• ×
admin

سكر الحمل.. ماذا لو خضتِ التجربة بشجاعة؟

سكر الحمل.. ماذا لو خضتِ التجربة بشجاعة؟

مــــرام العتـيبــي

لطالما شكا مرضى السكر من كثرة وخز الإبر، وكثرة مرات التحليل تارةً عند الصباح، وتارةً بعد الوجبات، وأخرى عند النوم، ولطالما تمكن اليأس منهم والضجر! وكثيراً ما يعودون إلينا في عيادة السكر قليلي الحيلة والصبر يحملون معهم العديد من الأسئلة، والقصص المليئة بالملل، فيشتكي الأول من وخز الإبر وتناول الأدوية وتشتكي الأخرى شوقها لتناول بضعاً من الحلوى، فنسعى جاهدين لتقديم المشورة والطرق اليسيرة في ضبط السكري، وفي الحقيقة، لطالما يتكرر هذا المشهد يوماً بعد يوم وإن اختلف الأشخاص، المكان والزمان، إلا أن القصة تختلف مع الكثير من السيدات المصابات بسكر الحمل، والتي تبدأ غالباً في الأسبوع الرابع والعشرين، وبعد ظهور النتيجة الإيجابية لاختبار تحمل الجلوكوز تأتي الأم وقد سحقها الخوف على جنينها فتبدأ بطرح الأسئلة متتالية، وكأنها ترغب لو أن هنالك خطأ ما! فتراها تتجاهل الأعراض حيناً وتتجاهل عوامل الخطورة حيناً آخر، وحينما يأتي الحديث عن تأثير هرمونات المشيمة في تثبيط عمل الأنسولين وتقليل الكمية المفرزة من البنكرياس مما يسبب الارتفاع الشديد في سكر الدم، وأن ذلك أمر خارج عن إرادتها، تراها تجمع قواها وتسترد شجاعتها، فنقول هنالك عوامل خطورة تزيد من خطر الإصابة بسكر الحمل ومنها، تجاوز السيدة 35 عاماً، السمنة، الإصابة السابقة بسكر الحمل، فضلاً عن التاريخ الوراثي للعائلة.

ويختلف الأمر إذا لم تكن هذه المرة الأولى التي تصاب فيها بسكر الحمل، فتأتي الأم متأهبة وبشجاعة كاملة للتغلب على سكر الحمل كما في المرة السابقة! تأتي بقوة لتهزم رغبتها في تناول الحلوى، والأطعمة الغنية بالسكريات، لتقاوم ارتفاع السكر المنبوذ، تأتي وهي تعلم أنها ستتجرع الكثير من الألم حين تخز الإبرة أربع مرات يومياً لإجراء التحليل المنزلي ومراقبة مستوى السكر في الدم. فتعمل جاهدة لاختيار الأطعمة الغنية بالألياف، الحبوب الكاملة، البروتين والخضروات، وتسعى دائماً لممارسة رياضة المشي بعد كل وجبة لمدة ربع ساعة حرصاً منها على ضبط معدل السكر بعد الوجبات، ما لم يعقها أي مانع صحي آخر خلال فترة الحمل.

فلم أر التزاماً كالتزام الأم المصابة بسكر الحمل على اتباع الحمية الغذائية وممارسة الرياضة وتسجيل قراءات تحليل السكر اليومية، وحرص كحرصها على حضور مواعيد عيادة تعليم السكر، ولربما كان مصدر هذا الاهتمام والالتزام في ضبط السكر هو الحفاظ على صحة الجنين وتقليل المضاعفات التي قد تؤثر عليه والتي منها زيادة الوزن، مشاكل الجهاز التنفسي، اليرقان (الصفار)، وانخفاض مستوى السكر عند الولادة؛ من جانب آخر فلا شك أن التزام الأم بمعدل السكر المنتظم سعياً منها لتقليل مضاعفات خطرة قد تؤثر على صحتها كتسمم الحمل، مشاكل المسالك البولية، أو الإصابة بالسكر من النوع الثاني بعد الولادة، والجديد في الأمر أن المضاعفات ليست هي المحفز الوحيد للأم الحامل لتلتزم بمعدل السكر المنتظم ولكن رأيت الكثير منهن يخشين أن يدفعهم عدم انتظام السكر إلى اللجوء لتناول الحبوب المنظمة للسكر أو أخذ إبر الأنسولين، على الرغم من أنها أدوية مقبولة وآمنة من وجهة نظر الأطباء وقد أثبتت فعاليتها لعلاج سكر الحمل.

ولا يزال هنالك وقت للحديث عن بعض تجارب الوقت بدل الضائع! فلا الأم تحرص على اتباع الحمية الغذائية، ولا تناول الحبوب المنظمة للسكر، ولا إجراء الفحوصات اليومية، ولا حضور المواعيد في بعض الأحيان، وكلما اقترب موعد الولادة، زادت مقاومة الجسم للأنسولين، وزاد معدل السكر ارتفاعاً، فيزداد الأمر سوءا فلا الحمية والرياضة أو الحبوب تجدي نفعاً، فتضطر لتغيير الخطة العلاجية والبدء بأخذ الأنسولين فيزداد عليها العبء فتجاهد وتحاول ضبط السكر قدر المستطاع!

ومن القصص الشائعة الناتجة عن قلة الوعي والمعرفة، تلك الأم الحامل التي باتت تشكو من شدة العطش، الجوع وكثرة التبول والصداع المستمر طيلة فترة حملها واكتشفت سكر الحمل في وقت متأخر بعد ما زاد حجم الجنين، وقد تضطر للولادة بعملية قيصرية ويعزو ذلك لجهلها بأعراض ارتفاع السكر في الدم.

ماذا لو خضت التجربة بشجاعة، ماذا لو تجرعت القليل من الصبر لتنعمي في النهاية بولادة طبيعية، وتقر عيناك بطفل سليم لا يشكو من أي مضاعفات، ولأن الوقت لن يتسع للمزيد من التجارب، فنحن نشيد بشجاعة أولئك السيدات المصابات بسكر الحمل والقادرات على التحكم في معدل السكر الطبيعي، ونسعى كذلك لتوعية المجتمع بأهمية إجراء فحص السكري أثناء الحمل وبعد الولادة، وأهمية تبني سلوك ونمط حياة صحي خلال فترة الحمل.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1421