحد، ومع أن هذا الاحتفاء من المفترض أن يزيد التوعية بالمرض فإنه شهد عودة المزاعم التي تربط بين إصابة الطفل بالتوحد وحصوله على التطعيم، فما هي الحقيقة؟
بداية علينا أن نعرف ما هو التوحد، وما هو التطعيم، فالتوحد هو مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ تعرف باسم اضطرابات طيف التوحد، ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة أسبرغر، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
أما التطعيم فهو مستحضر يعطى للشخص لتكوين مناعة في جسمه ضد مرض معين، ويتكون من جراثيم المرض التي تم قتلها أو إضعافها، وعند دخولها الجسم فإنها تحفز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة لمرض معين وذاكرة مناعية، بحيث يتذكر جهاز المناعة الميكروب المسبب للمرض فيقوم بمهاجمته والقضاء عليه فورا عندما يدخل الجسم في المرة اللاحقة.
ويحتوي التطعيم على جراثيم أو فيروسات أضعفت بحيث لم تعد خطيرة على الجسم، ولكنها قادرة في نفس الوقت على تحفيز جهاز المناعة وجعله يصنع أجساما مضادة لها، مما يعطي الجسم مناعة من الميكروب، فإذا ما تعرض للميكروب الحقيقي فإنه يكون مستعدا وجاهزا للقضاء عليه من اللحظة الأولى.
وهناك عوامل عديدة وراثية وبيئية قد تسهم في الإصابة بالتوحد عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر، ولكن التطعيم ليس منها.
وهنا نستعرض بعض الإفادات العلمية التي تنفي علاقة التطعيم بالتوحد:
وفقا للجنة العلمية لدراسة سلامة التطعيمات التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإنه وبناء على مراجعتها الأدلة بشأن هذا الزعم لا توجد علاقة بين التطعيم والإصابة بالتوحد.
وفقا لمراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن التطعيمات لا تؤدي إلى التوحد، كما أن مكونات التطعيمات -لمن يزعم أن المشكلة ليست في التطعيم بل في المواد المضافة إليه- أيضا لا تؤدي إطلاقا للتوحد.
وفقا لوزارة الصحة القطرية لا توجد أي علاقة بين لقاح الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (MMR) وإصابة الأطفال بمرض التوحد، ولا تعدو الأخبار التي تربط بينهما عن كونها شائعات لا تستند إلى أي أساس علمي.
ولكن من أين أتت هذه المغالطة بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد؟
تعود هذه المغالطة إلى عام 1998 عندما نشر الطبيب أندرو وكفيلد دراسة في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" وشملت 12 طفلا مصابا بالتوحد، وزعم فيها أن المطعوم الثلاثي (MMR) الذي يعطى ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد.
وبعد نشر الدراسة تم إجراء عدة مراجعات لها، وتبين الآتي:
المراجعون وصفوا البحث بـ"تزوير متقن".
تم إجراء عدة أبحاث لاحقة، لكن لم ينجح أي منها في إثبات مزاعم وكفيلد.
في عام 2010 سحبت مجلة لانسيت الدراسة.
في العام نفسه تم سحب ترخيص وكفيلد لممارسة الطب في المملكة المتحدة.
وفي قرار المجلس الطبي البريطاني بسحب ترخيص وكفيلد قال المجلس إن وكفيلد كان بإمكانه التراجع عن نتائج بحثه والاعتراف بوجود إشكاليات، ولكنه لم يفعل وتصرف بصورة غير صادقة وغير مسؤولة.
كما لفت إلى حادثة حصلت قام فيها وكفيلد بدفع خمسة جنيهات إسترلينية لأطفال حضروا حفل عيد ميلاد مقابل تبرعهم بالدم لدراسة يجريها.
وعلى الرغم من ثبات بطلان مزاعم وكفيلد فإن هذه الدراسة ما زال يستخدمها معارضو التطعيم لدعم مزاعمهم التي كثيرا ما يتم تقديمها مع مزاعم بوجود "مؤامرة" من قبل جهات معينة أو شركات الأدوية التي تصنع التطعيمات ولا تريد للناس معرفة الحقيقة للحفاظ على أرباحها على سبيل المثال.
ويشكل الزعم بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد خدعة كبرى للناس وجريمة بحق المجتمع، فهو يمنعهم من إعطاء التطعيمات لأبنائهم، مما سيؤدي إلى تفشي الأوبئة والأمراض، ويعد تفشي مرض الحصبة في ولاية كاليفورنيا الأميركية في عام 2015 مثالا على ذلك.
وأدى التفشي وقتها إلى إصابة 131 شخصا في الولاية، وربط الأطباء ذلك بحركة مناهضة التطعيم وما تثيره من مخاوف إزاء الآثار الجانبية للقاحات، مستندة إلى أبحاث غير دقيقة تربط بين هذه الآثار والإصابة بمرض التوحد، مما دفع بعض الآباء إلى رفض تطعيم أبنائهم ضد المرض.
ووقتها دعا مسؤولو الصحة إلى حملة تطعيم واسعة لمنع تفشي الحصبة مجددا، والتي كانت السلطات الأميركية قد أعلنت خلو البلاد منها عام 2000.
كما أن هذا الزعم الكاذب بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد يضع أهل المصابين بالتوحد أمام عذاب نفسي لا يوصف عبر توجيه لوم مبطن لهم لأنهم سمحوا لأبنائهم بتلقي التطعيمات، وكل هذا بناء على ادعاءات زائفة.
وبمناسبة اليوم العالمي للتوحد حان الوقت لنقف ونقول بصوت واحد: أوقفوا هذا الهراء.. فالتطعيم بريء من مرض التوحد براءة الذئب من دم يوسف!
الجزيرة